الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فلسطين عابرة للقارات/ بقلم: عصام بكر

2023-11-29 11:44:25 AM
فلسطين عابرة للقارات/ بقلم: عصام بكر
عصام بكر

يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني تم اعتماده في التاسع والعشرين من تشرين ثاني 1949 ذات اليوم الذي صدر فيه قرار التقسيم رقم 181 وتقرر على أساسه تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ولطالما تحدث المستوى الرسمي الفلسطيني عن الدولة اليهودية التي أنشئت وهي قائمة بينما الدولة الفلسطينية لم يتم العمل على إقامتها بسبب غياب الإرادة وازدواجية المعايير الدولية إذ لم يتم العمل ولم يدرك العالم أهمية إزالة وتصحيح الظلم التاريخي الذي وقع بحق شعب فلسطين منذ ذلك الحين وحتى لم يفهم هذا العالم المتفرج قبوله بقرار تقسيم وطنه مرغما، ولسنا هنا بصدد تحليل السياق الذي رافق محطات هامة منذ نشاة القضية الفلسطينية وجذورها وحتى اليوم، وحجم المؤامرة التي مورست على شعبها بعيدا عن هذا التحليل الذي يقود في نهاية المطاف لاستنتاج واحد أن هنا شعب لا يموت، ولا يتلاشى، وهو غير قابل للذوبان أو الاندثار متمسك بهويته مهما اشتدت على عنقه حبال المؤامرات من القريب والبعيد لسبب بسيط هو أنه صاحب الأرض وصاحب الحق وبالعودة لقرار التقسيم في ظل الظرف الذي تمر به الذكرى هذا العام المختلفة كليا عن كل المراحل السابقة ولم تشهد القضية الفلسطينية في أي مرحلة منها ما تشهده اليوم.

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام يتزامن مع حرب عدوانية يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني كل الشعب الفلسطيني، وإن نال قطاع غزة حصة الأسد وبات رأس الحربة على مدار 49 يوما بعد السابع من أكتوبر الماضي أو ما يعرف "بطوفان الاقصى" كرد فعل ومحصلة لسلسلة متواصلة من الانتهاكات الجسمية التي استهدفت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس إضافة لتسعير الاستيطان، وسياسات التطهير العرقي في الضفة الغربية، وخطوات تنفيذ مخطط الضم، وإطلاق يد المستوطنين لترويع الناس والاعتداء على القرى والبلدات، والإعدامات الميدانية على مرأى ومسمع العالم دون أن يحرك ساكنا وهو ما أدى إلى ما حدث يوم السابع من تشرين أول الماضي كتطور نوعي لتراكم كمي وما تلا ذلك من عدوان دموي راح ضحيته حتى الآن بحسب التقديرات غير النهائية ما يقارب 50 ألف شهيد وجريح وتدمير أكثر من 60% من المباني في قطاع غزة إضافة لنزوح ما يقارب المليون مواطن لاحقتهم صواريخ العدوان حتى في المدارس والمشافي، ودور العبادة.

هذه الهجمات غير المسبوقة التي تفوق ما تعرضت له هيروشيما بعدة أضعاف من أطنان القذائف، والذخائر التي معظمها أمريكية الصنع والتوريد ومنها المحرمة دوليا، وما رافق هذه الحرب المجنونة من عشرات المجازر التي تقشعر لها الأبدان ضحيتها من النساء والشيوخ، والأطفال تدمير البيوت فوق رؤوس أصحابها، ومشاهد الموت أدت فيما أدت إليه من نتائج إلى ما يشبه (صحوة عالمية) غير مسبوقة أيضا لم يشهد لها العالم مثيلا ربما في العصر الحديث في تعاطف دولي بالغ الأهمية فهذه المرة تختلف كليا عن كل ما سبق من حيث حجم المشاركات، واتساع رقعة التحركات العالمية فغدت شوارع المدن، والعواصم العالمية مسرحا واسعا وساحة من ساحات فلسطين بكل معنى الكلمة فترى أحزابا سياسية يسارية وتقدمية، مؤسسات مجتمع مدني، نشطاء، وطلبة حتى رجال الشرطة، وبرلمانيين وعديد الحكومات أعلنت موقفها الرافض لاستهداف المدنيين، وأعلنت صوتها بعد أن كانت في البداية مترددة أو متلعثمة بسبب تأثير الاحتلال أو خشية من عقاب سيد البيت الأبيض أو لاعتبارات عديدة أخرى لا داعي الآن للدخول فيها، ومنهم من غير وهم كثر موقفه ولغته، مقارنة مع ما صدر عنهم بداية العدوان، وهو ما من شأنه أن يمثل مؤشرا على أهمية الضغط الشعبي على صناع القرار في دول العالم على اختلاف توجهاتها لتعزيز التأييد للقضية الفلسطينية.

