الحدث العربي والدولي
تُعتبر العلاقة بين توني بلير ودونالد ترمب مثيرة للدهشة للكثيرين، فبلير يمثل "الوسط الجديد" في السياسة البريطانية، بينما ترمب يجسد الشعبوية اليمينية. ومع ذلك، لا ينبغي أن تفاجئنا هذه العلاقة، خاصة بالنظر إلى حرص بلير المستمر على البقاء في دائرة الضوء السياسية الدولية.
في الفترة الأخيرة، أصبحت علاقة بلير بإدارة ترمب أكثر وضوحًا، خاصة فيما يتعلق بجهودهما المشتركة لإيجاد حل لما بعد الحرب في غزة. فبلير، بصفته مستشارًا غير رسمي، كان على اتصال دائم مع جاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره السابق في شؤون الشرق الأوسط، ومع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف. هذه اللقاءات، التي تكررت في واشنطن، تشير إلى أن بلير ليس مجرد ضيف عابر، بل هو شريك في صياغة خطط "اليوم التالي".
وفقًا لتقارير صحفية، يعمل بلير منذ شهور على إعداد خطة شاملة لمرحلة ما بعد الحرب، ويتواصل مع جهات إقليمية للحصول على دعمهم. وفي هذا السياق، يبدو أن كوشنر، الذي كان له دور محوري في سياسة ترمب تجاه الشرق الأوسط، يجد في بلير شريكًا مثاليًا. إن هذه العلاقة، التي تجمع بين دبلوماسي مخضرم ورجل أعمال مؤثر، تعكس نهجًا جديدًا في الدبلوماسية، حيث تتداخل المصالح السياسية والشخصية في سعي لتحقيق أهداف مشتركة.
المصالح المشتركة: غزة و"ريفيرا ترمب"
ما الذي يجمع بين بلير وترمب؟ الإجابة تكمن في التقاء مصالحهما في منطقة الشرق الأوسط. فبينما يسعى بلير، من خلال خبرته الطويلة كممثل خاص لـ "اللجنة الرباعية" في المنطقة، لتقديم نفسه كصانع سلام، فإن ترمب يرى في الأزمة فرصة لتحقيق أهدافه الخاصة. وقد أشار تقرير لصحيفة "الغارديان" إلى أن فريق بلير البحثي عمل مع مشروع إسرائيلي لتطوير خطة لغزة ما بعد الحرب، تضمنت إنشاء "ريفيرا ترمب" ومنطقة صناعية تحمل اسم إيلون ماسك، ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه "الأفكار الجريئة" التي يسعى معهد بلير لتحقيقها.
بلير، الذي يعرف المنطقة جيدًا، يرى أن الحل يكمن في وجود "طرف ثالث" يحكم غزة بعد الحرب، وهو ما يتوافق مع رؤية كوشنر وويتكوف. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية تصطدم بالخطط الإسرائيلية الحالية للسيطرة على القطاع. لكن بلير، بخبرته في الدبلوماسية، يعمل على إيجاد قنوات للحوار والتأثير على الإدارة الأميركية، مستفيدًا من علاقاته مع كوشنر وإيفانكا ترمب.
نفوذ خاص: بلير في دوائر النخبة العالمية
إن العلاقة بين بلير وعائلة ترمب لا تقتصر على السياسة فحسب، بل تمتد إلى دوائر النخبة العالمية. ففي دافوس، شوهد بلير وإيفانكا في حوار عميق، ما يشير إلى أن بلير يمتلك تأثيرًا خاصًا على الشخصيات المؤثرة. هذا النفوذ الشخصي هو جزء من رأسمال بلير بعد مغادرته لمنصبه كرئيس للوزراء.
وقد سبق لبلير أن نفى في عام 2017 سعيه للحصول على منصب مبعوث سلام لترمب في الشرق الأوسط، لكن لقاءاته المتكررة مع كوشنر وويتكوف تشير إلى أنه يقوم بدور مماثل وإن كان غير رسمي. هذا الدور يعكس قدرته على التكيف مع التغيرات السياسية والعمل مع شخصيات مختلفة لتحقيق أهدافه الخاصة.
دبلوماسية "اللاعب الفردي"
يظل توني بلير شخصية معقدة ومثيرة للجدل. ففي الوقت الذي يعمل فيه على صياغة خطط لإنهاء معاناة غزة، لا يمكن تجاهل تاريخه المثير للجدل، سواء في حرب العراق أو في عمله الاستشاري مع قادة مثيرين للجدل مثل الديكتاتور الكازاخي نور سلطان نزارباييف.
كما ويمثل تحالف بلير مع ترمب وكوشنر نموذجًا جديدًا للدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين، حيث تتلاشى الحدود بين العمل الرسمي والخاص، وتصبح العلاقات الشخصية هي المفتاح للوصول إلى مراكز القوة. فبلير، "اللاعب الفردي" في الساحة الدولية، يواصل مساعيه للتأثير، حتى وإن كان ذلك يعني العمل مع شخصيات قد تبدو متناقضة مع تاريخه السياسي.