الأحد  14 أيلول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قراءة في الاقتصاد السياسي لـ ترامب وحركة "ماغا" MAGA" (الجزء 1)

إعداد: د. ماجد صبيح أستاذ الاقتصاد في جامعة القدس المفتوحة سابقا

2025-09-14 07:45:24 AM
قراءة في الاقتصاد السياسي لـ ترامب وحركة
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

الحدث الاقتصادي

تنشر صحيفة الحدث، على أجزاء، قراءة في الاقتصاد السياسي لـ ترامب وحركة "ماغا" MAGA"، من إعداد: د. ماجد صبيح أستاذ الاقتصاد في جامعة القدس المفتوحة سابقا.

  1. مقدمة:

سياسات ترامب Trump محاولة لاسترجاع  الهيمنة الأمريكية الآخذة بالتآكل في عصر العولمة الرأسمالية، التي بشّرت بها النيوليبرالية neoliberalism وانطلقت من الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي إبان ولاية الرئيس الأمريكي رونالد ريغان Ronald Reagan، ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر Margaret Thatcher. 

أطلق الرئيس ترامب Trump، شعار "أمريكا أولا" America First، وشعار "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"”Make America great again” (MAGA)“. .من هنا جاءت تسمية هذه الحركة بـ " MAGA "، الأحرف الأولى من الكلمات. ينتهج "ترامب" سياسة الحمائية التجارية بفرض الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين، الحلفاء منهم (الاتحاد الأوروبي، كندا، المكسيك، اليابان والهند)، وغير الحلفاء وفي المقدمة الصين التي يخوض معها الحرب الباردة ، والحرب التجارية منذ ولايته الأولي. وأعلن سياسة خفض الضرائب لاستقطاب الاستثمارات والشركات الأمريكية العاملة في الخارج ، والشركات الأجنبية ، بغرض تحفيز التصنيع Manufacturing (الصناعات التحويلية) ، ووقف تراجع قطاع التصنيع الأمريكي ، من حيث التصدير والتوظيف،  وتصحيح الاختلال في الميزان التجاري. 

تهدف هذه الورقة إلى التعرف إلى الاقتصاد السياسي لـ ترامب وحركة ماغا MAGA " ، والذي يتمحور في الامبريالية الاقتصادية والجيو-سياسية لـ ترامب وحركة ماغا. تعتمد الورقة على قراءة وتحليل البيانات المتاحة ، ومراجعة الدراسات السابقة ذات العلاقة ، وقد تمّت الاستعانة بـ ChatGPT لترجمة النصوص الإنجليزية. الامبريالية الاقتصادية تسعى إلى هيمنة الرأسمالية الاحتكارية والالغاركية(الطغمة) المالية في الاقتصاد العالمي ، والاستحواذ على القسم الأكبر من الفائض الاقتصادي العالمي، لصالح الامبريالية الأمريكية . هذه الامبريالية الاقتصادية غير معزولة عن الامبريالية العسكرية، والجيو-سياسية. ما يعني أن الامبريالية الاقتصادية ، لا تعمل في فراغ سياسي وأيديولوجي وعسكري. حيث ان أشكال الامبريالية مندمجة ومتكاملة في اطار من تقاسم الأدوار. فما تعجز عنه الامبريالية الاقتصادية بأدواتها ، يتم تحقيقه بأدوات الامبريالية السياسية، أو العسكرية لوقف تراجع  الهيمنة الأمريكية،  والاستحلاب الاقتصادي . 

 

2.التعريفات الجمركية 2018-2019 

تطرح الورقة سؤالين رئيسيين هما : هل العجز في الميزان التجاري الأمريكي يعكس علاقات استغلالية "غير عادلة" من قبل الشركاء التجاريين، أم أنه انعكاس لواقع الاقتصاد الأمريكي؟ وهل السياسة الحمائية التجارية الجمركية قادرة على حل مشاكل الاقتصاد الأمريكي الهيكلية ؟

