السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شرق أوسط جديد!!| بقلم: عوض عبد الفتاح

2023-10-27 12:56:44 PM
شرق أوسط جديد!!| بقلم: عوض عبد الفتاح

 

لا أحد يملكُ اليقين إزاء ما هو قادمٌ، خلال وبعد حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة وكيف يمكن أن تنتهي، كما يؤكد غالبية المحللين والخبراء ، ولكنّ إسرائيل و التحالف الامبريالي-الغربي الذي اصطف وراءها بصورة عمياء وبطريقة غير مسبوقة، يعِدون أنفسهم، وبطريقة بلهاء، بشرق أوسط جديد . والمقدمة طبعاً لهذا الجديد الموعود، الذي يبشر به الصهيوني بايدن وبنيامين نتانياهو ، هي المذبحة الكبرى الرهيبة التي تُنفذ بحق بؤساء مدن ومخيمات غزة على مدار الساعة . إذاً إسرائيل وهذا التحالف الدولي، ينفذون، عن سبق إصرار، وبدون مواربة أو خجل، أو ذرة ضمير، هذه المذبحة البشرية، وفق تصور قادم، بحيث بتنا أمام نظام عالمي يديروه برابرة ومجرمو حرب، يُذكر الناس بالحقب المظلمة من الانسانية.

لا أحد يعرف ماذا يقصدون بشرق أوسط جديد، وما هي حدوده، وطبيعته، ولمن يُخطط . وما إذا كان لاعبون أو وكلاء جدد، محليون، أوعرب، او دوليون، قد هُيئوا لهذه "الجنّة" الموعودة التي تُرسم الآن عبر طائراتهم وصورايخهم التي تفتك بالأطفال والرضع بأعدادٍ مهولة. هذا المصطلح، " شرق أوسط جديد " ، أو هذا المخطط لشرق اوسط جديد، ليس جديداً ، فقد ظهر على لسان هولاء منذ الثمانينات، ولم نشهد من تطبيقاته سوى في غزو دول عربية واسلامية، وتدميرها، وتخريب ثورات شعوبها، وتعزيز علاقات التبعية مع أنظمة عربية ودفعها الى التطبيع مع نظام الابرتهايد في فلسطين، وتوفير حماية لنظام الابرتهايد وجرائمه التي لم تتوقف منذ ٧٥ عاما، والدوس على حقوق شعب يبذل الغالي والرخيص منذ اكثر من مائة عام من اجل استرداد هذه الحقوق . أما إسرائيلياً، فقد فهمنا من تصريح شمعون بيرس، المتغطرس، أثناء انعقاد المؤتمر الاقتصادي في دولة المغرب العربي عام ١٩٩٤، أنه يتمثل في رغبة إسرائيل بقيادة العالم العربي بعد أن فشل العرب في إدارة بلادهم حسب قوله. كان ذلك المـؤتمر من مشتقات إتفاقية اوسلو الكارثية التي منحت شرعية لنظام استعماري استيطاني، رفض وسعى لقتل كل حل لقضية فلسطين، حتى هذا الاتفاق الكارثي-الباتوستاني .

الأمر الوحيد الذي أوضحوه، هدفهم الرئيسي المعلن، إجتثاث حركة حماس. و تحضيرا لذلك تجري شيطنتها بصورة منهجية وربطها بحركة داعش مع انهم يدركون ان ذلك ليس صحيحا. واجتثاث حركة حماس، وفق تصوّرهم، لا تتم الاّ من خلال عقيدتهم الكولونيالية، إي إبادة البيئة الشعبية، إما من خلال القتل وتسوية البنايات السكنية والبنية التحتية، والمرافق الصحية، بالارض، أو من خلال طرد السكان أو الاثنين معا. وهذا ما يجري الآن. وكان مخططهم الاصلي الأكثر جهنمية، نقل أو تهجير كل سكان غزة، مليونين ونصف، إلى شبه جزيرة سيناء، بحيث يُعاد إسكانهم هناك، في إطار تصفية قضية فلسطين. ولكن مقاومة نظام عبد الفتاح السيسي لهذا المخطط لما يشكله من خطر على استقرار نظامه حال دون ذلك، وهذا هو السبب الوحيد، وليس عطفاً أو تضامناً مع مأساة شعب فلسطين أو مساندة لكفاحه الشرعي،الاسطوري، من أجل استرداد حقوقه المسلوبة . والسيسي أو نظامه لا يهمه اجتثاث حركة حماس أو أي فصيل فلسطيني أخر ، من قطاع غزة، كما صرح، فلم يعد لهذا النظام أو غالبية الأنظمة العربية أى صلة عروبية أو إنسانية بقضية فلسطين، سوى أنها مشكلة مزعجة يبحثون عن علاج لها.

و في خطتهم هذه يستدعي أقطاب التحالف الامبريالي جريمة الغزو الاسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢، وإجبار منظمة التحرير الفلسطينية ومعها آلاف المقاتلين على الرحيل عن بيروت والتشتت في منافي أخرى. وضمن هذا المخطط، تستدعي إسرائيل اجتياحها لمناطق السلطة الفلسطينية عام ٢٠٠٢ ، بعد أن تمرد الفلسطينيون على إفرازات أوسلو ، والتوسع الاستيطاني الكثيف، وقمعها الوحشي للانتفاضة الثانية. كان ذلك الاجتثاث موجهاً ضد حركة وطنية علمانية وليس حركة دينية، هي منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة حركة فتح ومعها فصائل يسارية وقومية. وهي الحركة التي عقدت اتفاقا مع اسرائيل.

ولكن رغم كل تلك الحروب الاسرائيلية والاغتيالات والاعتقالات، والحصار، ظلت القضية الفلسطينية حاضرة، والتعطش للحرية والتحرر يتعاظم، و بعد كل منعطف نهضت أجيال جديدة تستأنف المسيرة التحررية عبر رسم ستراتيجيات مبتكرة، واعتماد اشكال نضالية متنوعة وخلاقة. وهذا التحالف الامبريالي الكولونيالي لا يتعلم من التاريخ ، ولا يتخلى عن فوقيته وعنصريته ضد الشعوب الاخرى، ولا يريد أن يهضم حقيقة قدرة كل شعب مظلوم على تجديد نهضته واستيلاد حركته المقاومة للظلم. واحيانا تكون القوى الجديدة أكثر شراسة واكثر تجربة في المقاومة. فالهمجية التي تتجلى الآن، وحجم الفقدان، والفظاعات التي ترتكب، ستولد مزيداً من الحقد والكراهية ضد إسرائيل وضد عالم أوغل في لا إنسانيته وبربريته.

فحتى لو تمكن المستعمر من هزيمتها أو إخراجها من قطاع غزة فستظلُّ قضية فلسطين حية، و سينهض جيلٌ بعد جيل حاملا للراية، معولون على قواهم الذاتية، وعلى الشعوب العربية الناهضة مجدداً، وعلى أحرار العالم الذين يزدادون عددا، في ضو ء انهيار الاساطير والاكاذيب الصهيونية. فالنضال الفلسطيني، الذي بدأ سلمياً ووجه بالعنف وبارتكاب المجازر والتشريد قبل أن يتطور هذا النضال إلى المقاومة العنيفة، بدأ منذ أوائل القرن الماضي، بدأ كنضال من أجل العدالة والحرية, وهو مستمر بلا هوادة، حتى اليوم .