السبت  02 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تحقيق لوكالة رويترز: شقيق أحمد الشرع هو المسؤول عن إدارة الاقتصاد في سوريا

2025-07-27 11:17:53 AM
تحقيق لوكالة رويترز: شقيق أحمد الشرع هو المسؤول عن إدارة الاقتصاد في سوريا
الشرع

الحدث العربي والدولي

في الأسابيع التي أعقبت سقوط دمشق بأيدي الفصائل المعارضة، تلقى رجل أعمال سوري بارز اتصالًا هاتفيًا متأخرًا في الليل، دُعي فيه للقاء شخص عُرف فقط بلقب "الشيخ". العنوان كان مألوفًا: مبنى شهد سابقًا محاولات ابتزاز لرجال أعمال أمثاله تحت الإمبراطورية الاقتصادية التي بناها بشار الأسد، لكن هذه المرة كان هناك "أسياد جدد" في المدينة. بملامح صارمة ولحية داكنة طويلة وسلاح على خاصرته، قدّم "الشيخ" نفسه باسم حركي هو "أبو مريم"، متحدثًا بالعربية بلكنة أسترالية خفيفة. قال رجل الأعمال: "سألني عن عملي، وعن حجم أرباحنا، لكني كنت أركز النظر على مسدسه".

تحقيق لوكالة "رويترز" كشف أن القيادة الجديدة في سوريا تعمل سرًا على إعادة بناء اقتصاد مدمَّر نتيجة عقود من الفساد والعقوبات التي فُرضت على حكومة الأسد، وذلك عبر لجنة غامضة تدير أصولًا تزيد قيمتها على 1.6 مليار دولار. وتشمل هذه الأصول أكثر من 1.5 مليار دولار صودرت من ثلاثة رجال أعمال وشركاتهم، بينهم مشغّل الاتصالات الرئيسي في سوريا بقيمة لا تقل عن 130 مليون دولار.

التحقيق أظهر أن المشرف على إعادة هيكلة الاقتصاد هو حازم الشرع، شقيق الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وأن قائد اللجنة "أبو مريم الأسترالي" هو إبراهيم سكرية، أسترالي من أصل لبناني مدرج على قوائم العقوبات في بلاده بشبهة تمويل الإرهاب. ويصف نفسه على الإنترنت بأنه عاشق للكريكيت والشاورما.

اللجنة، التي لم يُعلن عن وجودها رسميًا، تعمل في الظل على تفكيك إرث الاقتصاد في عهد الأسد، مع تحديد ما يجب الإبقاء عليه وما يجب تغييره. مصادر مطلعة على نشاطها قالت إنها تفاوضت مع بعض أغنى رجال الأعمال في سوريا، بينهم شخصيات خاضعة لعقوبات أميركية، كما استحوذت على مجموعة شركات كانت تُدار من قصر الأسد.

وبحسب ما ورد في التحقيق، فإن النظام الجديد في سوريا فكك أجهزة الأمن المرعبة التي اعتمد عليها الأسد، مما سمح للسوريين بحرية تعبير أكبر مما عاشوه في العقود الماضية. لكن الجمع بين إدارة الاقتصاد من قِبل أفراد من عائلة الرئيس الجديد وأشخاص لا يُعرفون إلا بأسمائهم الحركية في ساحات القتال يثير قلق رجال الأعمال والدبلوماسيين والخبراء الذين يخشون أن تكون البلاد انتقلت من قصر إلى آخر.

التحقيق استند إلى أكثر من 100 مقابلة مع رجال أعمال ووسطاء وسياسيين ودبلوماسيين وباحثين، إضافة إلى وثائق تشمل سجلات مالية ورسائل بريد إلكتروني ومحاضر اجتماعات وسجلات شركات. عمل اللجنة، وحتى وجودها، لم يُعلن عنه للرأي العام السوري، لكن مهامها تمس حياة ومعيشة جميع السوريين، بينما تحاول البلاد إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.

أحد أعضاء اللجنة قال لـ"رويترز" إن حجم الفساد في عهد الأسد، الذي اعتمد على هياكل مؤسسية هدفها الاستيلاء على الأصول بقدر ما تهدف إلى تحقيق الأرباح، ترك هامشًا ضيقًا للإصلاح. وكان أمام اللجنة خيارات متعددة: ملاحقة رجال الأعمال المتورطين أمام القضاء كما يطالب كثير من السوريين، أو مصادرة الشركات مباشرة، أو التوصل إلى تسويات خاصة مع شخصيات من عهد الأسد ما زالت خاضعة للعقوبات الدولية.

لكن جميع هذه الخيارات تحمل مخاطر بتعميق الانقسامات بين السوريين – بين الأغنياء والفقراء، وبين من ازدهروا في عهد الأسد ومن عانوا منه. ولذلك قررت اللجنة المفاوضة بدلًا من المصادرة، للحصول على أموال نقدية ضرورية والسيطرة على مفاصل الاقتصاد مع الحفاظ على استمرارية عمل الشركات.