نظام منظمة التجارة العالمية (WTO)متعدد الأطراف قائم على القواعد، ويعمل على توسيع التحرر التجاري تحت القيادة الأمريكية . ,وحسب خبير التجارة الدولية، روبرت لورانس Robert Lawrence ، أستاذ التجارة الدولية والاستثمار في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، احترمت الدول بشكل عام قواعد طريقة عمل منظمة التجارة العالمية، حتى حوالي عام 2015،  وأصبحت الولايات المتحدة، تحت إدارة دونالد ترامب، أكبر منتهك لها. ويرى، أن المبدأ الأهم، وهو أن جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية تعتبر "الدول الأكثر تفضيلًا" “most favored.” أي يجب معاملة الجميع على قدم المساواة. ثانيًا، تعهدت أمريكا بتحديد رسومها الجمركية، كما يفعل جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية، عند معدلات معينة، والتي كانت في المتوسط حوالي 3%.  تشير اجراءات ترامب إلى انتهاك كامل لتلك المبادئ، إذ يعامل الشركاء التجاريين بشكل مختلف تمامًا، ويطالب بالمعاملة بالمثل reciprocity,، ويرفع الرسوم الجمركية بمضاعفة المعدلات التي تعهدت أمريكا بعدم تجاوزها. ما يعني أن منظمة التجارة العالمية في مأزق لأنها لا تستطيع تطبيق مفاوضات فعالة، ولا تستطيع فرض قواعدها(Robert Lawrence, interview, April 09, 2025 , https://www.hks.harvard.edu)  

خلال ولاية الرئيس ترامب الأولى ، فرضت الولايات المتحدة بين عامي 2018 و2019 رسومًا جمركية تراوحت بين 10% و25% على مئات المليارات من الدولارات من الواردات الصينية. وقد تسببت هذه الرسوم في اضطراب كبير بسلاسل الإمداد العالمية، حيث زادت من تكاليف المدخلات على الشركات الأمريكية ورفعت أسعار المستهلكين. وأسهمت هذه الاضطرابات في تراجع التوظيف في قطاع التصنيع، وزيادة حالة عدم اليقين بشأن الاستثمارات، وحدوث تحولات كبيرة في سلاسل الإمداد العالمية. وبدلاً من إعادة الإنتاج إلى الولايات المتحدة، قام العديد من الشركات بتحويل سلاسل إمدادها إلى دول أخرى مثل المكسيك وفيتنام. وبالتالي، كان الارتفاع المتوقع في الإنتاج والتوظيف المحلي محدودًا (Azzimonti,April,2025) .

3.التعريفات الجمركية عام 2025

في الثاني من أبريل 2025، أعلن ترامب، فيما أسماه "إعلان الاستقلال الاقتصادي"“a declaration of economic independence، فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على جميع دول العالم، بالإضافة إلى تعريفات أعلى على نحو 60 دولة أو تكتلاً تجاريًا. شملت هذه الإجراءات فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 34% على الصين (بالإضافة إلى 20% سابقة، ليصبح المجموع( 54%)، و46% على فيتنام، و20% على الاتحاد الأوروبي.  وبعد أن أعلنت الصين عن رسوم انتقامية مضادة، رفع ترامب التعرفة الجمركية التراكمية على الصين إلى 104%، ثم صعّدها لاحقًا إلى 145%) Foster, Monthly Review, Jun 01, 2025).
 

4. مراجعة دراسات سابقة 

1.4 دراسة فويتشوسكي Wojczewski، 2020

Wojczewski, T. (2020). Trump, Populism, and American Foreign Policy

  تبين دراسة Thorsten Wojczewski ثورستن فويتشوسكي، وهي بعنوان" ترامب ، الشعبوية، والسياسة الخارجية الأمريكية"، أن ترامب  في حملته الانتخابية الرئاسية في ولايته الأولى(2016-2020) استخدم الخطاب الاستطراديdiscursive الشعبوي(الذي يخاطب ويدغدغ عواطف قاعدته الانتخابية) لإنتاج تحالف شعبوي في مواجهة اعتبرها ما بين الشعب «النقي 'pure’ people»، ويمثله ترامب حسب تعبيره ، بينما هو- قطب العقارات ، ورجل الصفقات- من ناحية ، والنخبة الحاكمة «الفاسدة» 'corrupt’ elites من ناحية أخرى. الشعبوية بوصفها استراتيجية خطابية تهدف إلى بناء هوية جماعية لـ"الشعب" من خلال ربط مجموعة من المطالب الاجتماعية (غير المُلبّاة) ووضعها في مواجهة مشتركة ضد "الآخر" – أي ضد المؤسسة أو النخبة – التي يتَّهَما بأنها تُحبط تحقيق هذه المطالب ، وعبر ترسيم الحدود السياسية بين الـ"نحن" والـ"آخر"، …( Wojczewski, 2020: 4 ) .

