الخميس  29 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

بروقين قريتي لم تعد هادئة وادعة! | بقلم: عصام بكر

2025-05-26 10:32:32 AM
بروقين قريتي لم تعد هادئة وادعة! | بقلم: عصام بكر
عصام بكر

ما يحدث في بلدة بروقين وجارتها الاقرب كفر الديك بمحافظة سلفيت لما يقارب نصف شهر لا يمكن النظر اليها باعتبارها حوادث او هجمات فردية وانما هي جزء يسير وبسيط مما يجري بالرغم من حجمه ووحشيته مما تتعرض له محافظة سلفيت وباقي المحافظات الفلسطينية من انفلات عنصري تقوده قوى منظمة اشبه بجيش حقيقي يعمل وفق خطة مدروسة بل معدة مسبقا جاهزة للتنفيذ وليست العملية التي وقعت (ان وقعت فعلا) الا ذريعة مختلقة يسوقها الاحتلال لنهب الارض والاستيلاء على المزيد منها واقامة المزيد من المستوطنات وزرع البؤر بمختلف مسمياتها "رعوية" او غير ذلك فيها، وهي تلتهم مساحات واسعة من الاراضي في اطار خطة الحسم وتكريس الامر الواقع .

الا ان ما يجري في بروقين يمثل نقلة نوعية اضافية تزداد شراسة وعنفا يعكس نوايا حاقدة ضمن خطاب ديني قومي متطرف لسلوك كراهية ومحاولات اختلاق روايات مغايرة مضمونها يختلف حتى عما كان يجري سابقا في حوارة او دوما او ترمسعيا وغيرها من المواقع، ولا بد هنا من التذكير بما تم اتخاذه مؤخرا من قرارات بعودة الحكم العسكري المباشر من خلال الغاء القوانين المتعلقة بتسجيل وتسوية الاراضي في جميع المناطق المصنفة "ج" بما يعني احكام السيطرة الفعلية المباشرة الكاملة فيها، وهي تقريبا تمثل 62% من مساحة الضفة الغربية وما يحدث في بروقين هو ترجمة عملياتية لهذه القوانين، الامر الاخر الملفت هو انه مع وقوع العملية ليل الاربعاء الخميس من الاسبوع الماضي باشرت جرافات واليات الاحتلال الثقيلة العمل فجرا على التلة المحاذية لمستوطنة(بروخين) التي اقيمت على اراضي القرية وسميت بنفس الاسم لاسباب يدرك معناها الجميع تأسست العام 1997 -1998 بمعنى اخر ان حوالي 10 جرافات ثقيلة شرعت بالعمل ليلا نهارا مما يعكس وجود خطة جاهزة للتنفيذ كانت فقط تنتظر شارة البدء ولو بحادث اخترعوه بانفسهم المسالة الاخرى في ذات السياق هو حجم التواجد والمشاركة غير المسبوقة في اعداد المستوطنين المعتدين وطريقة العمل حيث قدر عدد المشاركين بالمئات ممن اقتحموا اطراف البلدة ومناطق واسعة منها من 4 محاور الى جانب وجود المئات الذين كانوا على التلة القريبة وعلى ما يبدو يقوموا بتأمين الحراسة ومراقبة ما يجري وهم خط دفاع ثاني عن المجموعة المقتحمة وهو ما يدل بوضوح ودون ادنى مجال للشك على التنسيق المباشر مع جيش الاحتلال وقنوات التواصل مع جهات منظمة داخل مجموعات المستوطنين في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومستوى التنسيق مع جيش الاحتلال، وتبادل الادوار بينهم وقيام جيش الاحتلال بتوفير التسهيلات والحماية والاسناد ليس هذا فحسب وانما ايضا انهم يتحركون بعناية والية محددة ومن يراقب سلوكهم يرى بوضوح ذلك قنوات تنظيمية واحدة تقود تحركاتهم وتعطي لهم التعليمات وليس ادل على ذلك ان ما يسمى رئيس مجلس المستوطنات (داغان) صبيحة العملية قام بافتتاح مكتب له وخيمة كبيرة الحجم في ذات الموقع يقوم بعقد اجتماعات تضم كبار قادة المستوطنين ونواب كنيست فيها بشكل شبه يومي، ويشرف شخصيا على ما يجري مع استمرار انياب الجرافات تنهش الارض تمهيدا لبناء سياج او جدار عنصري اضافة الى وضع كرفانات ومنشات اخرى اي ان من يقوم باعطاء الاوامر والتعليمات ويشرف مباشرة على هذه الافعال العدوانية هم قادة المستوطنين وجيش الاحتلال سوية المسألة الاخرى الجديرة بالذكر والنقاش هنا هي عملية الانتشار الواسع على اطراف البلدة الشمالية والسرعة التي تمت بها وتقسيم المستوطنين لمجموعات كبيرة كل مجموعة منها تعرف بدقة ما عليها عمله ومنطقة "البقعان" هي في الجهة الشمالية لبلدة بروقين القريبة من مستوطنة بروخين والشارع الالتفافي ومنطقة بركان الصناعية حيث اقتحمت مجموعة ملثمة تحت جنح الظلام المنطقة مع تواجد ما لا يقل عن 7 جيبات عسكرية لجيش الاحتلال في نفس الوقت قاموا بحماية الجيش بسكب مواد حارقة شديدة الاشتعال على المركبات فيما قامت مجموعة اخرى بالقاء زجاجات حارقة على البيوت والاشجار في محيطها واخرى تولت تأمين الحماية ومجموعة رابعة قامت بالقاء الحجارة على البيوت وحطمت النوافذ والابواب روعت السكان الامنيين في بيوتهم هذا الهجوم الوحشي كاد ينتهي بكارثة محققة لولا يقظة الاهل والهبة الشجاعة لاهالي البلدة وشبابها والقرى المجاورة وتعاون الجميع ودور البلدية بهذا الخصوص حيث عمل الشبان على استخدام مكبرات المساجد وبسرعة كبيرة كانت القرية تزحف في سيل بشري هادر نحو المكان المستهدف في تحدي لهؤلاء الدخلاء رغم الرصاص وقنابل الغاز التي اطلقها جنود الاحتلال صوبهم هبوا للدفاع عن بيوتهم ومزارعهم وممتلكاتهم مهما تكون النتيجة حتى لو سقط شهداء اضافة للشهيد نائل سمارة الذي اعدمه جنود الاحتلال بدم بارد في ساحة بيته بزعم تنفيذ العملية قبل ايام من هجوم المستوطنين .

