الثلاثاء  07 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سنذهب السكرة وتأتي الفكرة| بقلم: محمد مشارقة

2023-10-15 03:48:45 PM
سنذهب السكرة وتأتي الفكرة| بقلم: محمد مشارقة

أجيال في إسرائيل لم تدفع ثمن غطرستها وظلمها وقهرها واحتلالها الغاشم للأرض الفلسطينية، منذ أكتوبر 73 الى اليوم. دولة بكليتها عاشت على وهم بان الفلسطيني لا يستحق سوى الفتات وعلى حدود العيش الكريم، بخدعة اسميت ب"الحل الاقتصادي" منزوعا منه دسم الحرية الكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة، استعلاء عنصري لا يرى في شعب يعيش على ذات الأرض سوى عبيد، سقاة وحطابين، يخدموا السيد الأبيض ويسهروا على رفاهيته وترفعه عن المهن الوضيعة. ما حدث في السابع من أكتوبر كان صدمة في العصب العنصري المتعالي الذي لا يرى جاره الاخر كبشر يستحقون العيش. أيام بعد الصدمة الكبرى وهو يهذي ويحاول ربط الإنجاز التقني والتكتيكي والعسكري بمخلوقات فضائية او كيانات أخرى، تارة إيرانية تخطيطا وتدريبا وتسليحا وأخرى روسية تقنية وخبرة، المهم ان لا يكون فلسطينيا.

 

العقل الجمعي العنصري النائم في عسل الهدوء المزيف عبرت عنه المؤسسة في ردة فعلها السريعة: لتباد غزة ولتمحى من الوجود. ليس هذا وحسب، بل ولتغلق كل المدن والقرى في الضفة الغربية بالبوابات الحديدية والاسمنتية يحرسها جيش من المستوطنين المصرح لهم بإطلاق النار دون حسيب او رقيب.

 

مهما كانت نتائج حرب الإبادة المعلنة ضد الشعب الفلسطيني، سيبقى السؤال معلقا، ماذا بعد، ستفيق إسرائيل على مكانتها وسمعتها ووظيفتها، جيشا، وتقنية، واقتصادا، وامنا. وسيسائل المجتمع الإسرائيلي واجياله الشابة حكومته وجيشه، ولن يسعف نتنياهو من الهبوط المدوي لشعبية ائتلافه بتشكيل حكومة حرب. وإذا كانت بورصة تل ابيب خسرت سبعة بالمئة من قيمة تدول أسهم شركاتها المدرجة للتداول، فان إسرائيل خسرت الكثير من قيمتها الاستراتيجية بما فيها سمعة تقنياتها الحربية وسلاحها الذي كان رياديا في سوق السلاح والتقنية الجديدة. سيسائل الشعب الإسرائيلي حكومته ونخبه السياسية عن خدعة التفوق العسكري والجيش الذي لا يقهر، في وقت تحتاج فيه الى حشد من الاساطيل الامريكية والاطلسية لتامين الحماية وتحسبا للمخاطر.

مثل كل الحروب والهزات الكبرى، تفيق الأمم بعدها على خرائط سياسية واصطفافات اجتماعية جديدة، تسائل مستقبلها ووجودها والقيم الحقيقية لحياتها، ولن ينجو المجتمعان الفلسطيني ولا الإسرائيلي من هذا تأثير الزلزال الذي حصل.

ستتوقف الحرب، ويوارى القتلى في الثرى، بغزير الدموع والالم، لكن حقيقة وجوهر هذا الصراع المرفوع من التداول منذ اتفاقات أوسلو الى اليوم، ستعود مرة أخرى على جدول الاعمال الداخلي والإقليمي والدولي، ستخرج قضية فلسطين من ركام الإهمال والتجاهل الى الواجهة باعتبارها جوهر قضايا التنمية والاستقرار والرفاهية لكل المنطقة.

إسرائيل الدولة المحتلة لأرض الفلسطينيين وقامعة طموحاتهم في الحرية تقرير المصير، لا يمكنها ان تكون جزءا متصالحا مع محيطها الإقليمي. سيكتشف الإسرائيلي قريبا انه لا يمكنه العيش بعد مئة عام على استعمارهم لهذه الأرض على اسنة الرماح لسنوات أخرى، وانه لابد من حلول وبدائل ، في مقدمتها ، الاعتراف بالجريمة وان "للآخر" حقوقا سياسية وإنسانية كصاحب أصلي للأرض.