إن ما حدث من حراك متواصل بهذا الشكل الضخم الحاشد في عواصم ومدن مثل لندن، اتوا، وسيدني، ومدن أوروبية، وأمريكية إضافة إلى مئات الآلاف في شوارع العالم يؤكد استعادة القضية لبهو حضورها كقضية مركزية على أجندة الاهتمام الدولي باعتبارها قضية العدالة الإنسانية مهما حاول الاحتلال تزوير الحقيقة، وطمس معالمها، وإنها فعلا عابرة للقارات، للافئدة وقلوب الشعوب لا بوصفها تملك ترسانة من الصواريخ البالستية بعيدة المدى لكنها تملك قوة الحق التي بإمكانها أن تحطم الحدود، وتخترق الضمير الجمعي الإنساني، والوجدان الأخلاقي لمحبي السلام لتحركه هذه المرة ليس بفعل الحالة العاطفية أمام الأشلاء الممزقة فحسب ومشاهد الموت والدمار الذي يخلفه الاحتلال على الهواء مباشرة في نشرات الأخبار في بث حي، وإنما أيضا كحالة صراع بين أولئك الذين يساندون الخير، والشر الفضيلة والرذيلة بين من يمارس الاضطهاد وبين من يقف مع حق الشعوب في الحرية هذا هو اصطفاف دولي جديد مغاير ينبغي الاستفادة منه فلسطينيا في تشكل الوعي العالمي من أجل العمل بصورة محددة واضحة تحددها عدة مرتكزات تتماثل مع القانون الدولي أولها هو أننا نعيش مرحلة تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال، وأن العالم مطالب على هذا الأساس بحقن المزيد من الدماء والتحرك لإنهاء الاحتلال، واثبتت التجرية أن حالة التعايش مع استمرار واقع الاحتلال هي غير ممكنة في واقع الحال مرة وإلى الأبد.

ومن المهم في يوم التضامن أيضا مع هذه السيول الجارفة من البشر أنصار الحياة رفضا للموت التي تجتاح العالم تتعالى فيها الأصوات والهتافات التي تعج بها الكرة الأرضية جمعاء تحويل هذا الفعل لمطالب سياسية على أهمية النداء لوقف العدوان علينا تحويل الشعار الذي يرفعه العالم ألى (إنهاء الاحتلال الآن) تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه الحالة العاطفية الجامحة حالة الغضب العارم أمام ورغم محدودية الحكومات وخيبة الأمل بالمؤسسات الدولية من وقف حمام الدم الجاري في الضفة الغربية وقطاع غزة هو بتحويل هذه الحراكات إلى ضغط ممنهج على صناع القرار من أجل الوصول إلى مسألتين في غاية الأهمية بالتوازي، ومن شأن تحقيق اختراق نوعي فيهما أن يؤدي الغرض المأمول كمقياس لمدى المساهمة في الانتصار لقضية فلسطين الأول توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني والثاني العمل على تأمين محاكمة ومعاقبة دولة الاحتلال وما بينهما تأتي أهمية العمل على الضغط لقطع العلاقات مع الاحتلال، وأن تحذو دول العالم حذو بوليفيا، وفنزويلا، وجنوب أفريقيا إلى جانب إجراءات، وخطوات مماثلة لإنهاء الاتفاقيات التجارية وبضمنها استيراد وتصدير الأسلحة مع الاحتلال نظرا للانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المناخ الدولي اليوم في جهوزية عالية لم يشهد العالم مثيلا لها منذ الحرب العالمية الثانية، ولم تكن القضية الفلسطينة في صدارة المشهد الدولي مثلما هي اليوم هذا يتطلب العمل على خطاب واسع النطاق لتطوير آليات دولية فاعلة ترتقي لمستوى الجريمة الحاصلة، والعمل على فتح أفق سياسي جديد عنوانه الأمم المتحدة لحشد التأييد لعقد مؤتمر دولي تحت مظلتها للوصول لتسوية تنهي الاحتلال بكل أشكاله، وإيصال الإلياذة الفلسطينية إلى وضع التطبيق لإنهاء الظلم الحاصل الذي لم يعد مقبولا استمراره، ومن غير المعقول أن تنتهي هذه (الجولة) كسابقاتها بعد ما سفك من دماء لا يجب القبول باستمرار الاحتلال جاثما فوق صدورنا، وأن يستمر صمت العالم فبدل البحث عن إيجاد قيادة بديلة، وترتيبات اليوم التالي للحرب وسيناريوهات من شأنها أن تطيل أمد الصراع، وعلى العالم اليوم أن يرى الحقيقة الماثلة استقلال فلسطين الآن دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس وفي يوم التضامن الذي عقدت تحضيرا له العديد من الاجتماعات الموسعة محليا وضمت القوى السياسية والمؤسسات الأهلية، والاتحادات، والنقابات، والأطر النسوية، والمهنية علينا العمل على تحويله ليوم فلسطين بامتياز تتحول شوارعنا فيه لساحات تشتعل بالهتاف، والنداء بالحرية والعدالة من أجل أن يعم السلام على أرض فلسطين الخالية من الظلم ولو بعد حين نحن بحاجة إلى مفردات مصطلحات مفاهيم من نوع جديد لمرحلة جديدة لغة موحدة مختلفة نجمع عليها في نظام سياسي قادر على مجابهة التحديات هو يوم الحقيقة، والانحياز للحق العالم يتحول فيه إلى وحدة واحدة من أجل إنهاء الاحتلال من أجل الحرية لفلسطين.

 

*عصام بكر عضو المجلس الوطني الفلسطيني