الخميس  28 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"منعت من الطعام والشراب وواجهت ألفاظا عنصرية".. الإعلامية نسرين سالم تروي لـ"الحدث" تجربة اعتقالها

2021-10-31 03:11:06 PM
لحظة اعتقال الصحفية نسرين سالم

الحدث- سوار عبد ربه

أحدثت أحداث الشيخ جراح في القدس المحتلة، نقلة نوعية في تاريخ التضامن العربي والعالمي مع القضية الفلسطينية، إذ شهدت شوارع مختلف دول العالم تضامنا غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني حول العالم، ذلك بعد أن تصدرت قضية الحي مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار لأشهر متتالية، الأمر الذي أزعج الاحتلال وأعوانه، لأنه كشف زيف ادعائاتهم التي حاولوا إخفاءها إعلاميا وخاصة في الدول الغربية لعقود من الزمن، ما دفعهم للتعامل مع الإعلاميين والنشطاء وأعين الحقيقة بطرق مغايرة، إذ بدأت تتصاعد وتيرة الاعتداءات والقمع على الصحفيين المتواجدين في الميدان، وعلى النشطاء بعضهم اعتقل، وآخر اعتدت قوات الاحتلال عليه وأتلفت معداته.

وفي ظل هذه البيئة العدوانية للصحافة ووسائل الإعلام، كانت الإعلامية نسرين سالم آخر ضحايا اعتداءات الاحتلال وقواته، عندما كانت في تغطية لأحداث باب العامود الأخيرة وما نتج عنها من مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال.

تقول سالم لصحيفة الحدث: "كنت أغطي الأحداث والمواجهات في باب العامود لأتفاجأ بجندي يدفعني، وبعدها توالت الضربات من الجنود والمجندات، ثم اقتادوني إلى نقطة التفتيش، وواصلوا اعتداءاتهم بالضرب وأنا مكبلة اليدين حيث لم أكن قادرة على الدفاع عن نفسي".

وأضافت سالم: "حاولت إحدى المجندات رشي بالغاز، دون أدنى مراعاة للحالة الصحية والحساسية الجلدية المفرطة التي أعاني منها، والتي أخبرتهم بها عقب اعتقالي".

وتابعت: "اقتادوني بعدها إلى مركز تحقيق في شارع صلاح الدين، وهناك تعرضت لألفاظ عنصرية بسبب لون بشرتي السوداء، ووصفوني بـ"العبدة"، وبقيت في مركز التحقيق الذي "يموت فيه الوقت"، والذي لا تصله شمس ولا هواء، مدة ست ساعات، وعندما طلبنا منهم الطعام، أحضروا لنا خبزا متعفنا، وكنوع من الاستفزاز كانوا يتناولون مختلف الأطعمة أمامنا".

ووصفت نسرين الغرفة التي تواجدت فيها بأن مساحتها صغيرة جدا، إذ يجلس كل اثنين متقابلين، وكانوا حوالي 12 شخصا وسجانين، رغم أن مساحتها لا تكفي لهذا العدد، وهناك نحن ممنوعون يمنع معرفة الوقت، ومنعنا كذلك من الحديث".

 وفي سؤال حول تلقيها العلاج اللازم بعد الضربات التي تلقتها والتي أدت إلى آلام كبيرة بحسب ما أوضحت نسرين سالم، قالت: "أحضروا لنا طبيبا ليكشف على مكان الاعتداء، لكنه لم يقم بدوره اللازم مطلقا، كما أنه يتعامل مع كافة الحالات بطريقة واحدة، إذ يرش مادة على مكان الألم ويخرج دون أن يشرح للمصاب عن حالته، وكان معنا شاب تعرض للضرب المبرح، لم يقم الطبيب بمعاينته ليكتشف لاحقا بعد خروجه أن لديه كسور في اليدين والكتف.

وأردفت سالم: "بعد انتهائنا من مركز التحقيق في شارع صلاح الدين اقتادونا إلى نقطة غير معلومة، عرفنا لاحقا أنها في جبل المكبر، وحتى هذه اللحظة لم أعرض على التحقيق ولا أعلم ما هي تهمي، كما أنهم أوقفونا في البرد مدة 15 دقيقة، ورفضوا تقديم الطعام أو الماء لنا بحجة عدم توفره، كما أنهم منعونا من الحديث.

ولم تقتصر معاملة الضباط لسالم على منع الطعام والشراب والحديث، بل حاول الضابط المترجم استفزازها بكافة الطرق، إذ وقف أمام المرآة ليسرّح شعره ويلتقط بعض الصور، وأثناء التحقيق فتح هاتفه المحمول، وبدأ بمشاهدة مقاطع فيديو على تطبيق "تيك توك"، لادعائه أن الصحفية تتقن اللغة العبرية وليست بحاجة إلى مترجم.

ووفقا لقانون الاحتلال، يجري التحقيق مع "المتهم" بلغته الأم، حتى لا يتم الادعاء لاحقا بعدم فهم سؤال معين أو نقطة معينة.

"حاول إيقاعي في فخ الاعتراف على ما لم أفعله"

في هذا الجانب قالت سالم: "قبل التحقيق أقدم إليّ رئيس المحققين، وحاول الحديث معي بطريقة التحبب، إذ تظاهر بالشفقة عليّ كوني أنثى متواجدة في مركز التحقيق، كما طلب مني أن أقول في التحقيق إنني ضربت مجندة إسرائيلية بغية الدفاع عن النفس، أو في لحظة غضب، لكنني أصريت على أنني لم أضربها فأنا بالأساس مكبلة اليدين".

