الجمعة  08 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تفويض المجلس المركزي باختصاصات المجلس الوطني الفلسطيني: أتغلب المشروعية الشرعية؟! بقلم: د. رشاد توام

مساعدة البحث: المحامية ميرا الصالحي

2022-02-05 07:26:31 PM
تفويض المجلس المركزي باختصاصات المجلس الوطني الفلسطيني: أتغلب المشروعية الشرعية؟! بقلم: د. رشاد توام
د. رشاد توام

 

مقالات الحدث

رغم اشتقاقهما لغويا من الأصل ذاته (شرع)، يجري في علم القانون التمييز بين مفردتي "الشرعية" (légitimité) و"المشروعية" (légalité) لاختلاف في الدلالة والمضمون؛ فـ "الشرعية" -على وزن "فعلية"- تُفيد موافقة الشرع، وتعني "التوافق مع قواعد مثالية، تحمل في طياتها معنى العدالة وما يجب أن يكون عليه القانون"؛ فيما أن "المشروعية" -على وزن "مفعولية"- تفيد "محاولة موافقة الشرع"، وتعني "احترام قواعد القانون القائمة في المجتمع فعلاً"، وهي غالبا وضعية، وقد تكون عادلة، وقد لا تكون.[1]

على خلاف المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، الهيئتان اللتان نشأتا تزامنا وقيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وأقامت بنيانها عليهما، تأخرت نشأة المجلس المركزي إلى العام 1973،[2] كهيئة "وسطية" بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية،[3] فرض وجودها حقيقة ثقل حركة المجلس الوطني الذي استمر تضخم عدد أعضائه مع الزمن (لا سيما مع تجاوبه لنظام المحاصصة الفصائلية)، بما جعل من تحقيق نصاب انعقاده صعبا. وفي الواقع، اضطلع المجلس المركزي تاريخيا بجملة من الأدوار المهمة في صنع (أو تمرير) السياسة الفلسطينية، بفعل إطاره الموسع والوسطي بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية؛[4] فهو على سبيل المثال من انتخب أو عين الرئيس الراحل ياسر عرفات رئيسا للدولة عام 1989، على خلفية إعلان الاستقلال، وهو من بنى عليها كسابقة لينتخب أو يعين الرئيس محمود عباس بالصفة ذاتها بعد نحو عشرين عاما (2008). وهو أيضا من أصدر قرار إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1993 وعين رئيسها قبل انتخابه شعبيا. وهو كذلك من مدد ولاية الرئيس والمجلس التشريعي، مع المشارفة على انتهائها قانونيا، مرة عام 1999 ومرة أخرى عام 2009.

في كل تلك المناسبات، لم يستند المجلس المركزي إلى اختصاص صريح له في أي من وثائق المنظمة،[5] بل كان "يجتهد"، ليأتي المجلس الوطني تاليا، ليقر تلك الممارسات و"يشرعنها". وها هو "النظام الحاكم" يحث خطاه نحو عقد دورة جديدة للمجلس المركزي، غدا الأحد 6 فبراير 2022، لينتخب خلالها أعضاء في اللجنة التنفيذية (بمن فيهم رئيس الصندوق القومي) وهيئة رئاسة المجلس الوطني؛ فهل يملك المجلس المركزي تلك الاختصاصات؟

وفقا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير، فإن انتخاب كل من أعضاء اللجنة التنفيذية (مادة 13)، بمن فيهم رئيس الصندوق القومي (مادة 14)، وهيئة رئاسة المجلس الوطني (مادة 9) اختصاصات أصيلة للمجلس الوطني. والملاحظ هنا أن منصب رئيس الصندوق القومي يأخذ وضعا خاصا من حيث الأهمية، بأن ينتخبه المجلس الوطني بتلك الصفة،[6] رغم كونه أحد أعضاء اللجنة التنفيذية. ذلك في الوقت الذي ينتخب فيه رئيس اللجنة من قبل اللجنة ذاتها، بعد انتخاب أعضائها من المجلس الوطني (المادة 13).

كما نظم النظام الأساسي حالة إشغال الشواغر في اللجنة التنفيذية، بما في ذلك منصب رئيس الصندوق القومي (مادة 14 معدلة)؛ إذ تكون أساسا من قبل المجلس الوطني، سواء كانت حالة الشغور تقل عن الثلث (عندها يؤجل إشغالها إلى الجلسة القادمة للمجلس الوطني) أو تزيد عنه (عندها يدعى المجلس الوطني لجلسة خاصة). ولكنه ترك المجال أمام شغلها بواسطة جهة أخرى -هلامية- "في حالة القوة القاهرة التي يتعذر معها دعوة المجلس الوطني"؛ فعندها "يتم ملء الشواغر لأي من الحالتين السابقتين من قبل اللجنة التنفيذية ومكتب المجلس [الوطني]، ومن يستطيع الحضور من أعضاء المجلس [الوطني]، وذلك في مجلس مشترك يتم لهذا الغرض". وأما انتخاب هيئة رئاسة المجلس، فلم ينص النظام الأساسي على أية استثناءات بهذا الخصوص. كما أن الجلسة القادمة (جلسة الغد) ليست جلسة مشتركة بالمعنى الذي تقصده تلك المادة، بل هي جلسة رسمية للمجلس المركزي. وبالتالي الأصل أنها لا تملك اختصاص سد الشغور في عضوية اللجنة التنفيذية.

