السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حماية القائم لمواجهة القادم/ بقلم: عصام بكر

2024-03-17 09:45:34 AM
حماية القائم لمواجهة القادم/ بقلم: عصام بكر
عصام بكر

ترتسم معالم طريق رغم ضبابية المشهد ربما مغاير لما بعد السابع من أكتوبر الماضي وسط مخاطر جمة تعصف بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني التي أصبحت في مهب الريح فعلا وهي كذلك حتى ما قبل الحرب العدوانية على غزة في الحقيقة الحرب تستهدف كل الشعب الفلسطيني، وعورة الطريق وسط تحديات جسام مع دخول الشهر السادس على التوالي، وما صاحب ذلك من دماء وتشريد وويلات، ونزوح ودمار إلى جانب ما يرافقها من مشاريع إقليمية ودولية، والحديث عن صفقات أو مقترحات في المنطقة تتطلب بالأساس جهوزية من قبلنا وفعالية أكثر- التلكوء والانتظار لن يجلب إلا المزيد من استنزاف وضعنا الداخلي، وبالتالي المبادرة مطلوبة، والعمل لمنع الإطاحة بالقضية كهدف أساس يسعى إليه الأعداء، والعمل ىنيا على إفشال الخطر الداهم المتمثل بالتهجير القسري بما يعنيه من التوصل إلى صيغة عاجلة لحقن الدم، ووقف العدوان رغم الثمن العالي والكبير الذي دفعه الناس وما يزال يدفع قرابين بشرية سيل من الدماء على طريق الاستقلال والحرية، والعمل على إفشال الهدف السياسي الآخر بالمعنى المباشر لمقررات حكومة الحرب في إسرائيل وهو إبقاء حالة الانفصال بين الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومحاولة السيطرة الأمنية المباشرة على مناطق واسعة في القطاع سواء بالتواجد العسكري الفعلي أو السيطرة الأمنية وهذا لم يعد سرا بل يتم الحديث عنه علنا وفي وضح النهار وما تحمله الأيام القادمة سيكون أوضح. 

لهذا وغيره الكثير علينا أن نرى ونحدد بوضوح المخاطر ما هي؟ وكيف يمكن مواجهتها؟ هذه الأخطار تكمن بوجود الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكاله على الأرض الفلسطينية ثم استمرار حالة الانقسام الداخلي وتداعياته على الصورة الجمعية والوعي المكون للفعل الفلسطيني الداخلي، وتوجهات ذلك للعمل مع إدراك الجميع أنه لم يعد بالإمكان التعاطي مع حلول بذات الأدوات المعمول بها أو المجربة سابقا، والإتيان بحلول مختلفة بذات الآليات والوصفات لم تعد صيغة صالحة، أما التحدي الثالث فهو إعادة بناء نظام سياسي يضم جميع المكونات ولكن أيضا بما يحافظ على الهوية الجامعة للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وهي منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها المرجعية العليا، والبيت الجامع، والجبهة الوطنية التي تحظى باعتراف العالم إضافة إلى أنها قادت وتقود المشروع الوطني الفلسطيني.

