الإثنين  29 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إدارةُ الفَشَل في عمليَّة السَّلام / بقلم: رائد دحبور

2015-06-30 03:00:11 PM
 إدارةُ الفَشَل في عمليَّة السَّلام / بقلم: رائد دحبور
صورة ارشيفية
 
بقيت وستَبْقى إدارة الفشل في عمليَّة السَّلام الآسِنَة على صعيد القضيَّة الفلسطينيَّة مهمَّة أمريكيَّة بامتياز، ولكن من وقتٍ إلى آخر تُجرِّب بعض القوى الدَّوليَّة أو الإقليميَّة حظوظها في محاولةِ تخليص تلك العمليَّة مِمَّا عَلِقَ بها من أدرانٍ وأوحال جرَّاءَ مرواحتها الطَّويلة في مستنقعِ الفشل المريع، ومن تداعيات الإجراءَات الإسرائيليَّة الَّتي نقضت كل أسس تلك العمليَّة عبر عمرها المديد منذ لحظات ولادتها القيصريَّة الأولى، وكذلك تجهدُ تلك القوى في محاولةٍ منها لإخراج تلك العمليَّة من مناخ عدم الثِّقة المزمن، والَّذي يأبى التَّحوُّل أو التبدُّل.
 
ولإنْ كان العقل الأمريكي قد أبدع جملةً من النَّظريَّات الإداريَّة على يدِ كلٍّ من فريدريك تايلور، وجون آلتو مايو، في مطلع القرن العشرين، والتي كانت أساساً لنهضة وتقدُّم هذا العملاق الأمريكي الصِّناعي والاقتصادي والعسكري والسِّياسي، فإنَّ تلك العقليَّة، وبلا شكٍّ، قد أبدعت أيضاً في مجال إدارة فشل قيادات ونخب وأوضاع شعوب ودول العالم الثَّالث، وفي مقدم ذلك إدارة فشل عمليَّة السَّلام في الشَّرق الأوسط. وهي بالإجمال إدارة أمريكيَّة ناجحة لإدامة استمرار أوضاعٍ مترديَّة تنمو على ضفافها الآن في المنطقة العربية مختلف أشكال وطحالب التَّطرف وخيارات اليأس، وتستمر على ضوئها عمليَّة سلام فاشلة.
 
مؤخَّراً يتم الحديث عن أفكارٍ فرنسيَّة لتحريك عجلة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ضمن جولةٍ دبلوماسيَّة يضطَّلِعُ بها وزير خارجية فرنسا، لوران فابيوس، وتشمل كل من مصر والأردن ورام الله وإسرائيل، وترتكز هذه الأفكار نظرياً، وليس واقعيَّاً ضمن المعطيات القائمة، على أساسِ مفهوم حل الدَّولتين مُجَدَّداً، مع ضمان التَّواصل الجغرافي لأراضي الدَّولة الفلسطينيَّة، وهو ما ترفضُ إسرائيل تناوله، خاصَّةً على أساسِ الانسحاب إلى حدود الرَّابع من حزيران عام 1967، وهذا ما أكَّدت عليه تصريحات المسؤولين الإسرائليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، في تعقيبهم على الأفكار الفرنسيَّة حيث قال مؤخَّراً: "إنَّ الأفكار الفرنسية تأتي في سياقِ جهدٍ دولي تستجلبه السلطة الفلسطينية يقوم على أساس انسحاب إسرائيل إلى حدودٍ لا يمكن الدِّفاع عنها!!"
 
بالإجمال تأتي الأفكار الفرنسيَّة في بيئة التَّشَنُّج الدُّبلوماسي القائم حالياً في العلاقةِ بين الإدارة الأمريكيَّة الحاليَّة والحكومة الإسرائيليَّة الرَّاهنة، وهي بالتأكيد من المستبعد أنْ تأتي خارج سياق التَّنسيق الأمريكي الفرنسي فيما يخص إعاداة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، على أسُسٍ أكثر ديناميكيَّة كما وُصِفَت فلسطينياً.
 
من اللَّافت أنَّ وزير خارجية فرنسا أشارَ عندما أعلن عن الأفكار الفرنسية وضمن لقائه بوزير خارجية الأردن إلى أنَّ إحدى الأهداف المُتوَخَّاة من وراء طرح المبادرة الفرنسيَّة هو الإسهام في معالجة تداعيات ما حصل في المنطقة من أحداث خلال السنوات الماضية، وهو ما يُشير إلى محاولةٍ دوليَّة لإعادةِ ترتيب الأوراق في المنطقة تحت عنوان إعادة إحياء عمليَّة السلام، وإيجاد بيئة استراتيجية جديدة تقوم على أساس إعادة الثِّقة بالجهود الدَّوليَّة تجاه مشاكل المنطقة، وهو ما يشبه محاولة العطَّار لإصلاحِ ما أفسَدَهُ الدَّهرُ.
 
ولكن، أليس من اللَّافت أنَّه كان ينبغي أنْ يتم طرح مثل هذه الأفكار أمريكيَّاً وليس فرنسيَّاً، بحيث يكون لها وزنها النَّسبي ذو المغزى العملي والواقعي الَّذي تفهمه إسرائيل جيِّداً؟!
 
إذْ أنَّ إسرائيل تفهم وكذلك مختلف الأطراف تُدرِكُ أنَّ أيَّ جهدٍ دوليٍّ لن يكون له أهميَّة عمليَّة إذا لم يتأتَّ ضمن ريادة الدُّبلوماسيَّة الأمريكيَّة له وبالجدِّيَّةِ الضَّروريَّة المطلوبة.
 
ثمَّ إنَّ تاريخ الدُّبلوماسيَّة الأمريكيَّة يشهد وكذلك طرق الشَّرق الأوسط الَّتي ازدحمت على مدى عقودٍ من الزَّمن بِمُختلف أصحاب المهارات الدُّبلوماسيَّة الأمريكيَّة والأوروبيَّة والدَّوليَّة تشهدُ أنَّ كل هذه الجهود كانت تأتي ضمنَ سياق ما أشارَ إليه المثل الشَّعبي الفلسطيني الَّذي يقول: إنَّهم كَمَثَلِ الَّذي يرى الوَكْرَ ويَقُصُّ على الأثر!!