 واستخدم الخطاب الشعبوي في السياسة الخارجية لإعادة انتاج تحالف شعبوي قومي. هاجم النخبة(الحاكمة) الفاسدة، لأنها، لا تضع المواطن الأمريكي ، أولا ، بل انها تبيع أمريكا للآخر الأجنبي. والجمع بين المشاعر القومية Nationalism والشعبوية Populism ، يظهر ترامب من خلاله أنه الممثل "الحقيقي" للشعب ؟. 

ظروف ظهور الخطاب الترامبي Trumpian discourse

استغلّ دونالد ترامب ظروف تولّد المخاوف والقلق والاضطرابات، على وجه الخصوص:

1.اضطرابات العولمة (النيوليبرالية) التي تمزق المفاهيم الراسخة للمكان والزمان والوجود والانتماء مثل الأمة أو الدولة ، وتخلق مشاعر انعدام الأمن المادي physical والوجودي ontological والاقتصادي بقدر ما تكون ظواهر تنشأ في كثير من الأحيان خارج سيطرة الدولة يمكن أن تؤثر على الحياة اليومية ، وتفرغ سيادة الدولة والمساءلة السياسية (Kinnvall ; Rojecki in Wojczewski, 2020:14 )

(2) صعود الرأسمالية غير الليبرالية  illiberal capitalism من خلال الصين التي ظهرت كثاني أكبر اقتصاد في العالم وقاومت التحرير السياسي ، أي تتحدى الصين الفهم الذاتي للولايات المتحدة كقوة عالمية رائدة للنموذج الأكثر نجاحًا وصلاحية عالميًا للنظام الاجتماعي: الديمقراطية الرأسمالية الليبرالية (Nymalm in Wojczewski, 2020:15 )

(3) أدى انتخاب باراك أوباما  Barack Obama كأول رئيس غير أبيض في تاريخ الولايات المتحدة إلى خلع التمثيلات الثقافية للهوية الأمريكية التي تعبر عن إحساس قوي بالهوية البيضاء والأوروبية والمسيحية. أي أن انتخابه،  تنافس في نفس الوقت على بناء الهوية الهرمية للذات البيضاء المتميزة ، والأخرى غير البيضاء "الدنيا" “inferior non-White” ، ويرمز إلى التراجع الواضح لهيمنة الأمريكيين البيض من أصل أوروبي ( Wojczewski, 2020: 15 ) .

شعبوية خطاب ترامب

شكل ترامب خطابًا(خلال السنوات 2015-2016) استحضر إحساسًا بالأزمة الوجودية، والقلق الاجتماعي والاقتصادي والمظالم، والانفصال بين الشعب الأمريكي والمؤسسة. على حد تعبير ترامب: "بلدنا في ورطة خطيرة. لم يعد لدينا انتصارات، لقد فقدنا مليون وملايين الوظائف في الصين ودول أخرى، "نحن في وسط أزمة وظائف، وأزمة حدودية، وأزمة إرهابية لم يسبق لها مثيل" ، نحن مثل دولة من العالم الثالث. […] اختفت فكرة عظمة أمريكا ، عن محاولتنا كقائد للعالم الحر، وغير الحر «بلدنا، بمعنى ما، يختفي»  ، "الحلم الأمريكي مات( Wojczewski, 2020: 16 ) . 

