الحدث العربي الدولي
أعلن ثلاثة من أعضاء لجنة التحقيق الدائمة التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والتي أُنشئت للتحقيق في الانتهاكات ضمن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، استقالتهم بشكل مفاجئ من مناصبهم، من بينهم القاضية الجنوب أفريقية نافي بيلاي، رئيسة اللجنة والمفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان. وتُعرف بيلاي بمواقفها الناقدة لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وسبق أن وصفت ممارساته بجرائم حرب.
وقد سارعت منظمة UN Watch، وهي هيئة ضغط مؤيدة لـ”إسرائيل” تختص بمراقبة أداء الأمم المتحدة، إلى الترحيب بهذه الاستقالات، واعتبرتها “لحظة مفصلية من تحمّل المسؤولية داخل هيئة تتسم بانحياز مؤسسي ضد إسرائيل”، على حد تعبيرها.
وقال المدير التنفيذي للمنظمة، هيليل نوير، إن ما يحدث يمثل “انهيارًا متسلسلًا”، مشيرًا إلى أن “الموجة بدأت مع العقوبات التي فرضها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على فرانشيسكا ألبانيزي، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بزعم دعمها لحركة حماس، والآن، يقفز المعماريون الرئيسيون لحملة التشهير ضد إسرائيل في الأمم المتحدة من السفينة”.
رئيسة اللجنة، نافي بيلاي، برّرت استقالتها بدواعٍ صحية وتقدّم في السن، بالإضافة إلى ضغط الالتزامات، غير أن UN Watch تزعم أن الاستقالة جاءت نتيجة العقوبات الأميركية الأخيرة، التي زعزعت عمل اللجنة برمّته. وقد رافق بيلاي في الاستقالة كلٌّ من العضوين ميلون كوتاري وكريس سيدوتي، اللذين قدّما رسائل استقالة مشابهة. وألمح كوتاري إلى “تفاهمات” جرت خلال لقائه مع رئيس مجلس حقوق الإنسان، يُعتقد أنها شكّلت ضغوطًا مباشرة دفعته للتنحي، خصوصًا بعد إدانة 18 دولة لتصريحاته التي وُصفت بأنها “معادية للسامية”.
واصلت منظمة UN Watch هجومها على اللجنة منذ تأسيسها، واعتبر نوير أن استقالة الأعضاء الثلاثة كانت “ضرورية ولا مفرّ منها”، لأن اللجنة “وُلدت من انحياز سياسي واضح يستهدف إسرائيل، بينما تتجاهل جرائم حماس، وحزب الله، والسلطة الفلسطينية”، على حد زعمه.
وأشار بيان المنظمة إلى أن العضو المستقيل كوتاري سبق أن شكّك في شرعية عضوية “إسرائيل” في الأمم المتحدة، وروّج لنظريات مؤامرة حول “سيطرة يهودية” على الإعلام. أما سيدوتي، فاتهم بتقليل أهمية معاداة السامية، حيث نُقل عنه قوله إن “اليهود يوزّعون الاتهامات كالأرز في الأعراس”. أما بيلاي، فسبق لها أن طالبت بفرض عقوبات على “إسرائيل بوصفها دولة فصل عنصري”، وتزعّمت لجنة تجاهلت – وفق زعم المنظمة – الهجمات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر.
ووصف نوير اللجنة بأنها “إرث من التشويه، ونزع الشرعية، وتلطيخ سمعة إسرائيل”، وادّعى أن استقالة أعضائها لا تمثل إصلاحًا حقيقيًا، بل “محاولة يائسة لإنقاذ ما تبقّى من سمعة المجلس”.
تزامنت الاستقالات مع قرار الإدارة الأميركية فرض عقوبات رسمية على فرانشيسكا ألبانيزي، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، متهمةً إياها بتبرير “أعمال إرهابية”. وعلّق نوير على القرار قائلًا: “الخوف من المحاسبة الشخصية بدأ يتفشى”، مشيرًا إلى أن ألبانيزي كانت في طليعة “الهجوم القانوني الأممي على إسرائيل”، وأن العقوبات ضدها دفعت آخرين إلى التفكير بالخطوة ذاتها.
ودعا نوير مجلس حقوق الإنسان إلى تفكيك لجنة التحقيق بشكل نهائي، وعدم تعيين بدلاء للأعضاء المستقيلين. وقال: “لا جدوى من استبدال ثلاث شخصيات منحازة بأخرى. اللجنة فاسدة من الأساس، سواء في ولايتها أو في أدائها، وهي أقرب إلى محكمة تفتيش منها إلى هيئة تحقيق مستقلة”.
من جانبه، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الأربعاء، أنه قرّر فرض العقوبات على ألبانيزي بسبب ما أسماه “محاولاتها غير الشرعية والمخزية لدفع المحكمة الجنائية الدولية للتحرك ضد مسؤولين أميركيين وإسرائيليين”.
وأضاف روبيو: “الحملة السياسية والاقتصادية التي تشنّها ألبانيزي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعد مقبولة. نحن دائمًا سنقف إلى جانب حلفائنا وحقهم في الدفاع عن أنفسهم. وستواصل الولايات المتحدة اتخاذ كل ما تراه مناسبًا للرد على الحرب القانونية، والدفاع عن سيادتنا وسيادة شركائنا”.
في السياق الفلسطيني، تأتي هذه الحملة المنسّقة ضد لجنة التحقيق الأممية في إطار سعي الاحتلال وحلفائه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، إلى تصفية أدوات المساءلة الدولية، خصوصًا بعد تقارير متكررة للجنة نفسها وصفت سياسات “إسرائيل” بأنها تُجسّد نظام فصل عنصري وتمييز ممنهج ضد الفلسطينيين. وتُعد هذه الاستقالات – سواء جاءت بضغوط أو ابتزاز – خطوة إضافية في تقويض ما تبقّى من آليات رقابة دولية على الانتهاكات اليومية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في وقت يتصاعد فيه العدوان الإسرائيلي وتُمنح “إسرائيل” مزيدًا من الحصانة السياسية والقانونية على حساب الحقوق الفلسطينية.