الحدث- فرح المصري
شهدت الفترة الأخيرة، تزايد التعقيدات والتشديدات الإسرائيلية بحق المصانع الفلسطينية، بمنعها من إدخال مواد خام تحتاجها في عمليات التصنيع من الدول العربية أو الأجنبية، والتحجج بذرائع أمنية وبيئية، فيما هذه الذرائع تذهب إن أراد المصنع الفلسطيني استيراد المواد من شركات إسرائيلية.
ومنعت إسرائيل مؤخرا أصحاب المدابغ في الخليل من استيراد مادة الكروم اللازمة لتصنيع الجلود الطبيعية بذريعة حماية البيئة، ما اضطر أصحاب 10 مدابغ لإغلاق أبوابها وتسريح العاملين فيها بعد نفاد مادة الكروم اللازمة في عملية الدباغة.
إسرائيل بحججها الوهمية، تسعي لتقويض الاقتصاد الفلسطيني وتدميره، خاصة بعد نشاط حملة المقاطعة الإسرائيلية، متبعة شتى الوسائل لزيادة ربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي وضمان عدم استقلاليته، وقيامها بتقزيمه لضمان عدم قدرته على المنافسة عن طريق تكبيده الخسائر والمبالغ الطائلة التي تفوق قدرته على الاستمرار.
واعتبر تقرير صدر مؤخراً عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" حول الاقتصاد الفلسطيني، أن تراجع معدلات النمو إلى 1.5٪ خلال العام 2013، هو محصلة التشديدات الإسرائيلية اليومية على مداخل المدن في الضفة وغزة.
وحول هذا الموضوع، قالت مدير عام الإدارة العامة للصناعة في وزارة الاقتصاد الوطني منال فرحان: "إن الشركات الفلسطينية تعاني بشكل كبير من الإجراءات والتعقيدات الإسرائيلية التي تمارس بطريقة غير مباشرة بحقها، خاصة عند عملية استيراد المواد الخام بسبب السيطرة على المعابر".
وأضافت فرحان أن المصنع الفلسطيني يواجه العديد من المشكلات والمعيقات الإسرائيلية المتعلقة باستيراد المواد الخام التي تحد من قدرة منتجاته على منافسة المنتجات الأخرى، مشيرة إلى أن هناك جهود للبحث عن بدائل للمواد الخام التي يمنع الإسرائيليون استيرادها خاصة مادة الكروم.
ونوهت إلى أنالفكرة الأساسية تكمن في أن إسرائيل تريد التضييق على الصناعة الفلسطينية، ولذلك منعوا دخول مواد معينة من الخام مثل مادة الكروم، بحجة أنها مضرة للبيئة، ولأن هذه المادة تستخدم بالدباغة يجب على هذه المصانع أن توقع اتفاق مع شركات خدمات إسرائيلية حتى تأخذ هذه المواد الناتجة عن الدباغة وتقوم بتصريفها لاحقا.
وتابعت فرحان لـ"الحدث": "قمنا قبل عدة سنوات بإنشاء محطة معالجة خاصة للمدابغ، وإسرائيل منعتنا من إدخال مادة الخام المسؤولة عن عمل محطة المعالجة، ولو أن إسرائيل معنية فعلا في الحفاظ على البيئة لسمحت بإدخال هذه المادة للأسواق الفلسطينية لتصريف المواد الناتجة، بالرغم من أن المادة الناتجة هي مادة نقية ولا يوجد عليها مشاكل، إلا أن إسرائيل تتحجج دائما بذرائع لا صحة لها".
وأضافت: "أن الشركات الإسرائيلية سمحت بتسويق مادة الكروم في الأسواق الفلسطينية، ولم يسبق أن منعتها، إلا أنها تقوم حاليا بعمل مصيدة لكل المياه الخارجة من محطات الخليل وتكررها وتقوم باستخدامها بالزراعة، وهي بذلك تريد ضمان أن تكون المياه المستخدمة نقية، علما أنه لديهم محطات معالجة".
وأشارت مدير عام الإدارة العامة للصناعة إلى أن هذه المصانع موجودة منذ سنين وإسرائيل لم تتدخل فيها الأمر الذي يؤكد أنها سياسة إسرائيلية جديدة للحد من هذا القطاع، ومن المؤكد أن هذه التضييقات ستصل لقطاعات جديدة، فقد شهدنا أيضا تضييق كبير خلال الفترة الماضية على موضوع الكسارات، فبعض هذه الكسارات تحول إلى المحاكم الإسرائيلية بحجج بيئية فإسرائيل حاليا تحاربنا بالذرائع البيئية، علما أن كل الملوثات التي تنتجها المصانع الفلسطينية لا تتساوى مع نصف ما ينتج عن أي مصنع في أي دولة أخرى، والسبب أن الصناعة لدينا متنامية الصغر.
وتابعت: "أن إسرائيل تريد التضييق على الجانب الفلسطيني خصوصا بعد حملات المقاطعة الأخيرة، وبعد أن أصبح هناك فعلا سياسات حكومية تعمل على تطوير قطاع الصناعة، وقطاع المدابغ هو قطاع مربوط بالأحذية والجلود، ويعد من أهم قطاعات الصناعة في الخليل، حيث شهد العام الماضي تطورا كبيرا، وزاد عدد المصانع العاملة في هذا القطاع وزاردت كمية الانتاج، لذلك تريد إسرائيل التضييق على هذا القطاع وتريد أن تؤثر على قدرته التنافسية عن طريق اشتراط تصريف المواد الناتجة عن الدباغة عن طريق شركات إسرائيلية أو استيرادها من الخارج، بالتالي الخيارين سعرهم مكلف على الشركات الفلسطينية وسيؤثر على القدرة التنافسية لقطاع الأحذية والجلود".
