الثلاثاء  20 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

زيارة ترامب ومستقبل القضية الفلسطينية/ بقلم: جمال زقوت

2025-05-19 06:39:42 PM
زيارة ترامب ومستقبل القضية الفلسطينية/ بقلم: جمال زقوت

 

كما كان متوقعاً، لم تفض زيارة ترامب لعدد من الدول العربية سوى لتحقيق أهدافه الاقتصادية المعلنة بالتوقيع على عدد من الاتفاقيات الضخمة، مع أن بعض التقارير الأمريكية تشير إلى أن بعضها مجرد مذكرات تفاهم طويلة الأجل. الملفت في هذه الزيارة هو تهميش واشنطن لمستقبل القضية الفلسطينية، وللدول التي طالما كانت تعتبرها واشنطن مركزية في علاقاتها بالشرق الأوسط.

فقد سبقت الزيارة تباينات ملموسة في الملفات الأساسية التي طالما كانت اسرائيل طرفاً أساسياً فيها، سيما الملف الإيراني، حيث سبق وأطلق ترامب مفاوضات مباشرة مع طهران سواء حول ملفها النووي، أو كما يبدو ما تعتبره واشنطن وكلاء طهران في المنطقة، سيما ملف جماعة الحوثيين، والإعلان عن وقف متبادل لإطلاق النار معها. وفي كليهما كانت اسرائيل خارج الصورة والتأثير المباشر. ومن الواضح، وفقاً لتصريحات ترامب، أن المفاوضات مع ايران تتقدم بصورة إيجابية، رغم ما حملته تصريحاته من لغة تهديد خشنة، لم تستبعد كلياً الخيار العسكري، الذي أشار في أكثر من مرة أنه لا يحبذه، الأمر الذي يوضح أن هذه التهديدات ليست أكثر من أدوات ضغط تفاوضية لضمان تحقيق ما يسعى إليه من هذه المفاوضات، والتي يبدو أنها تحددت بعدم تمكين طهران من امتلاك سلاح نووي، الأمر الذي تؤكده طهران بأنها لا تسعى إليه"على الأقل في هذه المرحلة".

وقد جاء إطلاق سراح عيدان الكسندر، بالاتفاق المباشر مع حركة حماس، مؤشراً على أن صبر واشنطن على مناورات نتنياهو في ملف المحتجزين لدي حماس وفصائل المقاومة في القطاع آخذ بالنفاذ، وأيضاً بأن الوسيلة الوحيدة لاستعادتهم هي المفاوضات وتوفير شروط نجاحها، كما أنه يشير إلى أن العقبة الأساسية أمام نجاح الوسطاء في استكمالها هو نتنياهو. وهذا ما أبلغه ستيڤ ويتكوف لعائلات المحتجزين الاسرائيليين خلال لقائه معهم في زيارته الأخيرة عشية زيارة ترامب للمنطقة.

كما ألمحت الزيارة إلى أن انتقال مركز الثقل العربي إلى دول الخليج، لا يقتصر فقط على الاتفاقات الاقتصادية. فبالاضافة إلى تغييب تل أبيب عن مسارها، وإعلان ترامب عن نيته رفع العقوبات عن سوريا دون التنسيق معها، وتطبيع العلاقة مع دمشق بلقاء الرئيس السوري في الرياض، بمشاركة أردوغان هاتفياً، فإن القاهرة وعمان بدتا وكأنهما لم تعودا محوريتين في الترتيبات السياسية التي يسعى ترامب للقيام بها في المنطقة .

رغم الوعود التي سبق وأعلنها ترامب بوقف الحروب في المنطقة وخارجها، ونجاحه في احتواء التصعيد العسكري بين الهند والباكستان، إلا أن الملف الأوكراني الروسي ما زال يتعثر. ومن اللافت، أنه ورغم ما يبدو من نفاد صبر إدارة ترامب من نتنياهو، إلا أن ما رشح عن الزيارة حول ملف قطاع غزة لم يتجاوز حتى اللحظة " الملف الإنساني" لادخال المواد المنقذة للحياة ومحاصرة تداعيات سياسة التجويع التي تنفذها حكومة تل أبيت منذ الثاني من آذار مارس الماضي. فرغم دلالات التعامل المباشر مع حركة حماس في إنهاء ملف عيدان ألكسندر، وتحميل ويتكوف لنتنياهو عرقلة إتمام صفقة ملف المحتجزين والأسرى، إلا أن الموقف الأمريكي من مصير ومكانة حركة حماس ونزع سلاحها يبدو متطابقاً مع موقف تل أبيب. إذ يبدو واضحاً أن الخلاف يتركز حول كيفية الوصول إليها، سيما لجهة وقف الحرب، كما تشي بذلك اشارة الوسيط الأمريكي لضمان ترامب بأن يُفضى تنفيذ الصفقة بوقف الحرب، الأمر الذي يتمسك نتنياهو برفضه القاطع له على الأقل حتى الآن. هذا رغم أن اتفاق يناير الذي أشرفت عليه الإدارتان كان قد نص على الدخول في مرحلته الثانية لمفاوضات تؤدي لوقفها، الأمر الذي نقضه نتنياهو دون أن تبدي واشنطن اعتراضها على ذلك .

