الأربعاء  27 آب 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حين يُصفق الجميع للمهرّج... تموت الموهبة في صمت: أزمة الوعي في المشهد العربي"/ بقلم: لمى عواد

2025-08-26 07:54:01 PM
حين يُصفق الجميع للمهرّج... تموت الموهبة في صمت: أزمة الوعي في المشهد العربي

 

عندما يُصفق الجميع للمهرّج، تموت الموهبة في صمت." ليست هذه الجملة مجرد استعارة لغوية، بل هي تلخيص دقيق لأزمة عميقة تضرب في صميم المشهد الثقافي والاجتماعي العربي، هنا نتحدث عن أزمة وعي.

في الوقت الذي يتصدر فيه المهرّجون المنصات، ويصعد التافهون إلى واجهات التأثير، يُقصى أصحاب الفكر، ويُهَمَّش المبدعون، وتُدفن المواهب تحت ركام من الإعجابات السريعة والتصفيق الأجوف.

تفاهةٌ بصوتٍ عالٍ ... وموهبةٌ تُذبح في الخفاء.

تتسابق منصات الإعلام التقليدي والجديد على الترويج للسطحي، و"الترنداتي"، والسهل الهضْم. لم يعد المعيار هو العمق أو القيمة أو التأثير الإيجابي، بل عدد المشاهدات، وسرعة الانتشار، و"القابلية للتداول". في هذا السوق المفتوح، تُفاضِل الخوارزميات بين المحتويات، فتُرفع التفاهة إلى قمة الشاشة، بينما تُدفن الرسائل الجادة في الظل.

ولعل الأخطر من ذلك هو أن هذا الانحدار ليس عفويًا.  بل هو نتاجٌ لبنية اجتماعية واقتصادية تُعيد إنتاج الرداءة، وتمنحها شرعية، بل وتحولها إلى "نموذج نجاح".

فالذي يُضحك الجمهور، حتى لو كان يزرع الجهل، يُكافأ.

والذي يُحاول رفع الوعي، يُتهم بالتنظير أو التثاقف أو "العيش في الماضي".

من المسؤول عن موت الموهبة؟

المسؤولية موزعة، لكنها جماعية.
المؤسسات التربوية التي توقفت عن تعزيز التفكير النقدي.
المنصات الإعلامية التي باتت تلهث خلف الإثارة.
الجمهور الذي يتواطأ بالصمت أو بالتفاعل الأعمى.
والمواهب ذاتها التي أُنهكت، وانسحبت، واختارت الصمت كملاذ أخير.

النتيجة؟ أجيال تنشأ على "مؤثري محتوى" لا يملكون شيئًا ليؤثّروا به سوى تفاهة مكررة، و"أبطال ترند" يملؤون الفراغ بمزيد من الفراغ.

هل ما زالت هناك فرصة لاستعادة الوعي؟

نعم، لكنها تبدأ بإعادة الاعتبار للصوت المختلف، الصوت الذي لا يُجامل، ولا يُساير، ولا يسعى وراء الشعبية بل وراء المعنى.
تبدأ بإعادة تعريف "النجاح" خارج منطق الأرقام.
بمنح المساحة للموهبة كي تتنفس، وللعقول كي تُحاور، وللجمهور كي يُعيد التفكير فيما يستهلكه ويصفّق له.

الصحوة لا تحتاج إلى جموع … بل إلى كتلة حرجة من الرافضين لهذا المسار الانحداري.
أولئك الذين لا يصفقون للمهرّج… بل يرفعون أيديهم ليسألوا:

لماذا صعد هذا المهرج أصلًا؟ ومن أقصى الموهبة؟