أمام ما يجري من حرب مفتوحة وإن كان رأس الحربة فيها قطاع غزة وبعد اللقاء الذي جرى مؤخرا في العاصمة الروسية وضم جميع الفصائل وما صدر عنه من بيان بنقاطه التسع التي لم تحمل اي جديد عملي يمكن البناء عليه أو إحداث اختراق ملموس لجسر الهوة بين المواقف حياله فيما أكد استمرار السعي لعقد لقاءات جديدة للحوار في سبيل الوصول لصيغة يمكن معها تذليل العقبات التي تحول دون استعادة الوحدة الوطنية وحتى في المشاورات لتشكيل الحكومة التي يجب أن تكون حكومة توافق ببرنامج واضح وصلاحيات، وتهيئة الظروف لعملها في الضفة وغزة معا، هو كيف نحول هذه المشاورات ووضعها في إطار معركة سياسية مع الاحتلال أي بمعنى آخر آن الأوان للتفكير بطريقة مختلفة للحوار بدلا من العودة خاليي الوفاض في كل مرة المشكلة ليست في مكان، وزمان إجراء جلسات الحوار، وإنما في المخرجات والنتائج بلغة سلسة وبسيطة أكثر إضفاء أو إعطاء انطباع أن المشكلة شكلية أو عملياتية هو كمن يذهب للطبيب ويعرف المشكلة وخطورتها، ويعود لطمأنة العائلة أنه بخير فهو يخدع نفسه ومن حوله ببساطة شديدة وسرعان ما يتم اكتشاف ذلك فمن النتائج المرتبة على استمرار حالة الفشل انعكاس ذلك على الثقة بالمؤسسة التي هي منظمة التحرير، والنظام السياسي بقواه وفصائله، وحتى السلطة، وزيادة حالة التهميش والتغييب عن الشراكة والقرار الموحد الجامع في كل المناحي الهامة للحالة الفلسطينية الراهنة بما فيها حتى المساهمة الجدية في الجهود لوقف العدوان رغم كل ما يبذل بهذا الصدد.

وبات أحد الأسئلة التي تثار أمام عدم  تحقيق إنجاز ربما بوضوح وصراحة أكثر في الآونة الأخيرة أمام عدم إنجاز الوحدة، وعدم المقدرة على وقف العدوان نظرا لمحدودية الدور ككل، وغياب أو تغييب العامل الشعبي الذي كان دائما ركيزة هامة في تصليب الوضع والموقف السياسي في مواجهة خطط الاحتلال بما فيها خطة الضم المتواصلة إحدى هذه الأسئلة موضع النقاش اليوم هل بإمكان القائم مواجهة القادم؟ هذا السؤال البسيط والعميق في سياق أزمة داخلية، وتكلس بنى النظام السياسي؟ وأزمات اقتصادية واجتماعية؟ تهتز معها دعائم المبنى وأرضيته أيضا في ظل الحاجة أن نكون معول بناء وليس معول هدم وأيضا عدم ترك الباب على الغارب مشرعا على كل الاحتمالات دون ضمان توفير الشروط اللازمة للصمود أمام الرياح العاتية.

المقصود بالقائم هنا الجميع مجتمع مدني، وأحزاب، وقوى ونقابات، وأطر ومؤسسات على قاعدة أكثر صراحة تتمثل أننا لسنا بخير، وهذه المكونات التي بمجملها شكلت فيما مضى عناصر قوة ومظلات هامة كروافع العمل المشترك والوحدوي في مواجهة سياسات الاحتلال عبر محطات عديدة ربما أبرزها إبان الانتفاضة الأولى عندما كانت تتمتع بمصداقية عالية، وامتدادات وجماهير، وأعضاء تعبر عنها، وتحمل مصالحها وقضاياها وتدافع عنها كانت باعتبارها طبقة وسطى أو عاملة شبكة حماية للمشروع الوطني، ودافعت عن المكتسبات السياسية اليوم البرنامج الوطني بحاجة إلى إعادة صياغة وتجديد بما يحافظ على الثوابت والأهداف الوطنية  حق العودة، وتقرير المصير، والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، ومحاولة القفز عنها أو تخطيها والبحث عن بدائل أو صيغ اخرى هو بمثابة إطلاق النار على الساق في ذروة المعركة – وبالعودة للسؤال هل إسقاط القائم أو تخطيه حتى سيقود إلى ما هو أفضل!! وهل يعطي النتائج المبشرة بتحقيق الأهداف وبتجاوز ذلك؟ أم أن البديل رغم الملاحظات الكبيرة على ما هو قائم هو الدخول في فوضى! وتشتيت الجهد والمزيد من الخسائر على المستوى اليومي والبشري والوطني، وهو أيضا ليس بالحل الأمثل الانتظار إلى حين ترنح المؤسسة إذ بالإمكان إعادة صناعة وتقديم الصيغ التي ينخرط الكل فيها متسلحا بموقف، وخطاب، وأدوات متوافق عليها وصولا لتحقيق الهدف وهو الاستقلال الوطني.

