الإثنين  21 تموز 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترجمة الحدث| دراسة أمنية إسرائيلية جديدة تفسّر وتكشف الانهيار الداخلي لمنظومة الاحتلال بعد 7 أكتوبر

2025-07-19 04:49:56 PM
ترجمة الحدث| دراسة أمنية إسرائيلية جديدة تفسّر وتكشف الانهيار الداخلي لمنظومة الاحتلال بعد 7 أكتوبر
جنود الاحتلال

الحدث الإسرائيلي

أصدر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي دراسة تحت عنوان "حرب السيوف الحديدية – السنة الأولى: تحولات في علاقة الجيش بالمجتمع"... يتضح من خلالها أن جيش الاحتلال، رغم تفوقه التكنولوجي وادعاءاته بالتفوق الاستخباراتي، قد كشف عن مواطن ضعف عميقة في مستوياته القيادية والعملياتية والتنظيمية. فالهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر، وما تبعه من انهيار في الاستجابة الأولية، أدى إلى انكشاف العمق "الإسرائيلي" وسقوط "أسطورة الردع". على الصعيد المجتمعي، فشل الجيش في الحفاظ على صورته كمؤسسة موحدة وقادرة على إدارة الأزمات، بل تحوّل إلى ساحة صراع بين أيديولوجيات سياسية داخلية، حيث تفجرت خلافات حول الخدمة العسكرية وحقوق الفئات المختلفة، بما في ذلك الحريديون والنساء. كما لعبت الانقسامات الحزبية والاتهامات المتبادلة بين الجيش وحكومة الاحتلال دورًا في تعميق أزمة الشرعية، وأظهرت هشاشة الرواية الرسمية أمام انتقادات الجمهور، ما يعكس مأزقًا هيكليًا يهدد قدرة الاحتلال على الاستمرار كقوة عسكرية واجتماعية متماسكة.

تكشف الدراسة أن اندلاع الحرب جاء في ذروة أزمة انقسام سياسي داخلي حاد نتيجة خطة "الإصلاح القضائي"، ما انعكس مباشرة على تماسك المؤسسة العسكرية. للمرة الأولى في تاريخ "إسرائيل"، قرر طيارون من سلاح الجو وضباط احتياط الامتناع عن الخدمة احتجاجًا على السياسات الحكومية، ما أدى إلى تسييس الجيش وتحويله إلى أداة في الصراع الأهلي. هذا التمرد الداخلي يعكس انهيار الانضباط العسكري التقليدي، ويكشف أن مفهوم "جيش الشعب" لم يعد صالحًا. فالتفكك العمودي بين القيادة والجنود، والتفكك الأفقي بين الفصائل الأيديولوجية، أدّيا إلى فقدان الجيش لقيمته المعنوية كجهاز وطني جامع. هذه التصدعات قلّصت من قدرة الجيش على التكيف السريع مع التحديات الميدانية، وأضعفت كفاءته العملياتية، ما جعله يظهر كجهاز مترهل داخليًا، رغم مظهره الصلب ظاهريًا، وهو ما يعد مؤشرًا استراتيجيًا خطيرًا على هشاشة المنظومة العسكرية "الإسرائيلية".

تُبرز الدراسة الانهيار السريع لحالة "التكاتف الوطني" التي سادت بداية الحرب، حيث تلاشت مشاعر الوحدة خلف جيش الاحتلال ليعود الانقسام السياسي والمجتمعي للواجهة. يعكس هذا الانهيار هشاشة الجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، التي لم تحتمل صدمة استمرار الحرب وفقدان الأمل بتحقيق نصر واضح. تفكك الإجماع الشعبي لا يُضعف فقط المعنويات، بل ينعكس على القرار العسكري نفسه، الذي بدأ يخضع لحسابات شعبوية وحزبية بدلاً من المنطق الاستراتيجي. كذلك، سادت روايات متناقضة حول المسؤولية عن فشل 7 أكتوبر، وبرزت اتهامات متبادلة بين السياسيين والعسكر، في مشهد يظهر تآكل الحوكمة وانعدام المحاسبة. هذا التدهور في الثقة يؤكد أن قوة الجيش لا تُقاس فقط بالسلاح، بل بمدى قدرته على تمثيل الإرادة الجمعية للجمهور، وهذه القدرة انهارت، ما يضع الاحتلال أمام معضلة عميقة تهدد أمنه من الداخل أكثر من تهديدات الأعداء.