وطالبت الصحفية من المحققين أن يفتحوا الكاميرات أمامها ويراجعوا الصور لكنهم رفضوا لأنهم يعلمون أن من اعتدى عليها هم الجنود.

وبحسب نسرين سالم: "دار التحقيق في البداية عن تعرضي لمجندة بالضرب، ثم تحول للحديث عن عملي الصحفي وتغطيتي للأحداث، واتهموني بالعمل لصالح فصيل معين، وبالتعامل مع إعلام معاد للدولة".

وأفرجت سلطات الاحتلال، بعد منتصف الليل، عن المصورة الصحفية المقدسية نسرين سالم وشقيقتها ساجدة، بشرط الإبعاد عن منطقة باب العامود، شمال البلدة القديمة للقدس، لمسافة 150 مترا، لمدة 15 يوما، ورغم أن قرار الإفراج صدر من الساعة الرابعة عصرا، لكنهم أبقوها حتى الثانية والنصف بعد منتصف الليل.

ووجهت سالم رسالة إلى الشعب الفلسطيني وإلى الصحفيين والنشطاء يأن يستمروا في العمل والتوثيق، لأن إجراءات الاحتلال التعسفية هذه بحقهم جاءت نتيجة لما حققه الفلسطينيون من انتصار إلكتروني بعد هبة رمضان الأخيرة في مايو 2021، لذا فمن المهم الاستمرار بالعمل الالكتروني والتوثيق وصياغة المحتوى الفلسطيني للرد على رواية الاحتلال وكشف زيف إدعاءاتهم وإجرامهم.

وفي تلك الفترة أيضا، تصاعد العدوان الإسرائيلي على الرواية الرقمية، إذ انتشر خطاب الكراهية والتحريض على الفلسطينيين، وأظهر تقرير توثيقي صدر عن المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي في حيفا، وجود أكثر من 500 بلاغ للحقوق الرقمية الفلسطينية.

ودللت سالم على خوف الاحتلال من التوثيق، بالانتقائية الشديدة التي تعامل فيها الاحتلال مع وسائل الإعلام فترة أحداث الشيخ جراح التي بدأت نهاية آذار من العام الجاري، ففي بداية الأحداث كان يسمح لجميع وسائل الإعلام بالدخول إلى الحي والتغطية، وبعدها اقتصر السماح على الصحفيين الذين يحملون بطاقة صحافة إسرائيلية فقط، حتى وسائل الإعلام الأجنبية منعت بعضها من الدخول، مثل "سي إن إن"، بينما وسائل الإعلام الداعمة للرواية الإسرائيلية كانت تتصرف براحتها في المنطقة".

وأكدت سالم أن استهداف الصحفيين في القدس يتم رغم ارتدائهم زي الصحافة، ورغم أنهم يتواجدون في مناطق معينة بعيدة عن ساحة "المواجهة" للتغطية، كما أنهم يتحركون في مجموعات لتجنب الاستهداف، ورغم كل ذلك يتعرضون للإصابات والاعتداء.

وفي هبة الشيخ جراح اعتدي على عدد من الإعلاميين أبرزهم زينة الحلواني، والمصور الصحفي وهبي مكية، وجيفارا البدري، وفي حينها، جددت لجنة دعم الصحفيين (JSC) استنكارها لاستمرار انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الصحفيين ووسائل الإعلام.

وأدانت لجنة دعم الصحفيين الاعتداءات التي تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني الذي يصنفهم أعيانا مدنية، ويجرم الاعتداء عليهم والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (وخصوصاً المادة 19 منه) والمعاهدات والمواثيق ذات الصلة.

وطالبت اللجنة المنظمات الدولية والحقوقية، وفي مقدمها اليونسكو والاتحاد الدولي للصحفيين، بالضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لوقف انتهاكاتها لحقوق الصحفيين والإعلاميين في فلسطين ولتأمين الحماية اللازمة للصحفيين ومقار وسائل الإعلام لاسيما بعد الاعتداءات التي طالت العشرات من المقرات الصحفية خلال العدوان الأخير على غزة حيث تم تدمير ٥٩ مؤسسة إعلامية.

وأوضحت لجنة دعم الصحفيين، أن الهدف من الاعتداءات المتواصلة على الصحفيين يهدف لإرهاب الصحفيين ومنعهم من التغطية وطمس الحقيقة  وحجب الرواية الفلسطينية.

كما طالب الجهات المعنية وخصوصا المحكمة الجنائية الدولية واليونسكو، بفتح تحقيقات سريعة وشفافة في الجرائم والاعتداءات المرتكبة بحق الصحفيين عملا بمبدأ إنهاء حالات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين وضرورة الإفراج عن كل الصحفيين المعتقلين داخل سجون الاحتلال.

وبحسب وزارة الإعلام الفلسطينية، شهد شهر أيار وحده 35 انتهاكا بحق الصحفيين في مدينة القدس، وهو الشهر الذي تفاقمت فيه الأحداث في حي الشيخ جراح والقدس.

وإضافة إلى القدس والشيخ جراح، تم توثيق 37 اعتداء على الصحفيين في بلدات وقرى بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، في الشهر ذاته ضمن تغطيتهم للمظاهرات والاحتجاجات وتوثيقهم اعتداءات عصابات المستوطنين على فلسطينيي الداخل المحتل، وفق "المركز العربي للحريات الإعلامية والتنمية والبحوث" (إعلام).

وفي الخامس عشر من أيار عام 2017 اعتمد مجلس الأمن قرار رقم 2222 الضامن لحماية الصحفيين وعدم إفلات المعتدين عليهم من العقاب.