ومن هنا فإن المطلوب اليوم بات واضحا التحلي بالشجاعة والجرأة وكسر حالة السكون أو التلقي أو المراهنة على الزمن بأنه يحمل مفآجات ببساطة الولايات المتحدة لا تحمل في جعبتها أية حلول أو مواقف باستثناء تقديم الدعم للاحتلال، وتبني روايته والتغطية على ما يقوم به من إبادة الوصفات الأميركية مجربة والعودة إليها يحمل مخاطر جديدة رعايتها لم تؤدي إلى ما نصبو إليه هي فقط " تقليعة" لإدارة الصراع من شأن التعاطي معها  أن يفاقم من الأزمات الداخلية، ويكبد الشعب الفلسطيني المزيد من الابتعاد عن استعادة الوحدة من بين كل ما يطرح سواء الميناء العائم أو الحلول الإنسانية والإغاثية يقف خلف ذلك رؤية خبيثة رغم ما تحاول من خلاله تجميل الصورة، وبرأيي المتواضع أيضا الحل يكمن في رفض هذه المقترحات من حيث المبدأ وعلنا والذهاب لصياغة رؤية وطنية شاملة جديدة بمشاركة الكل الوطني قوامها إنهاء الاحتلال أولا وإنجاز مرحلة التحرر الوطني ووضع إمكانات السلطة والجميع في سبيل تحقيق ذلك - التغيير الحكومي وحكومة جديدة لن تملك عصا سحرية للحلول طالما بقيت الأمور على حالها لأن المطلوب اتخاذ قرارت ملموسة لها علاقة بالمواجهة مع الولايات المتحدة، وأن القيادة الفلسطينية لن تقبل استمرار وضع السلطة الحالي وسط الحصار المالي وتقويض بنيتها ومؤسساتها بمرافقة ذلك العمل على اعتماد منهجية لا لهدم القائم، وانما مده بالبقاء من أجل المواجهة فهناك جهات وأطراف عديدة تتوثب لتعبئة الفراغ ما بعد اليوم التالي لانتهاء الحرب وفق وصفات معادية أو في أحسن الأحوال غير مدروسة وغير متوافق عليها، وهذا سيدخل الجميع في أزمة جديدة تزيد من الأزمات الموجودة، وبالمعنى الأدق كيف يكون اليوم التالي فلسطينيا بامتياز؟  هذا هو السؤال وفتح أفق سياسي يقود إلى إنجاز وطني لقاء كل هذه التضحيات والدمار؟

ما يريده الجل الأعظم من الشعب بأغلبيته الصامتة وفئاته الشعبية المهشمة، ومن جموع الفقراء هو رغم الدموع والأوجاع العودة للاعتزاز بمعاني وروح العمل الوطني الأصيل أن تعود المبادرات والعمل الشعبي المبني على تفاهمات واسعة تتسم بالوحدة، ووقف التجاذب والاختلاف، على الجهات العليا وصناع القرار توفير الإمكانات للبقاء في مواجهة التهجير القسري ومخططات تفريغ الأرض لأنها لحظة الحقيقة، ومحطة تاريخية هامة من العبث استمرار حالة السجال العاطفي والتطاير في المواقف من يحمي الأطفال في غزة، ويعيد النازحين إلى بيوتهم ومن يمنع التطهير العرقي في القدس والضفة،  ومن يجعل الجميع في حالة انصهار، وحركة متواصلة هو ما يريد أن يلمسه الناس في بورين، وبرقة، ومسافر يطا، وعين البيضا، وفصايل، وسلفيت وسنجل وترمسعيا وراس كركر لعل القائم يقوى على الصمود لمواجهة القادم.