الثلاثاء  27 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الانتخابات وإعادة انتاج العقد الاجتماعي| بقلم: مؤيد عفانة

2025-05-27 10:53:16 AM
الانتخابات وإعادة انتاج العقد الاجتماعي| بقلم: مؤيد عفانة
مؤيد عفانة

يمكن تعريف الانتخابات العامّة على أنها الوسيلة التي بموجبها يختار المواطنون الأشخاص الذين يُسند إليهم مهام ممارسة الحكم، وهي مجموعة الإجراءات التي تتيح لأفراد المجتمع المشاركة في عملية اتخاذ القرار، وتعتبر أداة من أدوات بناء النظم الديمقراطية القائمة على التداول السلمي للسلطة، وفتح المجال لحرية الرأي والتعبير، وبناء مجتمع سياسي تشاركي بدلاً من الإقصائي، وتعتبر الانتخابات آلية من آليات انفاذ الديمقراطية، ولكنها ليست شرطًا كافيًا لتحقيقها، ولا يعني إجراؤها أن النظام أصبح ديمقراطيًا، فالديمقراطية تتطلب بالضرورة تغيير في الثقافة السياسية والمجتمعية، وبناء مجتمع قائم على التعددية وتقبّل الآخر، ومشاركة جميع فئات المجتمع في اتخاذ القرار النابع من حرية الرأي والتعبير، والديمقراطية تتطلب بالضرورة احترام مخرجاتها أيضا، ومنها نتائج الانتخابات، لإعادة صياغة العقد الاجتماعي ما بين الدولة والشعب.

فالانتخابات ترتبط بشكل مباشر وجوهري بـ "العقد الاجتماعي"، لأنها تمثل إحدى الوسائل العملية التي يُفعّل بها هذا العقد في الدولة الحديثة، وهي مدخل رئيس لإعادة انتاج العقد الاجتماعي وتجديده، والانتخابات هي التجسيد العملي لمفهوم العقد الاجتماعي في الأنظمة الديمقراطية، إذ تُمكّن الأفراد من المشاركة في الحكم، وتضمن أن تبقى السلطة مستمدة من الشعب، وفق اتفاق ضمني غير مكتوب بين الحاكم والمحكوم، كما أن الانتخابات هي رافعة رئيسة لإنفاذ مبدأ فصل السلطات، كونها تنتج السلطة التشريعية، وتمنع احتكار السلطات في يد السلطة التنفيذية.

والعقد الاجتماعي هو مفهوم فلسفي قديم، قِدم الحضارة اليونانية، وحضارة روما، وأعاد تقديمه مفكرون أمثال جان جاك روسو، وجان لوك، وتوماس هوبز، وغيرهم من مفكري عصر التنوير، ويقضي بمفهومه البسيط بأن الأفراد يتنازلون عن بعض من حرياتهم الطبيعية لصالح سلطة عامة (الدولة) مقابل حماية حقوقهم وضمان الأمن والنظام، وهذا العقد بحاجة إلى تجديد أو إعادة انتاج مع الزمن من خلال الانتخابات، والتي تعتبر أداة تجديد للشرعية السياسية، فهي تُمثل وسيلة يعبّر فيها المواطنون عن رضاهم أو رفضهم للحكام، وبالتالي تجديد أو سحب الشرعية السياسية الممنوحة لهم ضمن إطار العقد الاجتماعي، وهي وسيلة لانفاذ الإرادة الحرة للمواطنين، وآلية للمساءلة الشعبية العامّة، فمن خلال الانتخابات، يُحاسب الشعب ممثليه، ويعيد انتاج السلطة السياسية، وهو ما يتماشى مع مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات، وهو جوهر العقد الاجتماعي، كذلك فإن الانتخابات عبارة عن صك تجديد صلاحية النظام القائم أو تغييره، بما يضمن استمرار العقد الاجتماعي بشكل ديمقراطي وسلمي، كما ان الانتخابات تُكسب السلطة السياسية الشرعية الجماهيرية، كون السلطة السياسية لا تكون مشروعة إلا إذا كانت مبنية على موافقة المحكومين، عدا عن كون الانتخابات ضمانة انفاذ مبدأ فصل السلطات.

ومن هنا توجد ضرورة لإجراء الانتخابات، وضمن مبادئها الرئيسة النزاهة والشفافية والدورية، حيث تعتبر دورية الانتخابات هي الضامن لإنفاذ تجديد العقد الاجتماعي أو إعادة انتاجه ما بين السلطة السياسية والشعب، وتقادم الانتخابات او عدم اجراؤها يعني بالضرورة تآكل العقد الاجتماعي، وفقدانه لمضمونه، الامر الذي يؤثر سلباً على جوهر مفهوم المواطنة.