خلال سبعة أشهر فقط، تفاوضت اللجنة مع العديد من رجال الأعمال البارزين، بينهم شخصيات مدرجة على قوائم العقوبات الأميركية، واستحوذت على شركات كبرى بينها شركات الطيران والمصانع والمصارف. رجال أعمال مرتبطون بالأسد، بينهم متهمون بتهريب المخدرات والأسلحة أو بسرقة المعادن من بلدات دمرها جيشه، حافظوا على جزء من أرباحهم وتجنبوا الملاحقة القضائية مقابل دفع غرامات وتنازلهم عن حصص في شركاتهم.

لكن دبلوماسيين غربيين حذّروا من أن تركيز القوة الاقتصادية في أيدي شخصيات غامضة قد يعطل الاستثمارات الأجنبية ويقوض مصداقية النظام الجديد الساعي إلى الانضمام مجددًا إلى النظام المالي العالمي.

في 9 يوليو، أعلن الرئيس أحمد الشرع تأسيس صندوق سيادي يتبع للرئاسة، قالت ثلاثة مصادر مطلعة إنه سيُدار من قِبل شقيقه حازم، كما أعلن تأسيس صندوق للتنمية برئاسة مقرب من حازم. وبالرغم من أن حازم وسكرية لا يشغلان مناصب حكومية رسمية، كشفت "رويترز" أنهما صاغا النسخة النهائية لتعديلات قانون الاستثمار التي أُقرت مؤخرًا.

ستيفن هيدمان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية سميث، اعتبر أن الصندوق السيادي السوري فكرة "سابقة لأوانها"، منتقدًا غموض الأصول التي سيعتمد عليها، ومحذرًا من أن منح إدارته – بما في ذلك للرئيس – صلاحيات واسعة يقوض الشفافية والمساءلة.

هذه الخطوات تأتي بالتزامن مع إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ عهد الأسد. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ"رويترز" إن الرئيس ترامب رفع العقوبات "لإعطاء سوريا فرصة للنهوض"، لكنه أكد أن على الرئيس الشرع "استغلال هذه الفرصة التاريخية لإحراز تقدم ملموس".

التحقيق أشار إلى أن اللجنة الاقتصادية الجديدة تأسست على البنى التي أقامها الشرع نفسه خلال قيادته "هيئة تحرير الشام" في إدلب بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة عام 2016، إذ أنشأ مع حلفائه شركة نفط "وتد" التي احتكرت استيراد الوقود من تركيا، وبنكًا خاصًا باسم "شام". وأكدت مصادر أن اللجنة تطورت لتصبح مؤسسة تضم عشرات المحاسبين والمحامين والمفاوضين، يقود جناحها الاقتصادي أبو مريم بينما يدير جناحها المالي مصطفى قديد المعروف بلقب "أبو عبد الرحمن".

مع سقوط دمشق في ديسمبر، استولت اللجنة على مكاتب وأصول كانت تابعة لرموز اقتصاد الأسد وعلى رأسهم ياسر إبراهيم، مهندس شبكة شركات "مجموعة العهد" التي سيطرت على قطاعات الاتصالات والمصارف والعقارات والطاقة. وأظهرت وثائق أن اللجنة أعادت هيكلة هذه الشركات، وغيّرت ملكيتها لصالح النظام الجديد.

هذه التسويات شملت شخصيات بارزة مثل رجل الأعمال سامر فوز الذي تنازل عن 80% من أصوله التجارية بقيمة تصل إلى مليار دولار، ومحمد حمشو الذي تخلى عن أصول تزيد قيمتها على 640 مليون دولار مقابل الحصانة. كما استحوذت اللجنة على "شام وينغز" للطيران وأعادت إطلاقها باسم "فلاي شام" بعد دفع مالكها عيسى شمط غرامة قدرها 50 مليون دولار والتنازل عن 45% من حصته وتسليم طائرتين لصالح الخطوط الجوية السورية.

هذه التحركات أثارت غضبًا واسعًا بين السوريين المطالبين بمحاسبة رموز النظام السابق. ونُظمت تظاهرات صغيرة في يونيو احتجاجًا على عودة بعض رجال أعمال الأسد للعمل في ظل النظام الجديد.

في المقابل، تسعى الحكومة الجديدة إلى استقطاب استثمارات خارجية كبرى. وفي يوليو قادت السعودية وفدًا تجاريًا إلى دمشق لعقد مؤتمر استثماري بحث مشاريع بقيمة قد تصل إلى ستة مليارات دولار.

ومع تحوّل بعض أعضاء اللجنة إلى مناصب رسمية في الدولة، يحاول النظام الجديد إضفاء طابع قانوني على عملها. لكن بحسب مراقبين، فإن ما يجري هو "إعادة تدوير" لرموز عهد الأسد بأساليب جديدة، في وقت تُستبدل فيه ألقاب مثل "الشيخ" بلقب "السيد"، ويُطلب من أعضاء اللجنة ارتداء البزات الرسمية بدل الملابس العسكرية، في إشارة إلى رغبة النظام في إظهار نفسه بواجهة مدنية حديثة.