السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

روسيا ما قبل بوتين (8)| بقلم: د. سامر العاصي

ما لا يحب الروس تذكره

2022-05-04 10:35:06 AM
روسيا ما قبل بوتين (8)| بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

في عهد الرئيس الأول لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، "بوريس يلتسين"، تم نهب وبيع جميع المؤسسات والمصانع، وكل الشركات العامة، وحتى الموانئ، والمطارات، وشركات الطيران، وشركات سكك الحديد، التي كانت تدر على خزائن الدولة مئات المليارات من الروبلات والدولارات، وذلك قبل أن يتم بيعها بالمزاد العلني وبأسعار بخسة، حتى أن 80% من مصانع الدولة ومؤسساتها الكبرى بيعت الواحدة منها بأقل من 8 ملايين دولار! علما بأن السعر الحقيقي لأي منها كان يتعدى مئات الملايين من الدولارات وأحيانا المليارات. 

وانهارت التجارة، والصناعة، والزراعة، والاقتصاد، وحتى الرياضة، وصعدت إلى السطح أسماء الآلاف من "القطط السمان"، أو ما سمي، في روسيا آنذاك، ب"الآليجارك". ومع ذلك، لم يمل سيادته من الشرب والسكر أمام عدسات الصحفيين، وأمام أعين الملايين من مواطنيه الروس، وصار الروس يقولون بأن الرجل، شرب من الفودكا أكثر مما شربته القيادات السوفيتية السابقة مجتمعة من قبله!. ومع ذلك، استمر "فخامته" يسكر ويهرج أمام مرأى شعوب العالم وعيونهم، حتى أصبح الجميع يتساءل، كيف تحول هذا القائد الكبير إلى سكير ومهرج في قصور زعماء الغرب الذين ضحكوا حتى الغثيان عليه، وعلى ما آلت إليه روسيا في عهده، وهو "لم ينفك صراخا"، يكرر ويقول بأنه "الرئيس الأول المنتخب للبلاد".

تميز عهده البائد بالضياع، والفلتان الأمني، وحكم المافيا، وانتشار الفساد، وسيطرة اليهود والمرتشين. وظهر مئات المليارديرات من أصحاب السوابق من المجرمين والقتلة، وتجار السوق السوداء أيام العهد السوفيتي.

وتم إشهار الإفلاسات (القانونية) لكبرى المؤسسات والشركات والبنوك التي أفقرت معها الملايين من المواطنيين البسطاء، حتى أن عهده الميمون شهد تضخما ماليا لم ولن يعرفه الروس طيلة تاريخهم، حتى في أثناء الحرب العالمية الثانية، وأصبح 50% من الشعب الروسي تحت خط الفقر، حتى أن الناس ماتت جوعا بعد أن كان تصور ذلك في العهد السوفيتي ضربا من المستحيل والخيال.

وفي عهده، ألغى الرجل "المركزية الاقتصادية"، ولكنه قضى معها على "نظام الضمان الاجتماعي" الذي كان يحمي عشرات الملايين من المواطنين السوفييت من الفقر والبرد والموت جوعا، ولم يستطع "مليونا طفل" روسي من الذهاب إلى مدارسهم الابتدائية، بعد أن كان التعليم الجامعي، في العهد السوفيتي، حتى أعلى درجاته العلمية، بالمجان. ووجد خمسة ملايين شاب-خريج روسي أنفسهم في الشوارع دون عمل، أو حتى دون منازل، وهو ما لم يكن يخطر بتاتا في بال أي حامل لشهادة عليا، أو عامل، أو حتى أي مواطن عادي أيام "حكم الشيوعيين" للبلاد، وهو ما زال يصرخ ويقول بأنه "الرئيس المنتخب" للبلاد!.

أعطى الحرية لشعبه دون قانون لتفسيرها، وصارت الحرية لمن امتلك المال والسلطة فقط، بعد أن عمت الفوضى البلاد، حتى أن مستوى الجريمة وصل إلى أعلى من مثيلاتها في دول العالم كله. 

ادعى الديمقراطية، ونادى بها وجعلها شعاره الانتخابي، ثم تمسك بالسلطة وبالديكتاتورية المطلقة رغم إقصاء البرلمان له لتكرار مخالفاته للدستور، حتى وصل الأمر به إلى ضرب البرلمان بالصواريخ والدبابات، دون أن يفتح الغرب كله فمه!.

في بداياته، وصلت شعبيته إلى 98% من الأصوات، وما إن جاء موعد انتخابات الدورة الرئاسية الثانية، عام 1996 حتى وصلت شعبيته إلى 36% فقط. ولما أصبح منافسه الشيوعي، أقرب منه إلى الفوز، قام بتزوير النتائج ليتم بعدها نهب خيرات البلاد يمينا ويسارا، بعد أن أكل رجالاته "الأخضر قبل اليابس"، وليتم بعدها تهريب مئات المليارات من الدولارات إلى خارج روسيا، وهو ما زال يردد ويقول بأنه "الرئيس المنتخب" في البلاد!.

تسلم الحقيبة السوفيتية النووية، وهي مليئة بترسانة نووية جبارة، ثم ما لبث أن فرطّ بآلاف الرؤوس النووية منها، وأهدى "دون مقابل" أقوى ما تملكه البلاد من أسلحة سرية، ومواد نووية واستراتيجية، كانت غاية في السرية والكتمان إلى الأميركان.

سحب جيوشه من أوروبا الشرقية، وعند عودة الجنود إلى بلادهم، تخلى عنهم، وعن عائلاتهم، وأصبحوا بلا مأوى، ولكن ظل معهم السلاح.

أعطى العهود والمواثيق والضمانات العسكرية بعدم إعادة نشر "قواته المسلحة" فوق أراضي بلاده! ولم يتلق أي وعد، أو ضمانات بعدم اقتراب جيوش الناتو من حدود دولته أو على أراضي الدول والجمهوريات التي كانت تسير في فلك عاصمته.

قاد سلسلة من الكوارث السياسية والاقتصادية والأخلاقية حتى سمي عهده (بعهد الانحطاط الروسي). 

وفي نهاية عهده، أصبحت البلاد في "موت سريري"! وهبطت شعبيته إلى 2% فقط! ومع ذلك، ظل الرجل، ومن حوله من المنتفعين، يرددون بأنه هو "أول رئيس منتخب" في البلاد، إلا قلة قليلة من الرجال الوطنيين، المحيطين به، ومنهم كان رجل اسمه "فلاديمير بوتين".