تلاحظ الدراسة أن أكثر من 300 ألف جندي احتياط استُدعوا خلال الحرب، لكن هذا الرقم أخفى خلفه أزمة حقيقية: الاحتراق النفسي والجسدي المتصاعد في صفوفهم. الجنود الذين تُركوا لأشهر دون دعم نفسي، أو حتى دون وضوح في المهام، بدأوا يشعرون بأنهم وقود لحرب عبثية. تراكمت شكاوى عن ظروف خدمية متدهورة، وتململ واسع بسبب غياب خطط انسحاب أو تخفيف أعباء. هؤلاء الجنود، الذين يُفترض أن يكونوا العمود الفقري للجيش، تحولوا إلى قنبلة موقوتة تنذر بانهيار الجاهزية. الأسوأ أن بعضهم أعلن عن نيته عدم العودة للخدمة في المستقبل، ما يعكس مأزقًا حادًا في استدامة القوة البشرية. يعاني جيش الاحتلال من تآكل تدريجي في العمود الفقري الاحتياطي، وانكشاف في حال اندلاع جبهة ثانية أو تصاعد القتال، وهو ما يُبرز نقطة ضعف مركزية تهدد فعاليته الطويلة الأمد.

تُسلّط الدراسة الضوء على مأزق تجنيد الحريديين، والذي انفجر بقوة خلال الحرب، بعدما اتضح أن فئة ديموغرافية واسعة معفاة من الواجبات الوطنية، بينما آخرون يُرسلون للجبهات. كشفت استطلاعات الرأي أن أكثر من نصف اليهود يعتقدون أن إعفاء الحريديين يقتل دافعية الجنود. هذا الشرخ يُضعف الجيش من الداخل، ويكشف عن أزمة هوية وطنية: لمن يُقاتل هذا الجيش؟ ومن يُمثله؟ غياب التوازن في توزيع الأعباء يعمق الشعور بالتمييز والإحباط، ما يهدد اللحمة المجتمعية التي تشكل أساس العقيدة القتالية لجيش الاحتلال. كما أن استمرار هذه الامتيازات يضع القيادة العسكرية في موقع متناقض، فهي تحتاج إلى جنود، لكنها محكومة بمعادلات سياسية تمنعها من فرض التجنيد. هذه المعادلة المستحيلة تُظهر أن الاحتلال لم يعد يملك قرارًا عسكريًا مستقلًا، بل يخضع لتحالفات دينية وسياسية، ما يُضعف السيادة على المؤسسة الأكثر مركزية في الأمن "الإسرائيلي".

تركّز الدراسة على مسألة الأسرى الإسرائيليين، الذين تحوّلوا إلى رمز لانهيار منظومة الحماية العسكرية داخل "إسرائيل". في بداية الحرب، أُدرج موضوع الأسرى ضمن الأهداف العسكرية، إلى جانب "إسقاط حماس"، لكن سرعان ما تراجع في سلّم الأولويات لصالح اعتبارات سياسية وعسكرية. مع انتشار الأنباء عن مقتل بعضهم في الأسر، تصاعد غضب الجمهور، وظهرت حركة احتجاجية من عائلات الأسرى تُحمّل الجيش وحكومة الاحتلال مسؤولية الفشل. تعرّض الجيش هنا لهزة أخلاقية، إذ كيف يدّعي حماية المدنيين والجنود، وهو يعجز عن إعادتهم؟ كما كشفت الفجوة بين تصريحات الجيش وواقع الأسرى في غزة عن أزمة مصداقية حادة، تُضاف إلى أزمة الثقة العامة. هذا يُظهر أن "إسرائيل" لا تواجه فقط فشلاً عملياتيًا، بل تآكلاً أخلاقيًا يُفقد مؤسساتها قدرتها على الإقناع، ويهدد بتآكل "العقد الأخلاقي" بين الجيش والجمهور، وهو من أهم أعمدة الصمود "الإسرائيلي" التقليدي.