وشددت فرحان على ضرورة الاهتمام بالمدابغ، فمنع إدخال مادة الكروم يعني إيقاف 13 مدبغة عن العمل، وتصريح أكثر من 3000 عامل، وإغلاق 300 مصنع أحذية عن العمل في الخليل، الأمر الذي سيؤثر سلبا على الاقتصاد في الخليل بشكل خاص، والاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، فقطاع الأحذية يعد من القطاعات ذات الأولوية في الاستراتيجية الوطنية حتى في موضوع التصدير".
في الإطار ذاته، قال رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية بسام الولويل: "إن أكبر معيق للتنمية في فلسطين هو الاحتلال وإجراءاته، وعدم إمكانياتنا الاستثمار في مناطق (ج)، ومنع إدخال بعض مواد الخام بحجج أمنية وبيئية، بالرغم من أن كل الشركات الإسرائيلية المنافسة والعالمية تستطيع استخدام هذه المواد إلا في الأراضي الفلسطينية".
وأضاف لـ"الحدث": "أن الاحتلال يعمل جاهدا على عمل إعاقة مستمرة لضمان تقويض الاقتصاد الفلسطيني، وهو يتفنن في إيجاد كل الوسائل لإعاقة تطوره ونموه، فهو يسيطر على جميع المعابر وبالتالي هو يتحكم بإدخال المواد اللازمة أو منعها، ويعمل الاحتلال على منع إدخال المواد المنافسة للبضائع الإسرائيلية لضمان ربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي".
في السياق ذاته، قال المسؤول المباشر عن المدابغ في الخليل عامر الزعتري: "إن صناعة الأحذية والجلود تعد عصب أساسي في مدينة الخليل، ويوجد حوالي 10 آلاف عامل مربوط بهذه الصناعة، وإسرائيل منعت إدخال مادة الكروم منذ خمسة أشهر، ومنذ ذلك الوقت والتجار يستخدمون المخزون لسد الحاجة، لكن حاليا المعظم اضطر للوقوف عن العمل وهناك 7 مصانع قامت بتسريح عمالها ومن لديه 10 عمال من المصانع الأخرى أبقى على اثنين منهم فقط، فالطاقة التشغيلية تقدر حاليا بحوالي 20% فقط".
وأضاف لـ"الحدث": "أن هناك حوالي 450 مصنع أحذية مربوطين بالمدابغ، ويوجد 13 مدبغا مربوط فيها تجار الجلود واللحامين، فعندما ينقطع عنهم الجلد يضر بعملهم وسيضطرون للجوء الى الخارج لاستيراد جلد جاهز، وهذا بالطبع يكلف مبلغ كبير الأمر الذي سيجبر الكثيرين إلى إغلاق مصانعهم".
وأشار الزعتري إلى أنه تم عقد اجتماع بين السلطة والجانب الإسرائيلي قبل أيام بالتنسيق مع الشؤون المدنية وسلطة جودة البيئة، وتم التوصل إلى حل مؤقت لمدة أربعة شهور كفترة تجريبية للمادة، على أن يتم جمع المواد الناتجة عن عملية ترسيب مادة الكروم وإرسالها إلى المكب الإسرائيلي في منطقة جنوب النقب خلال هذه الفترة.
من جهته، قال مسؤول العلاقات العامة في سلطة جودة البيئة علاء كنعان: "إن ممثلي الصناعات الجلدية في مدينة الخليل، كانوا يستخدمون مادة الكروم في الصناعات الجلدية، ومن ثم كانوا يقومون بعملية تنقية للمواد التي تخرج من مادة الكروم، حتى لا تؤثر على البيئة الفلسطينية".
وأكد كنعان لـ"الحدث" نقف جميعا ضد الإدعاءات الإسرائيلية لأننا نعتبر أن أصحاب المصانع وسلطة البيئة يقومون بالإجراءات المخففة للتأثير على البيئة، ويتبعون إجراءات الوقاية، مع العلم أن تأثير مادة الكروم على البيئة يعد تأثيرا بسيطا.
وتابع: "إسرائيل منعت إدخال المادة الكيميائية التي تستخدم في عملية التنقية، وبحسب الأقوال الإسرائيلية أن هذه المادة تتدخل في صناعات المتفجرات، وبالتالي أرجعت أسباب المنع لأسباب أمنية، وهي تقوم بمنع استخدام محطة معالجة لتنقية المواد التي تخرج من صناعة الدباغة، فهدف إسرائيل الأساسي من هذا المنع تدمير للاقتصاد الفلسطيني، والاحتلال يتحدث عن حماية البيية بالرغم من أنه يستهدف البيئة الفلسطينية بدفن نفاياته السامة داخل الأراض الفلسطينية".
ونوه كنعنان إلى أنه تم تشكيل لجنة مشتركة ما بين المؤسسات الحكومية والشؤون المدنية وسلطة البيئة ومحافظة الخليل، لوضع خطة عمل وخطة لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية سواء بمنع مادة الكروم أو منع مادة حامط الفوليك التي تدخل في تنقية مادة الكروم بعد تصنيعها.