الجمعة  11 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من هو المدرب| بقلم: نسرين مصلح

2025-07-11 08:20:35 AM
من هو المدرب| بقلم: نسرين مصلح
نسرين مصلح، مؤسس ومدير عام شركة رتاج للحلول الإدارية في رام الله

استوحيت فكرة هذا المقال بعد تنفيذ تدريب لإعداد وتأهيل مدربين وقد حضره مجموعة متنوعة من المهنيين الذين يودون امتهان التدريب سواء التدريب الداخلي في بيئات أعمالهم أو ليصبحوا مدربين مستقلين.

من أرقى المهام التي يمكن أن يتولاها شخص ما هي نقل المعارف والحرص على تمرير المعلومات وعدم احتكارها على نخبة قليلة. ويتولى المرء هذا الدور مرارا وتكرار ومثال ذلك نقل المعرفة لطفل في المنزل، وتبادل المعارف مع الزملاء بالعمل وأيضا المساهمة بالمعرفة للمدراء والشركاء. وبعد أعوام من بناء الهوية المهنية وصقل المعارف وتواكبها مع احتياجات بيئات الأعمال، يتسلل لفكر المرء مهنة التدريب ويتساءل فيما يحتاج ليمتهنها.

وعند الوصول لهذه المرحلة، وكما تناقشنا مرارا أثناء هذا البرنامج الأخير، يود المرء التحقق من أمران ليجيب على تساؤله وهما، القدرة على وصف المعرفة لديه وتنوع الأدوات التي يمتلكها لنقل تلك المعرفة.

ولا أبالغ عندما أقول بأن المعرفة ليست سهلة التوصيف كما نعتقد، وأستعين بقصة عمر لتوضيح الفكرة في هذا السياق. عمر خريج جامعي من تخصص إدارة الأعمال وأدرج اسمه على لائحة الشرف. بدأ حياته المهنية وتولى عدة مناصب من بينها إدخال البيانات فتمكن من استخدام برنامج إكسل بشكل متقدم والتنسيق لمشاريع فتمكن من متابعة مهام المشروع وإعداد التقارير لإدارته ومن ثم عمل مطولا في وظيفة في المبيعات وتطور فيها إلى أن أصبح مديرا لفريقين في مناطق جغرافية مختلفة تحقق أهدافها البيعية بتميّز، وتمكن من تحقيق نتائج مبهرة في مساره المهني. لديه حضور لافت وشخصيته بارزه لذا عرض عليه أحدهم أن يقوم بالتدريب وطلب منه تدريب فريق تنفيذي على وضع مؤشرات أداء ل 12 دائرة في شركة ضخمة. وفكر عمر، أنا احمل شهادة في الإدارة ولدي خبرة طويلة في إدارة فرق العمل وما هو مطلوب ليس صعبا فأنا أقوم بذلك مع فريقي، ولكن هل الأمر كذلك؟ هنا يحدث الخلط في توصيف المعرفة، إذ أن عمر يمكنه تنفيذ تدريب مميز جدا في مهارات البيع وتدريب آخر في مهارات إدارة فرق المبيعات وتدريب ثالث في قياس الأداء البيعي، ولكنه سيواجه صعوبة في تقديم استراتيجية أو التعريف بالمدارس التي تضع معايير لقياس مؤشرات أداء خارج خبرته الحثيثة في المبيعات وتكثر الأمثلة في توصيف شكل المعرفة.

لذا، يمكننا القول بأن المدرب هو من يحمل معرفة متخصصة من واقع ممارساته الشخصية وتدعّم بالمعرفة العلمية وما يدرس في الجامعات والتدريبات واستمرارية التعلم الذاتي على نفس موضوع التخصص ما يسهم برسم وتوصيف القيمة المعرفية التي يمكن للمدرب ترجمتها في برنامج تدريبي.

الجانب الثاني هو نقل المعرفة وأول ما أسمعه، سأقوم بإعداد عرض تقديمي أي "بوربوينت برزنتيشن" للتدريب وسأكون جاهزا.

عذرا، ولكن هذا ليس تدريبا، بل مراكمة للمعارف في وثيقة تعرض للمتدربين! اليوم يمكنك طلب ذلك من أدوات الذكاء الاصطناعي التي غزت عالم التدريب بسهولة وهذا جيد من ناحية توفر المعلومات، ولكن لا يضمن حدوث تدريب ذات جودة عالية ولا تحقيق لأهداف التدريب. وتأكيد ذلك، المقالة التي نشرتها باحثة في موقع "تايم" حديثا بشأن استخدام تطبيق تشات جي بي تي وأثره على تهاوي التفكير النقدي لدي المتعلمين حيث أعربت الباحثة عن أهمية الالتفات إلى ان الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يضمن نتائج مريحة على المدى المتوسط، ولكن تضحية كبيرة بتطور الدماغ على المدى البعيد وهنا تثبت فكرة أن لا غنى عن العقل البشري ولا غنى عن لمسة المدرب الخاصة في نقل المعرفة.

دور المدرب في نقل المعرفة لا يقتصر على نقل المعلومات، بل التعمق بفهمها وضمان تطبيقها ومن ثم لمس أثرها ما بعد التدريب وهذا يتطلب تخطيط معمق لعملية التدريب واستراتيجيات ترابط المحتوى ونوعية سرد الأمثلة والمقاربات والمرور بدورة حياة العملية التدريبة التي تحتوي على ثماني مراحل أذكر منها تحليل الفجوة المعرفية وتحديد الأهداف وتحديد شريحة المتدربين والمحتوى والتقييم وغيرها مما يتناوله برنامج تدريب المدربين.

لذلك، إذا عدنا لسؤال من هو المدرب، فهو ببساطة من يمتلك معرفة معمقة في تخصص محدد ويمتلك الأدوات الكافية لنقل هذه المعرفة التي تعمق أثر التعلم وتؤدي إلى الاستخدام وهاتان يمكن اكتسابهما في حين، وكما شاهدت خلال سنوات عملي الطويلة بالتدريب، من يحظى بسِمَة المدرب المبتكر هو من يملك الشغف لمشاركة العلم.