الغائب الأكبر عن هذه الزيارة هو ملف القضية الفلسطينية، وسبل التوصل لتسوية تضمن إنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره. ففي خضم الزيارة صَعّدَت اسرائيل من هجومها العسكري على القطاع، كما قامت بإصدار مزيد من تشريعات ذات طابع تنفيذي لتعميق عملية الضم والسيطرة على الأرض في الضفة الغربية تنفيذاً لمخططات ما تطلق عليه حسم الصراع، بما في ذلك تهميش عميق لدور ومكانة السلطة الفلسطينية.

لطالما كان واضحاً بأنه دون توحيد الموقف الفلسطيني، واستعادة مكانة القضية الفلسطينية، بوضع حد للصراع الداخلي على ما يسمى بشرعية التمثيل، فإن مكانة القضية الفلسطينية، و رغم تقدمها في الوعي الشعبي الدولي، بما في ذلك لجذورها، ستستمر في التآكل، ولن يقتصر الأمر فقط على محاولات تصفية حماس أو مزيد من تهميش السلطة. فالإصلاح الجوهري المطلوب هو كيف يمكن استعادة مكانة القضية الفلسطينية والإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا لن يتأتى بالتكيف مع المتطلبات الخارجية التي لا قاع لها، بقدر ما يستدعيه من ضرورة اعادة بناء مؤسسات الوطنية الجامعة القادرة أولاً وأخيراً على كسب ثقة الشعب الفلسطيني، ولعب دوراً مباشراً مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية لوقف الحرب، الأمر الذي يستدعي عنواناً مؤهلاً ومفوضاً من كافة الأطراف الفلسطينية بكل أبعاد ملف غزة كون القطاع جزءاً لا يتجزأ من الكيانية الوطنية الواحدة، وبما يشمل الأمن، ومصير السلاح، وما يستدعيه ذلك من توافقات وطنية في سياق ضمان الالتزام بالتهدئة، أي وحدة القرار السياسي والكفاحي، في إطار هدنة تشمل أيضاً الضفة الغربية، وتتضمن نزع سلاح المستوطنين، ولجم العدوانية التي تمارسها تل أبيب ضد شعبنا في مدن ومخيمات الضفة الغربية. هذه الرؤية هي الكفيلة بنزع الذرائع الاسرائيلية، وليس تكرار ذات الشروط التي تسعى لإرضاء تل أبيب . فاستمرار الرهان على سياسة التكيف لن تؤدي سوى لمزيد من إذكاء شهوة تل أبيب لتنفيذ مخططاتها، وكحد أقصى في سياق ما بات يعرف بكانتونات "روابط المدن" الخاضعة للهيمنة الأمنية الاسرائيلية الكُليَّة،وهو ما تعمل تل أبيب على فرضه بداية على قطاع غزة لضمان استمرار عزله عن الكيانية الوطنية الواحدة. هذا إن لم تنجح في تنفيذ الترانسفير الجماعي لأهله. وبالتأكيد سيتم تطبيق مثل هذا النموذج لاحقاً في الضفة الغربية، حيث جوهر المشروع الصهيوني التوسعي. السؤال هو: ألا تشفع كل هذه الدلائل الواضحة وقيد التنفيذ لمغادرة خنادق المصالح الضيقة والعبثية، والانتقال لخندق المصالح الوطنية ومؤسساتها الجامعة وما تمليه عليها من مسؤولية التصدي الوطني الموحد لها بتوفير الأمل الحقيقي للناس، وتمكينهم من مقومات القدرة الفعلية لصمودهم على الأرض، وليس مجرد ترديدها كشعارات جوفاء ؟