أما المجلس المركزي، فحددت صلاحياته في وثيقتين أساسيتين: الأولى، قرار إنشائه (المادة 3)،[7] فيما الثانية لائحته الداخلية (المادتان 5 و6).[8] وليس من بينها اختصاص بانتخاب أعضاء في اللجنة التنفيذية (بمن فيهم رئيس الصندوق القومي) أو هيئة رئاسة المجلس الوطني.

في المقابل، يجري الحديث حول قيام المجلس الوطني في دورته الأخيرة (أبريل - مايو 2018) بتفويض صلاحياته عموما للمجلس المركزي. وفيما أشارت لذلك التفويض عدد من المصادر الإخبارية، باعتباره تفويضا بجميع الصلاحيات لفترة ما بين الدورتين (تلك الدورة والدورة القادمة)،[9] فإن النسخة الرسمية المنشورة لقرار أو محضر تلك الدورة لا يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد![10] وفي ظل تعذر الوقوف على مصدر رسمي لهذا التفويض، فإن أي تعليق حوله يبقى في حدود "تخيلنا" لماهيته؛ فهل هو حقا تفويض بجميع الصلاحيات؟ وهل هو تفويض دائم أم مؤقت؟

عموما، يستند "النظام الحاكم" على هذا التفويض بدعوته لعقد الجلسة القادمة للمجلس المركزي، لإجراء تعديلات في تشكيل اللجنة التنفيذية وهيئة رئاسة المجلس الوطني. وهو الحدث الذي يعتبر سابقة على مستوى الخبرة الفلسطينية؛ إذ لا يظهر (من خلال تكشيف قرارات المجلسين)[11] أن المجلس الوطني قد سبق له وعمد إلى مثل هذا الإجراء! وأما المجلس المركزي، فيبدو أنه أقدم -مرة واحدة على الأقل- على تعيين/ انتخاب عضو في اللجنة التنفيذية، مجاوزا بذلك صلاحياته، فتداول المجلس الوطني حالة ذلك العضو في دورته التالية (أغسطس 2009)، لإزالة "أية مثالب قانونية قد تمس عضويته". وقد صرح رئيس المجلس الوطني، السيد سليم الزعنون، في تلك الدورة بأن انتخاب ذلك العضو "كان مخالفا للقانون"، وأنه صمت عن معارضة ذلك "إكراما للرئيس الراحل" الذي طرح تعيينه.[12]

لم يسمح النظام الأساسي للمنظمة للمجلس الوطني بتفويض اختصاصاته للمجلس المركزي، ولكنه أيضا لم يمنع. والنظام الأساسي بالأصل وضعه المجلس الوطني، وله وحده صلاحية تعديله بأغلبية ثلثي أعضائه (مادة 29). من جهة أخرى نجد أن من فوض الاختصاصات هو ذاته من وضع النظام الأساسي (المجلس الوطني)، وبأغلبية غالبا ما قاربت "الإجماع" (عملا بتقاليد الإقناع بالترغيب المرعية في المنظمة تاريخيا). وبالتالي -نظريا- فإن قرار التفويض -في أسوأ التحليلات- هو بمنزلة تعديل للنظام الأساسي. وبالتالي فهو "مشروع"، ولكنه "غير شرعي"!

هو يبدو "مشروعا" كونه لا يتعارض وصريح أحكام القانون (النظام الأساسي للمنظمة)، لكنه "غير شرعي" كون المجلس الوطني تنازل بموجبه عن اختصاصاته لصالح المجلس المركزي، بما يطرح السؤال حول شرعية المجلس الوطني ذاته، ليس فقط بالتذكير بعوزه للشرعية الانتخابية منذ تشكيله لأول مرة عام 1964، بل أيضا بالإشارة إلى تنازله "بإرادته" عن اختصاصاته، وبالتالي عن اعتبار النظام الأساسي له "السلطة العليا لمنظمة التحرير" (مادة 7/أ)؛ فما الغرض من وجود هيئة من دون اختصاصات لها؟ وهل يبقى لها أي شرعية؟ إن المجلس الوطني بذلك كمن يعلق نعوته بنفسه على الجدار!

وفي الإجابة على سؤال هذا المقال، للمجلس المركزي "مشروعية" انتخاب أعضاء في اللجنة التنفيذية (بمن فيهم رئيس الصندوق القومي)، ولكنه سيكون مفتقرا إلى "الشرعية". عند هذا الحد تقف المقاربة القانونية، على عتبة باب "فن الممكن" (السياسة)!

