الأحد  13 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

معالجة فرانشيسكا ألبانيز للقضية الفلسطينية| بقلم: ناجح شاهين

2025-07-12 10:31:08 AM
معالجة فرانشيسكا ألبانيز للقضية الفلسطينية| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

اتهم ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي المقررة الأممية بمجموعة اتهامات حاسمة وقادرة على تسويغ فرض العقوبات الأمريكية عليها:

1.         تروج المقررة لمعاداة السامية علناً.

2.         تدعم الإرهاب.

3.         تظهر ازدراء صريحاً للولايات المتحدة واسرائيل والغرب.

والصحيح أن روبيو على حق في انزعاجه من جرأة ألبانيز التي تصل إلى مستويات لا نظير لها في أداء الأمم المتحدة منذ تأسيسها، ولذلك ليس غريباً أن تتلقى السيدة تهديدات مستمرة بالقتل والعزل والويل والثبور جزاء لما تقترفه يديها وكلماتها ضد الحق الصهيوأمريكي المطلق في قتل الفلسطينيين كما يحب ويشتهي.

وهكذا لم يعد ممكناً أبداً أن يتعايش العالم "الحر" وعلى رأسه الولايات المتحدة مع "المجنونة" فرانشيسكا. إنها سيدة تردد السردية العربية/الفلسطينية بأشد أشكالها تطرفاً، ولسنا نبالغ إن قلنا إن معظم الأحزاب الفلسطينية الناعمة تجد خطاب المسؤولة الأممية متشدداً أكثر مما ينبغي، وربما يضر بالتعايش السلمي مع اسرائيل الذي تعهدته منظمة التحرير بالحب والرعاية منذ غرة أيلول/أوسلو 1993. هكذا في مواجهة البانيز تجد الولايات المتحدة نفسها في موقع المانيا اخر الثلاثينيات من القرن العشرين، عندما اضطر هتلر إلى مواجهة عصبة الأمم وتحدي قواعدها على نحو مكشوف. اليوم الوحش الصهيوأمريكي مضطر أيضاً إلى إعلان الحرب على الأمم المتحدة وشخوصها المبدئيين بعد أن لم تعد هيمنة الولايات المتحدة كافية بذاتها لتمرير أجنداتها بهدوء دون أن يرفع أحد عقيرته بالشكوى أو الانتقاد أو الاعتراض. وواقع الحال أن المفوضة الأممية تقول أشياء "عفا عليها الزمن" ولا يرغب أحد في "العالم الحر" في الاستماع لها بأي شكل كان.

اكتشفت هذ السيدة المغضوب عليها أن الفلسطينيين ليسوا لاجئين، وإنما هم ناجون من النكبة التي ألحقها بهم التطهير الصهيوني المنظم المدعوم أوروبيبا في العام 1948. وما يحدث حالياً هو تواصل لم ينقطع لحظة للتطهير العرقي المصمم عن سابق إصرار وترصيد من أجل إبادة الشعب الفلسطيني والسيطرة على أرضه كلها.

ربما بسبب طبيعة هذا الصراع الاستعماري التطهيري وجدت فرانشيسكا أن "إسرائيل ترتكب الجرائم كما تتنفس." ولذلك لم يكن صعبا عليها أن تدرك أن اسرائيل ترتكب جرائم الحرب والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين على نحو تلقائي ينسجم تماماً مع استراتيجية ثابتة ودائمة، ومن هنا وجدت المفوضة أن لا داعي لربط الإبادة القائمة على قدم وساق بما حصل في السابع من تشرين أو غيره.

بداهة أن المطلوب من "المجتمع الدولي" فوراً ودون إبطاء هو الإقلاع عن حالة الصمت والتقاعس عن الفعل، لأنه يعطي الفرصة الكاملة للاحتلال ليواصل الإبادة التي يتوق إليها. وقد لاحظت ألبانيز أن الإفراط الأوروبي في الحديث عن معاناة الغزيين الإنسانية يستخدم غطاء لاستبعاد المساءلة القانونية لإسرائيل والتهرب من الشروع في إجراءات حقيقية من قبيل فرض الحظر الكامل على تزويد اسرائيل بالسلاح، إضافة إلى مقاطعتها اقتصادياً وتجارياً على نحو شامل. وهكذا يسهب الأوروبي في الحديث عن كارثة إنسانية في غزة مغالطاً الوقائع الصريحة التي تظهر أن ما يحدث هو جريمة مكتملة الأركان يجب الدعوة إلى محاكمة مرتكبيها.

في هذا السياق تلفت فرانشيسكا الاهتمام إلى البعد السياسي الأصيل والرئيس في الصراع، بينما يتهرب العالم "الحر" من ذلك بالاختباء وراء الجانب الإنساني الذي يساء استخدامه بألاعيب توزيع فتات المساعدات للتغطية على الإبادة الممنهجة. ومن هنا جاءت تصريحاتها الجوهرية التي تتضمن أن أية مقاربة جدية للصراع يجب أن تنطلق من حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

تلاحظ المقررة الأممية بجرأة وشجاعة أن اسرائيل ومن ورائها من يمولها ويزودها بالسلاح يقومون بأفعالهم في سياق استعماري كامل له أهداف ثابتة تتمثل في إبادة الشعب الفلسطيني والاستيلاء على أرضه، وأن مواجهة ذلك يتطلب استخدام القوانين التي تنطلق منها الأمم المتحدة لمحاسبة الاسرائيليين ومن يتواطأ معهم ويساندهم عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا ليواصلوا حربهم الاستعمارية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني من أجل إبادته أو تهجيره وصولا إلى استيطان أرضه كلها وسرقتها بالكامل. ويستند هذا الموقف مثلما أشرنا أعلاه إلى وجهة نظرها القائلة إن ما يحدث هو استمرار وتواصل لعملية بدأت منذ قرن لتطهير فلسطين، ولم تنقطع لحظة واحدة، ومن هنا لا أهمية أبدا للطرق الأمريكية السخيفة في مقاربة الواقع انطلاقا من أي حدث وقع أمس أو قبل شهر أو أية مستجدات تقع مؤخراً، مع فصلها عن نقطة البداية التي تتصل باستعمار فلسطين من قبل قوة استعمارية أرادت وما تزال سرقة هذه الأرض والتخلص من سكانها بأي ثمن.

إن ما يجري في فلسطين هو سيرورة لابتلاع فلسطين لم تتوقف لحظة واحدة، ولذلك تظل المقاربة الصحيحة والعادلة والواقعية للصراع هي العودة به دائما إلى نقطة البداية بما يعني المطالبة دائما بحق الشعب الفلسطيني في ارضه وحق "الناجين" من نكبة 48 في العودة إلى أراضيهم، وهذا ما يمكن أن يشكل بداية لتصويب الظلم الاستعماري الواقع على الشعب الفلسطيني. ولكن ذلك بالضبط ما يقوض جوهرياً المشروع الصهيوأمريكي في فلسطين خاصة والمنطقة عامة، ولذلك جاء الرد الأمريكي على فرانشيسكا ألبانيز غاضباً ومتوتراً ومنفلتاً من أية ضوابط دبلوماسية. إنها سيدة شجاعة تحشر الوحش الاستعماري في زاوية تضطره فيها إلى إعادة العالم إلى لحظة ألمانيا النازية 1939.