تنوّه الدراسة إلى التناقضات البنيوية في تعامل جيش الاحتلال مع مشاركة النساء. فعلى الرغم من مشاركة نساء كثيرات في التصدي لهجوم 7 أكتوبر ومساهمتهن في وحدات قتالية، رفضت القيادة العسكرية توسيع نطاق إشراكهن فعليًا في ألوية المدرعات والوحدات الخاصة. وقدّم الجيش ردودًا متحفّظة أمام المحكمة العليا، بزعم أن "الخدمة المختلطة" تُضعف الأداء وتخلق تعقيدات. هذا الموقف يعكس بوضوح تغلغل النفوذ الحريدي والديني-اليميني داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما يشكل نقطة ضعف هيكلية، إذ تصبح الكفاءة خاضعة للاعتبارات الأيديولوجية، لا المهنية. في هذا السياق، يبدو الجيش مؤسسة محافظة، ترفض التطور رغم واقع الحرب الذي أثبت أن النساء شريكات أساسيات في القتال. هذا التعارض بين الأداء الميداني والسياسة الداخلية يُبرز التخبط داخل المؤسسة، ويؤكد أن الجيش لم يتكيف بعد مع تحولات الجمهور، ما يعرقل إصلاحه البنيوي ويُضعف قدرته على الاستجابة السريعة للتحديات المتغيرة.

تتعمق الدراسة في أزمة "هروب الضباط" من الخدمة الدائمة، وخصوصًا في الوحدات التقنية والاستخباراتية. في السنوات الأخيرة، شهدت "إسرائيل" تزايدًا مقلقًا في استقالات ضباط برتب متوسطة، لا سيما في صفوف المتخصصين في الأمن السيبراني والتكنولوجيا. يعود ذلك إلى ضعف الحوافز، وشعور عميق بعدم التقدير، إضافة إلى التنافس القوي من سوق العمل المدني. بعض الضباط تحدّثوا عن "فقدان معنى الخدمة"، وهو ما يكشف أزمة أعمق من مجرد الرواتب: إنها أزمة هوية وظيفية داخل المؤسسة. هذا النزيف يهدد أهم عنصر في جيش الاحتلال: تفوقه التكنولوجي والاستخباراتي. ومع فقدان الكوادر المؤهلة، تصبح القدرة على الصمود في حرب متعددة الجبهات موضع شك. يبرز هنا ضعف الاحتلال في الحفاظ على نخبته العسكرية، ما يؤشر إلى بداية تحوّل استراتيجي خطير، قد يفقد فيه تفوقه النوعي في مجال طالما اعتمد عليه لتغطية هشاشة قوته البشرية التقليدية.

تُظهر الدراسة فشل حكومة الاحتلال في إدارة ملف الإخلاء الداخلي، وخاصة في شمال فلسطين المحتلة والنقب الغربي، حيث بقي آلاف المستوطنين في مراكز إيواء مؤقتة لشهور. لم تُطرح خطة لإعادتهم أو تعويضهم بشكل منظّم، ما خلق شعورًا بأن الحكومة تخلّت عن مواطنيها في لحظة الخطر. هذه الحالة تُضعف الرابط النفسي بين الإسرائيلي ومؤسسات الاحتلال، وتكسر الوهم الذي قامت عليه العقيدة الصهيونية بأن "إسرائيل" تحمي اليهود. حين يشعر الإسرائيلي أنه مكشوف، يصبح الجندي نفسه مشككًا بجدوى الدفاع. يُظهر هذا الإخفاق أن الاحتلال يفتقر إلى منظومة دعم مدني طارئة متكاملة، وأنه، رغم ترسانته العسكرية، عاجز عن توفير الأمان الداخلي. هذا البُعد المدني للأزمة يُعمّق الأزمة الأمنية، ويحوّل الحرب من مجرد فشل عسكري إلى انهيار شامل في ثقة الإسرائيلي بالبنية السياسية والعسكرية، وهو مؤشر مقلق على بداية تآكل السيطرة المركزية.

