الإثنين  06 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حكومة وحدة وطنية… أو الغرق| بقلم: د. حسن أبولبده

2021-05-23 11:47:18 PM
حكومة وحدة وطنية… أو الغرق| بقلم: د. حسن أبولبده
حسن أبو لبده

 

وضع العدوان الإسرائيلي أوزاره مؤقتا إلى حين العدوان التالي، وهو مسألة وقت لا أكثر. تكبد شعبنا بسببه خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات في معركة غير متكافئة على كافة المستويات، وخسرت الحكومة معركة استمرار إدارة البلاد، بعد أن أنهكتها قلة الحيلة في مواجهة كورونا والتقدم في الملف الاقتصادي وفرملة تغول السلطة التنفيذية على القضاء، والفشل في استمرار حيازة ثقة الجمهور.

لا يختلف اثنان أن هذه المواجهة كرست حقيقة أن التفوق العسكري المهول لإسرائيل في مواجهة فصائل المقاومة في غزة لا يحصنها من وصول ذراع المقاومة إلى أي مكان في إسرائيل وخدشها وزرع الرعب بين مواطنيها. وأدرك العالم، مرة أخرى، أنه لن يستقيم الحال أبدا بدون مسار سياسي ورفع الحصار على غزة وفتح نافذة أمل بالمستقبل لشبابها.  وفي جميع الأحوال تستمر إسرائيل، مرة أخرى، باستخدام شعبنا الأعزل في غزة للنيل من فصائل المقاومة ورفع ثمن "تطاولها على المشهد".  وبينما تسجل إسرائيل بطولات دموية على أطفالنا ونسائنا وكهولنا، تسطر المقاومة فصلا جديدا من توازن معنوي حقيقي مع آلة الفتك الجبارة، وإفشال إسرائيل في تدفيعها ثمن التمرد على ما يرسم لها من مسار خنوع واستسلام دون قيد أو شرط، كثمن لاستمرار تصدرها المشهد في غزة وعلى المسرح الفلسطيني.

في هذه الأثناء، وبعد طول غياب، استيقظ المارد التعاطف والاصطفاف الشعبي في العالم وتحولت العواصم إلى مسارح تضامنية مع محنة الشعب الفلسطيني بصفته ضحية أعتى قوة عسكرية غاشمة، وكأننا عدنا بالزمن إلى سنوات السبعينيات والثمانينيات، حين كانت صرخة طفلة فلسطينية كافية لإخراج مظاهرات مليونية في العواصم العربية والأوروبية انتصارا لقضيتنا. وإن كان لنا سرد أي إنجازات فلسطينية إضافية تحققت في صد العدوان، فإن صحوة الضمير العالمي وحركات التضامن مع قضيتنا تأتي في المقدمة، وتمهد لإمكانية الاستثمار الاستراتيجي في ديمومتها.

لا يخفى على أحد أن الحرب على غزة عمقت الفجوة بين المواطن والحكومة لعجزها عن القيام بأي تدخل ذي مغزى أو وزن في سياق الدفاع عن شعبنا وتطبيب جراحه ودعم صموده.  لقد دفعت السلطة خلال أقل من عامين ثمنا باهظا للعديد من إخفاقات الحكومة، ما بين سوء إدارة الوقاية من جائحة كورونا، وتفردها في اتخاذ القرار وإقصاء الشركاء التقليدين في كافة المجالات، ضاربة بعرض الحائط تقاليد سنوات طوال من المشاركة المجتمعية والإدارة التشاركية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والعامة في صنع السياسات وتطوير التشريعات الأولية والثانوية.  ومنعت الظروف وسياسة الإقصاء تحقيق إنجازات حقيقية تسجل في تاريخها، باستثناء تشديد القبضة على مقاليد الحكم والعمل بمعزل عن الشركاء التقليديين. ومما زاد الطين بلة، تأجيل الانتخابات التشريعية خلافا لرغبة الجماهير، دون اكتراث لحالة الغليان الداخلية والسخط الدولي، لعدم احترام مبدأ تداول السلطة بالانتخاب، والتي تعتبر أحد أهم الحقوق الفردية والجماعية، واستحقاق غير قابل للتصرف من أي كان، مما وجد تعبيراته بالمزيد من السخط على أداء الحكومة.