هذا الهجوم والهجمات التي تلته على بلدة بروقين هو بالاساس "بروفا" او احد السيناريوهات لما هو قادم وما تنتظره ليس بلدة بروقين وحدها ولا سلفيت كمحافظة التي ينخرها وباء الاستيطان من كل جانب 19 قرية و 23 مستوطنة استهداف مباشر بالتهويد لا تكاد تفتح نافذة اي بيت في سلفيت وقراها دون ان تشاهد مستوطنة او بناء او معسكر للاحتلال يراد بالهجوم يوم الجمعة والايام التي تلته في هجمات متتالية على بروقين ارسال تأكيدات (بالسيادة) على ارض الضفة الغربية وبالمناسبة استمرار الهجوم على القرية على مدار الايام لم يتم يتوقف وتأخذ شكل موجات متتالية يفصل بعضها عدة ساعات احيانا اي ان المسالة ليست (انتقامية لحادث) بل عمل ممنهج متواصل تحكمه عقلية عدوانية اثمة هدفها ترحيل الناس واجبارهم على المغادرة قسرا بفعل اعمال واسعة النطاق تجبر الناس على الرحيل احراق للبيوت، الممتلكات اولا ثم سياسة عقوبات جماعية، فرض الحصار ومنع حرية الحرية والتنقل، منع ادخال المواد الاغاثية والغذائية، وضرب مقومات البقاء عن طريق الاقتحامات والتنكيل وتخريب البيوت وتحويلها الى ثكنات عسكرية الحديث عن عشرات المنازل جرى اقتحامها وتحطيم محتوياتها بكل ما يخلف ذلك ايضا من محاولات زرع الرعب في نفوس المواطنين اضافة الى تحويل بعضها الى مراكز للتحقيق ولا يفوت الكاتب هنا تسليم عشرات الاخطارات بوقف البناء والهدم للمنطقة ذاتها التي تتعرض للهجمات من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح وهي على لائحة الهدم في اي لحظة بما تتركه عملية الهدم من اثار اقتصادية واجتماعية ونفسية على العائلة والمواطنين .