ينطوي خطاب ترامب الناخبين على منطق شعبوي، من خلال التعبير عن مجموعة من المظالم الاجتماعية - "لقد ضل بلدنا طريقه عندما توقفنا عن وضع ، "الشعب الأمريكي أولا،  ويعد "بحكومة الشعب، بواسطة ومن أجل الشعب ..  و" وسنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، ستستعيد أمريكا ثروتها وأمنها وقوتها ووحدتها وعظمتها ، وبالتالي تستعيد هويتها كقوة عالمية رائدة. هذا الوعد باستعادة السيادة الشعبيةpopular sovereignty والعظمة الأمريكية ، ومن خلال شعاره الانتخابي ، أثار ترامب الحنين  في استعادة "العصر الذهبي"  'golden age’ والأمن والمكانة ، والبساطة التي قدمها على ما يبدو لهذا الماضي المجيد :  "سنعيد وظائفنا. سنعيد حدودنا. سنعيد ثروتنا- وسنعيد أحلامنا"( Wojczewski, 2020: 17 ) . 

يعبر الخطاب الترامبي عن عداء شعبوي من الأعلى/للأسفل up/down antagonism بين " عامة" الناس كمجموعة سفلية down-group، والمؤسسة(الحاكمة) كمجموعة عليا up-group "ضحت بأمنهم، وخانت رخائهم ، وباعت بلادهم"، » .  بدلاً من اتباع "سياسة الأمركة “policy of Americanism”” التي تضع" الشعب الأمريكي أولاً "، وأن المؤسسة الحاكمة تحولت إلى" سياسة العالمية “policy of globalism ، مع التركيز على كيفية كسب المال للشركات الكبيرة التي يمكنها نقل ثرواتها وعمالها إلى دول أجنبية، كل ذلك على حساب العامل الأمريكي والاقتصاد الأمريكي "( Wojczewski, 2020: 18 ) .  

يتداخل خطاب ترامب ما بين شعبوية populism عداء الشعب/ النخبة الحاكمة الفاسدة people/elite antagonism ، ويجمعه مع عداء القوميةnationalism الداخل/الخارج  inside/outside antagonism وتقديم سياسة ترامب الخارجية بأنها ستحمي الشعب الأمريكي من « حكم العولميون الفاسدون المتعطشون للسلطة » و «ضد التهديدات للسيادة [...] ومن الحوكمة العالمية global governance» وغيرها  Wojczewski, 2020: 26) ) .

ان عداء القومية للآخر الأجنبي، هو جزء مما يسميه ترامب بـ"العالمية" 'globalism’أو المصالح الخاصة العالمية 'global special interests .  على المستوى الخارجي / الآخر الأجنبي ، ينتج الخطاب مجموعة من كبش الفداءscapegoat يحملها مسؤولية التفك، وأزمات الهوية الأمريكية.  «المهاجرون غير الشرعيين “illegal immigrants” » من أمريكا اللاتينية الذين يأخذون وظائف من «العمال الأمريكيين الضعفاء» ويجلبون الجريمة والمخدرات والعنف إلى الولايات المتحدة  ؛ حلفاء مثل الناتو NATO أو الاتحاد الأوروبي EU أو اليابان الذين «سرقوا» أمريكا من خلال الاعتماد على الولايات المتحدة في أمنهم ودفاعهم "دون دفع نصيبهم العادل". بينما تفوقوا على الولايات المتحدة في التجارة ، و«هجوم الصين الاقتصادي المستمر على الوظائف والثروة الأمريكية» من خلال الممارسات التجارية غير العادلة مثل «التلاعب بالعملة» أو "سرقة الملكية الفكرية" ( Wojczewski, 2020: 20-21 ) . نجح الخطاب الترامبي في توحيد المجموعات الاجتماعية والمصالح المختلفة في ائتلاف انتخابي من خلال بناء عدو مشترك – النخبة الحاكمة والآخرين الأجانب -  Ruling elite and foreign Others ( Wojczewski, 2020: 23) ). على الرغم من أن ترامب هو الملياردير، ومالك تكتل تجاري كبير، جزء من المؤسسة، إلا أنه تمكن من تقديم نفسه على أنه «صوت» «الرجال والنساء المنسيين في البلد» ( ( Wojczewski, 2020: 24 ) .