خلفت الحرب استحقاقات كبيرة على طاولة الحكومة والنظام السياسي، أقلها العمل على تعويض شعبنا في غزة وإسناد ذوي الشهداء والجرحى وإعادة إعمار ما دمره العدوان. وفي الوقت الذي أسفر فيه العدوان الهمجي عن خسائر جمة في كافة المجالات، لكن ما جرى في القدس وغزة بشر بعهد جديد تجاوز فيه الناس مجمل الطبقة السياسية الحاكمة، وفرضوا عليها استحقاق الاعتراف بالعجز وربما التسليم بحتمية تداول السلطة عبر صندوق الاقتراع، والتسليم بأهمية الوحدة الوطنية كمدخل للإنقاذ الشامل.

في المقابل مهدت قسوة الأحداث ودمويتها بحق شعبنا الأعزل لصحوة شبابية فلسطينية مبشرة، وزيادة الفرصة لإمكانية الانخراط الجدي بمنهج وبرنامج للمقاومة الشعبية، وعودة التضامن الشعبي العالمي مع قضيتنا، وتزايد الإحساس العالمي بعدالتها ومركزيتها في منظومة الاستقرار العالمي، وعمقت الفجوة بين الرأي العام الدولي وإسرائيل كقوة احتلال والمستوطنين كخطر استراتيجي على مستقبل السلام واستقرار المنطقة، واحتمال التمكن من تحقيق السلام.

إن أزمتنا المتفاقمة على كافة الأصعدة تستدعي تجاوز الوضع القائم بشكل جدي وجذري، والعمل الفوري على ممارسة الوحدة الوطنية بتشكيل حكومة وحدة وطنية مخولة تماما للقيام بأعباء مرحلة قاتمة دموية. هذه الحكومة يجب أن تكون ذات صلاحيات واسعة وشاملة للجميع، عابرة للفصائل والقيوىـ وتتمتع بتمثيل محترم للشركاء المستبعدين حاليا.

حكومة كهذه يجب أن يكون على رأس جدول أعمالها التعويض وإعادة الإعمار والتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية يجري عقدها قبل نهاية هذا العام، وإعادة الاعتبار لدور المجتمع المدني بمؤسساته العامة والأهلية والقطاع الخاص كشركاء طبيعيين للقطاع العام، والتعامل بجدية مع مهمة مكافحة الفساد وإطلاق الحريات، وتأكيد الالتزام والعمل الجاد لاستعادة استقلال القضاء والاستثمار في تمكينه وتفعيله وتطهيره، وإلغاء القوانين المقيدة لاستقلاله، والحد من تدخل الأجهزة الأمن في الشؤون المدنية.

حكومة كهذه هي استحقاق وطني ملح ومصيري، حيث إن الحكومة الحالية استنفذت الغرض من وجودها حتى قبل العدوان.  ونتوقع من الرئيس تبني برنامج وطني جريء لتغيير المسار، ويبدأ ذلك باختيار رئيس وزراء حر شريف نظيف اليد عصامي جريء وطني مقاتل، لا يخشى في الحق لومة لائم، سقفه مصالحنا الوطنية وليس الولاء لهذا أو ذاك، على أن يمنح صلاحية وحرية مطلقة في اختيار فريقه، يمارس صلاحياته المنصوص عليها بالقانون الأساسي دون نقصان، ويحاسب على برنامجه وليس على ولائه.

الكرة اليوم في ملعب الرئيس، فهو العنوان في توفير الأجواء لصناعة التغيير، والانحياز للجماهير والاصطفاف خلف رغبتها بإحداث ثورة حقيقية في الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي.  لا يملك أي منا ترف الانتظار إلى أن تتبدل الظروف في الإقليم والعالم، ولا نملك ترف تأجيل أي من الاستحقاقات. 

نحن جميعاً اليوم أمام لحظة الحقيقة في الانتفاض على الوضع القائم والعمل "خارج الصندوق" والتصرف بجسارة وجرأة ومواجهة، فإما الاعتراف بحاجتنا إلى بداية جديدة جوهرها الانحياز للجماهير بما ترغب وتطلب وتنتظر، والعمل على تحقيق ذلك عبر حكومة وحدة وطنية جسورة بوصلتها مصالحنا الوطنية. . . أو الغرق.