ان حقيقة ما يجري باعتباره التطبيق العملي لخطة الحسم يتطلب العمل على عدة مستويات لا سيما من القرية والقرى المجاورة بمقومات الصمود والبقاء وتعزيز الوجود فيها رفضا لمحاولات الاقتلاع الجارية لماذا مثلا لا يتم دراسة وضع خطة مضادة للتصدي وطنيا وشعبيا لخطة الحسم تبدأ في سلفيت وصولا الى مسافر يطا جنوب الخليل تعتمد بالاساس على اعتبار هذه المناطق مناطق تطوير من الدرجة الاولى ومناطق اغاثة وطواريء تسخر لها كل الامكانات من اغاثات "وقت الكوارث ودعم صمود" ربما يمكن الاستفادة من تجربة ما جرى مع الخان الاحمر قبل عدة سنوات حيث ساهمت البرامج والمخصصات والمشاريع في دعم صمود ومنع تهجير التجمع البدوي على تخوم القدس في البادية الفلسطينية اضافة للحملات الشعبية والدولية المساندة – سلفيت اليوم هي اختبار حقيقي لما قد يحدث مستقبلا امتدادا لذات التوجهات في حرب الابادة المتواصلة على قطاع غزة وان اختلفت الوتيرة والادوات والشكل في بعض الاحيان .

فالمطلوب اليوم ليس زيارات ميدانية تضامنية على اهمية ذلك في تعميق الحس الجمعي انما مطلوب خطة وطنية شاملة لانقاذ بروقين وقرى سلفيت من تهجير قسري وسعي محموم لاخلاءها التحدي يشمل رفض قوانين الاحتلال في البناء وتوسيع الخارطة الهيكلية للقرى والبلدات اضافة لتوفير مقومات الصمود من كهرباء ومياه وتشجيع الزراعة والعودة للارض، وتطوير البنية التحتية والمشاريع من الجميع حكومة ومستوى رسمي، وقطاع اهلي وخاص ومؤسسات مجتمع مدني وتفعيل بند المسؤولية المجتعمية الذي يخصص بعض بسيط من موازنتها للتكريم وتوزيع المنح احيانا بشكل استعراضي لماذا لا يتم العمل بارادة وطنية جامعة من اجل انقاذ قرية هي اليوم اقرب لنموذج الابادة والذبح المباشر من الاحتلال ومستوطنيه لجان الحراسة التي يقوم شباب بروقين بجهود ذاتية وتطوعية بالعمل من خلالها ضمن الهبة المحلية والتخوف على مستقبل القرية يمثل الدافع الهم من شأن النجاح في انقاذها ان يمثل نموذجا للعمل عليه في سائر القرى والبلدات الفلسطينية في الاغوار وعرب المليحات وقرى جنوب نابلس، وشرقي رام الله والقرى التي تقع بشكل مباشر في دائرة الاستهداف المباشر من المستوطنين وغلاة التطرف .

القرية التي انحدر منها وعشت طفولتي وشبابي وفي مرحلة الانتفاضة الاولى فيها لم يساورني شك ان ارى مستقبل اطفالي فيها هي اليوم لم تعد هادئة وادعة امنة ليست فقط بسبب ما جرى من انفلات عنصري منذ الايام الاخيرة وانما على امتداد سنوات طويلة حيث بروقين نصف اراضيها لم يعد بمقدور اصحابها الوصول اليها، وثلثها تجثم عليه مستوطنة بروخين ومساحة واسعة لما يسمى اصبع ارئيل والمنطقة الصناعية بركان، فيما وديانها اصبحت مكرهة صحية بفعل مجاري المستوطنات، هواءها ملوث بدخان المصانع الكيماوية، زيتونها محرم على المزارعين نتيجة انتشار الخنازير البرية والاوامر العسكرية والقرية كانت تشتهر بكثافة اشجار الزيتون التي تكسو جبالها الخضراء هي اليوم ممنوع الوصول اليها لقطف ثمارها لكنها اي بروقين بالرغم من ذلك كله مثالا صارخا لانعدام امكانيات العيش فيها وهذا جوهر ما يريده الاحتلال قرية متهالكة فارغة من اهلها لكن حالة الصمود التي تضربها القرية والناس في مواجهة ذلك بالجهود الفردية الذاتية اكثر من رائعة ومميزة في افشال ذلك لكن يبقى الاساس في تظافر كافة الجهود ضمن خطة شاملة لانقاذهم فهم لا يدافعون عن القرية وحدها انما هم صخرة صلبة في وجه محاولات الترحيل والتهجير القسري بروقين صامدة وباقية لكن يبقى السؤال المطروح على اجندتنا جميعا ماذا نحن فاعلون لحمايتها وتثبيت الناس فيها؟