عموما، إن مشكلة المجلس المركزي مع "الشرعية" لا تقف عند ذلك الحد (ممارسة اختصاصات المجلس الوطني عموما، أو إشغال الشواغر خصوصا)، بل هي متصلة بكل مفاصل النظام السياسي؛ فعلى سبيل المثال، فإن المجلس المركزي وفقا لمسودة مشروع دستور الدولة (نسخة سبتمبر 2015 المسربة) مؤهل لمصادرة حق الشعب بالاستفتاء على مشروع الدستور، بالموافقة عليه من طرفه.[13] وهو (المجلس المركزي) أيضا يشكل مدخلا لأكثر من سيناريو لإشغال رئاسة السلطة/الدولة الفلسطينية حال الشغور المفاجئ فيها.[14] كل ذلك كبدائل عن الشرعية الانتخابية الشعبية، يحرص "النظام الحاكم" على إظهارها "مشروعة"!

 

[1] ماجد راغب الحلو، "الثورة المصرية بين المشروعية والشرعية". مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية (مصر)، عدد خاص (2011-2012)، 815-816.

[2] عقب تجربة قصيرة لمدة نحو ثلاث سنوات لمؤسسة باسم "اللجنة المركزية" (تختلف عن الإطار المسمى بذلك الاسم ضمن حركة فتح). وقد حل "المجلس المركزي" مكانها. ينظر: رشاد توام، دبلوماسية التحرر الوطني: التجربة الفلسطينية (بيرزيت: معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية بجامعة بيرزيت، 2013)، 78.

[3] "وسطية" من حيث كم عدد الأعضاء وحالة الانعقاد بين الهيئتين الأصليتين. وليس بمعنى أن المجلس المركزي حلقة وصل حصرية بين اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني.

[4] Helena Cobban, The Palestinian Liberation Organization: People, Power and Politics (Cambridge:  Cambridge University Press, 1984), 12.

[5] بالإمكان مطالعة تشريعات المنظمة المشار لها في هذه المقالة في: معين البرغوثي ورشاد توام، النظام القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية (بيرزيت: معهد الحقوق بجامعة بيرزيت، 2010).

[6] أكد النظام الأساسي للصندوق القومي على انتخاب رئيس مجلس إدارة الصندوق، بصفته تلك، من قبل المجلس الوطني، "ويعتبر عضوا في اللجنة التنفيذية" (مادة 1).

[7] المادة (3): "يختص المجلس المركزي بما يأتي: أ‌. اتخاذ القرارات في القضايا والمسائل التي تطرحها عليه اللجنة التنفيذية في إطار مقررات المجلس الوطني. ب‌. مناقشة وإقرار الخطط التنفيذية المقدمة إليه من اللجنة التنفيذية. ج. متابعة تنفيذ اللجنة التنفيذية لقرارات المجلس الوطني. د. الاطلاع على حسن سير عمل دوائر المنظمة، وتقديم التوصيات اللازمة بذلك إلى اللجنة التنفيذية".

[8] المادة (5): "تكون اختصاصات المجلس، هي الاختصاصات المحددة له في قرار إنشائه، مع ما يطرأ على هذا القرار من تعديلات، كما ينظر المجلس في أية أمور أخرى يحيلها له المجلس الوطني واللجنة التنفيذية". المادة (6): "يلتزم المجلس المركزي في ممارسة اختصاصاته وفي أعماله بوجه عام بقرارات المجلس الوطني، ولا يجوز له تعديلها أو إلغاؤها أو تعطيلها أو اتخاذ قرارات تتناقض معها أو تتجاوزها، وتكون جميع قراراته في إطار مقررات المجلس الوطني التي هي الفيصل الوحيد الذي يحتكم إليه في هذا الشأن".

[9] مثل: العين الإخبارية، "’الوطني الفلسطيني’ يفوّض جميع صلاحياته بين دورتين إلى المجلس المركزي"، تقرير داوود عبد الرؤوف، 4 مايو 2018. https://bit.ly/3skFzBa

[10] تنظر مداولات المجلس الوطني في جلسته تلك عبر موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا": https://bit.ly/3uwVkYj

[11] كما ينشرها موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا": https://bit.ly/3B2TqQr | https://bit.ly/3rmvlAX (تاريخ الاسترجاع: 4 فبراير 2022). يشكر الكاتب المحامية ميرا الصالحي على تكشيف القرارات.

[12] الحديث هنا حول حالة السيد حنا عميرة، عضو اللجنة التنفيذية عن حزب الشعب. تنظر مداولات المجلس الوطني في جلسته تلك عبر موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا": https://bit.ly/3si5Rnx

[13] مادة (266): "يقر هذا الدستور من قبل اللجنة التأسيسية ويعرض للاستفتاء الشعبي العام، فإذا تعذر إجراء الاستفتاء لأسباب قاهرة بقرار من المحكمة الدستورية، يعرض الدستور على المجلس الوطني الفلسطيني للمصادقة عليه، وفي حال تعذر انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني يصادق عليه المجلس المركزي الفلسطيني".

[14] ينظر: عاصم خليل ورشاد توام، "الشغور المفاجئ في منصب الرئيس: المعضلة والسيناريوهات المتوقعة"، سلسلة أوراق عمل بيرزيت للدراسات القانونية (12/2019)، وحدة القانون الدستوري بجامعة بيرزيت، ديسمبر 2019. https://bit.ly/32vpKyf