تتابع الدراسة تحليلها لتكشف عن تصدّع خطير في العلاقة بين القيادة السياسية والعسكرية، وانهيار الثقة بالرواية الرسمية التي يقدّمها جيش الاحتلال، حيث لم تعد بياناته مقنعة للرأي العام، وظهرت موجات من التشكيك عبر منصات الإعلام البديل. الشك لا يطال فقط فاعلية الجيش، بل نزاهته، وقدرته على نقل الصورة كما هي. هذا التآكل في المصداقية يدفع قطاعات واسعة من الجمهور نحو الاعتماد على مصادر أخرى، بما فيها مصادر العدو، لاستقاء المعلومات. تفقد المؤسسة العسكرية بذلك سلاحًا مهمًا في المعركة: الرواية. فحين تُخسر الحرب النفسية، تصبح أي معركة ميدانية هشّة في أبعادها المعنوية. ومع استمرار التناقض بين البيانات الرسمية والواقع الميداني، تتفاقم فجوة الثقة، ويظهر الجيش كمنظومة مفصولة عن الواقع، وهو ما يضرب قدرته على حشد الداخل ويُعمق العزلة بينه وبين جمهوره.

تسجل الدراسة تراجعًا جذريًا في فعالية "الردع"، وهو المفهوم الذي شكّل حجر الأساس في العقيدة العسكرية "الإسرائيلية" منذ عقود. فبالرغم من العمليات الواسعة والضربات الثقيلة التي نفذها جيش الاحتلال في غزة، لم تنجح في كبح قدرات المقاومة أو منع توسيع جبهات القتال. لم يعد الخصوم يهابون التهديدات "الإسرائيلية"، بل صاروا يوسّعون أنشطتهم، ما يعكس انهيار مفعول التهديد. هذه الظاهرة تُظهر أن الاحتلال بات عاجزًا عن فرض إرادته بالقوة، وهي أزمة وجودية في منظومة طالما تغنت بتفوقها النوعي. حين يتآكل الردع، تفتح جبهات جديدة، ويتزايد احتمال الانزلاق إلى حروب استنزاف. هكذا، تكشف الدراسة عن هشاشة غير مسبوقة في ميزان القوى الذي ظنت "إسرائيل" أنه راسخ، بينما الواقع يبرهن على العكس.

تلفت الدراسة النظر إلى أزمة في منظومة التجنيد، خصوصًا لدى الشباب، حيث أظهرت البيانات تراجع الحماسة للخدمة، وتنامي النقاشات حول جدوى القتال. شباب اليوم لا يرون في الجيش بوصلة أخلاقية أو ضمانة وجود، بل مؤسسة منهكة، متورطة في إخفاقات، وغير قادرة على الحماية. بعضهم يرى أن الحرب بلا أفق، وأن الثمن الذي يُطلب منهم دفعه يفوق المبرر الأخلاقي أو الوطني. هذه النظرة الجديدة تُضعف الحافزية، وتُبشر بمستقبل يكون فيه التجنيد تحديًا لا مكسبًا. في هذا السياق، تتلاشى الأسس الاجتماعية التي بُني عليها مفهوم "جيش الشعب"، ويظهر جيش الاحتلال كيانًا منفصلًا عن الجيل الجديد، وهو ما يؤشر إلى أزمة استراتيجية في استمرارية المنظومة العسكرية بأكملها.

تشدد الدراسة في ختامها على أن استعادة ثقة الجمهور بجيش الاحتلال تتطلب أكثر من تغييرات شكلية أو حملات علاقات عامة. إنها أزمة عميقة في البنية، تتعلق بالهوية، بالقيم، وبالقدرة على توفير الحماية والمعنى معًا. فحين يُنظر إلى الجيش كأداة بيد السياسيين، وليس كرمز للتماسك، تنهار الصورة التي طالما روّجت لها "إسرائيل" عن نفسها. تدعو الدراسة إلى مراجعة جذرية، لكنها في الوقت نفسه تُبدي تشاؤمًا حذرًا من قدرة المؤسسة على التجدد الذاتي وسط الأزمات المتراكمة. هكذا، تُختتم الدراسة بإعلان غير مباشر عن انهيار النموذج، وبداية البحث عن بدائل لم تُصغ بعد.