الجمعة  01 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مؤتمر نيويورك... محاذير ومزايا/ بقلم نبيل عمرو

2025-07-31 08:52:23 AM
مؤتمر نيويورك... محاذير ومزايا/ بقلم نبيل عمرو
نبيل عمرو

عندما يجتمع وزراء خارجية معظم دول العالم، من أجل حل الدولتين، والمعنيّ أساساً هي الدولة التي لم تقم بعد، أي الفلسطينية، فهذا حدثٌ مهما بلغت الحرب الأمريكية الإسرائيلية عليه، يظل نوعياً بل وتاريخياً إذا ما وضعنا في الاعتبار الزمن الذي انعقد فيه، والظرف الذي أملاه، والتطور الأهم الذي سيفضي إليه عبر قمةٍ في أيلول القادم.

غير أن مؤتمراً كهذا ونظراً لهدفه الأساسي، لا بدّ وأن يكون محاطاً بمحاذير لا تجعله مجمّع مزايا مضمون النتائج.

المحذور الأول.. هو الإفراط في تعليق آمالٍ سريعةٍ عليه، ذلك لأن احتمالات اعتراض مساراته بفعل حرب الطرف المقابل عليه، يظل أمراً وارداً ولا مجال للتغاضي عنه، فأمريكا ليست بالخصم الهيّن في هذا المجال، وكذلك إسرائيل التي ما تزال تعتبر ولادة دولةٍ فلسطينية، خطراً وجودياً عليها، ما دفعها لوضع تشريعاتٍ ملزمةٍ لقواها السياسية بمنع قيام الدولة الفلسطينية، حتى لو اقتضى الأمر البقاء على سلاحها إلى الأبد.

والمحذور الثاني.. وربما يكون هو الأهم، يتجسدّ في اعتماد القرارات القوية دون تأسيس ما يعادلها من آليات متابعة ومواصلة تجنيد قوىً إضافية للالتزام بالقرارات والعمل جدياً على تنفيذها، واضعين في الاعتبار أن آلاف القرارات الصادرة عن محافل دولية هامة، تجمّدت وتلاشى تأثيرها لعدم وضع آليات تنفيذية لها.

وما يدعو للطمأنينة بشأن مؤتمر نيويورك والفعاليات التي ستليه، هو التوغل الفرنسي الممثل لأوروبا فيه، والسعودي الممثل للعرب والمسلمين، مع وجود تمثيلٍ قويٍ للدول العظمى في المؤتمر، وهذا ما ينقل القضية الفلسطينية من دائرة المؤتمرات النمطية التضامنية، إلى دائرة الفعاليات الحقيقية نحو إقامة الدولة، وهذا ما يقلق الإسرائيليين وإلى حدٍ ما الأمريكيين.

غير أن هذه المحاذير تقابلها مزايا قوية وهي..

أولاً.. أن العالم استيقظ فعلاً على حقيقة أن الاستقرار في الشرق الأوسط لن يتم إلا بحلٍ سياسي للقضية الفلسطينية، شرط أن يرضى عنه الفلسطينيون وحلفاؤهم وكل من معهم، ذلك أن التسوية المنشودة لم تعد لمجرد نزع فتيلٍ مؤقت من صاعق تفجيرٍ يهدد بإشعال المنطقة بأسرها، بل أصبحت ضرورةً للمصالح الدولية المتجمعة في المنطقة، وضمانةً لإبعاد الخطر عنها.

ثانيا.. إن فكرة المؤتمر وجدول أعماله، جاءت في سياقٍ سلميٍ شامل، وليس ضمن حالة استقطابٍ كما كانت الأمور عليه إبّان الحرب الباردة، فالمشاركون جميعاً يعترفون مباشرةً أو ضمناً بإسرائيل، ولكنهم يرون أن للفلسطينيين حقاً مماثلاً قصّر العالم في تمكين أصحابه منه، وهذا ما يضيّق مساحات المناورة والرواية والرفض الإسرائيلي، وربما يجبر أمريكا على إعادة النظر في موقفها الممالئ لإسرائيل، والذي أوقعها في عزلةٍ دوليةٍ لم يسبق أن تعرّضت لمثلها طيلة تاريخها.

مؤتمر نيويورك ليس تظاهرةً تضامنيةً من نوع قل كلمتك وامضي، إنه بداية مسارٍ دولي يقترب من الإجماع، ولكي ترجح كفة المزايا على المحاذير، فالأمر مرتبط بالجهد الذي سيبذل لوضع قراراته موضع التنفيذ، وفي هذا السياق يقع العبء الأكبر على الفلسطينيين أصحاب القضية، وعلى العرب حاضنتهم الأزلية وعلى باقي من تبقى من الدول المشاركة، وفي مقدمتها أوروبا وأمريكا اللاتينية، وكل دولةٍ تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته.

الأمر أخيراً لا يتصل بقوة القرارات وإنما بقوة الفعل لتنفيذها.