الحدث الإسرائيلي
كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن نقاشًا مغلقًا داخل "الكابينت" المصغّر لحكومة الاحتلال، عقد مساء الأحد، كشف تقديرات لجيش الاحتلال تشير إلى أن إقامة ما تُسمى "المدينة الإنسانية" في منطقة رفح، قد تستغرق أكثر من عام، بتكلفة تُقدّر ما بين 10 إلى 15 مليار شيقل (نحو 3 إلى 4 مليار دولار). هذه التقديرات تُناقض توقعات سابقة كانت تفترض إمكانية تشييد المخيم الضخم، المخصص لمئات آلاف الفلسطينيين المُهجّرين من شمال القطاع، خلال ستة أشهر فقط.
وبحسب الصحيفة العبرية، فإن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أبدى غضبًا شديدًا خلال الاجتماع حيال هذه التقديرات، وطالب قادة الجيش بتقديم "جدول زمني أكثر واقعية"، على حد تعبيره. في ختام الجلسة، أمر بإعداد "خطة محسنة"، مؤكّدًا أنها يجب أن تكون "أقصر زمنيًا، وأقل كلفة، وأكثر عملية". ووفقًا لشهادات من داخل الاجتماع، فإن الأجواء السائدة عكست قناعة لدى بعض الحضور بأن الجيش لا يرغب أصلًا في تنفيذ الخطة، ويسعى لإفشالها عبر التلويح بصعوبات تنفيذية غير واقعية.
وفي هذا السياق، ذكرت "يديعوت أحرونوت" أن الخلاف داخل حكومة الاحتلال لا يقتصر على الجدوى الزمنية والتنفيذية للمشروع، بل يشمل أيضًا مصادر التمويل. فبينما قُدّرت الكلفة الإجمالية للمشروع بما بين 10 و15 مليار شيقل، أكّد مسؤولون في وزارة المالية الإسرائيلية لموقع الصحيفة أن الميزانية العامة هي من ستتحمّل في المرحلة الأولى غالبية التكاليف، بانتظار وعود غير مؤكدة من أطراف عربية.
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين قولهم إن المخطط الذي تصر عليه حكومة نتنياهو، يقوم على إنشاء مخيم ضخم يُقام فيه مئات الخيام، ويُمنع سكانه الفلسطينيون من العودة إلى شمال غزة. ويُفترض أن يستوعب هذا المخيم نحو نصف مليون إنسان. لكن، ووفقًا لتقارير أمنية إسرائيلية اطلعت عليها الصحيفة، فإن هناك مخاوف جدية من أن يشكل هذا المشروع الخطوة الأولى نحو إقامة حكم عسكري مباشر في غزة.
قبل هذا النقاش الحاد في الكابينت، كانت المؤسسة الأمنية لدى الاحتلال قد وجّهت انتقادات قوية للخطة، ورأت فيها مقدمة لفرض واقع تهجيري قسري ضد المدنيين الفلسطينيين، بما يخالف القانون الدولي، بينما اعتبرتها منظمات حقوقية دولية تعبيرًا صريحًا عن "سياسة الطرد الجماعي".
وفي تطور لافت، أفادت الصحيفة أن رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير دخل في مواجهة مباشرة خلال الأسابيع الماضية مع كل من نتنياهو ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، حيث شدد على أن جهود تجهيز البنية التحتية لهذا المشروع تسحب قدرات الجيش من مهامه الأساسية، وعلى رأسها مواصلة القتال ضد حماس واستعادة الأسرى.
وفي ما يخص التمويل، كشفت الصحيفة أن نهاية الأسبوع الماضي شهدت جلسة خاصة بحضور سموتريتش، تم خلالها المصادقة على ميزانيات أولية "لتهيئة الأرض"، حيث وافق الوزير على تخصيص مئات الملايين من الشواقل لبدء العمل. وقد نقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم إن الكلفة الإجمالية ستكون على الأرجح في الحد الأعلى من التقديرات، "بسبب رغبة الحكومة في جعل المخيم مقبولًا للسكان عبر توفير الغذاء والمياه والرعاية الصحية، وربما التعليم".
وتتابع الصحيفة العبرية أن التصور لدى بعض أعضاء الكابينت يقوم على أن الدول العربية – وخاصة السعودية والإمارات – ستدفع لاحقًا فاتورة المشروع، بعد أن تتولّى مهمة "إعادة إعمار غزة". إلا أن مسؤولين آخرين أكدوا لـ"يديعوت أحرونوت" أن هذا السيناريو بعيد جدًا عن الواقع، وقال أحدهم: "قلة قليلة من داخل الحكومة تؤمن حقًا بأن هذه المدينة ستُبنى في نهاية المطاف".
من جهته، حاول مكتب سموتريتش الدفاع عن المشروع، حيث اعتبر أن "الانتقادات الموجهة للخطة ما هي إلا محاولة لإفشال رؤية رئيس الحكومة للفصل الإنساني بين حماس والسكان"، وفق تعبير البيان، مضيفًا أن "الحديث عن تضخيم الميزانيات هدفه إخافة الجمهور وعرقلة التنفيذ".
أما المتحدث باسم سموتريتش، فأكّد أن مئات الملايين تم بالفعل تخصيصها لتجهيز "أرض آمنة للسكان المدنيين"، وادّعى أن "الحرب كلفت حتى الآن مئات المليارات دون حسم، بسبب فشل في إدارة المساعدات التي تُغذي حماس"، على حد تعبيره. واختتم بالقول: "إذا كان لدى أحدهم نية للاستفادة من هذه الخطة ماليًا – فليتراجع من الآن".