ركز خطاب ترامب على الآثار السلبية للعولمة «الفاسدة» ، و «النيوليبرالية الرجعية» reactionary neoliberalism” التي تسعى إلى الإبقاء على التجارة الحرة، والتدفقات المالية الحرة، وإزالة القيود التنظيمية، مع تقييد حرية حركة الأشخاص"(Fraser in Wojczewski, 2020: 29) ). الخطاب الترامبي، ادعى أن هذه العولمة «الفاسدة» للغاية هي التي منعت المؤسسة الأمريكية من الاهتمام باحتياجات الأمريكيين "العاديين".  اذن بالنسبة لـ ترامب، هناك عولمة شريفة ، ونقية عندما تضاعف العولمة ملياراته وصفقاته التجارية ، وغير ذلك تكون فاسدة .

2.4 دراسة فوستر، (Foster, Jus Semper, July 2025)

في دراسته "عقيدة ترامب وامبريالية ماغا الجديدة “”The Trump Doctrine and the New MAGA Imperialism 

جون بلامي فوستر John Bellamy Foster - أستاذ علم الاجتماع الأمريكي في جامعة أوريغون University of Oregon ، ومحرر مجلة Monthly Review – حلّل عقيدة ترامب وامبريالية ماغا MAGA الجديدة ، وفيما يلي النقاط الرئيسية :

ان تمركّز centralization الفائض العالمي في يد الطبقة الرأسمالية الاحتكارية في الولايات المتحدة قد أوجد أوليغارشية مالية financial oligarchy، لا مثيل لها، وهي أوليغارشية تعتمد بشكل كبير على الدولة. ويتجلى ذلك بشكل خاص في قطاع التكنولوجيا المتقدمة high-tech sector ، الذي يعتمد بصورة عميقة على الإنفاق العسكري الأمريكي والتكنولوجيا العسكرية، سواء من حيث تحقيق الأرباح أو من حيث تفوقه التكنولوجي نفسه. ترامب ليس سوى وكيل agent لتحول سياسي-اقتصادي أوسع ، يجري داخل منظومة الطبقة الحاكمة ruling-class ، متوارٍ خلف ستار من حركة شعبوية قومية.

ضمّت حكومة ترامب العليا ثلاثة عشر مليارديرًا، بصافي ثروة إجمالية تصل، حسب منظمة Public Citizen ، إلى حوالي 460 مليار دولار، من بينهم إيلون ماسك Elon Musk بثروة تبلغ 400 مليار دولار. وفي عام 2025 أصبحت إدارة ترامب نظامًا يحكمه المليارديرات ، تهدف إلى إعادة تشكيل النظام السياسي الأمريكي بالكامل . جرى تحول جذري خلال رئاسة دونالد ترامب في السياسة الخارجية الأمريكية : التخلي عن النظام الدولي الليبرالي الذي بُني تحت الهيمنة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب التخلي عن استراتيجية توسيع حلف الناتو والحرب بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا.

وقد أدت السياسات الجديدة، فرض الرسوم الجمركية العالية وتحويل الأولويات العسكرية، إلى وضع الولايات المتحدة في صراع حتى مع حلفائها التقليديين. وفي الوقت نفسه، تتسارع وتيرة الحرب الباردة الجديدة ضد الصين ودول الجنوب العالمي.

 لكن التحول العالمي في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب ليس مناهضًا للإمبريالية، بل نابع من مقاربة قومية متطرفة للقوة الأمريكية العالمية، تستند إلى شرائح رئيسية من الطبقة الحاكمة، خصوصًا احتكارات التكنولوجيا العالية high-tech monopolists، وإلى قاعدة ترامب الانتخابية الشعبية ، وفي الغالب من الطبقة الوسطى الدنيا lower-middle class.

عقيدة ترامب وامبريالية الماغا MAGA- الفاشية الجديدة Neofascism 

التحولات الضخمة في السياسة الخارجية والعسكرية الأمريكية التي يتم تنفيذها في إطار عقيدة ترامب متجذرة في اصطفافات طبقية جديدة مرتبطة بالفاشية الجديدة لحركة MAGA وصلاتها الوثيقة — وإن كانت متناقضة — مع طبقة المليارديرات الحاكمة، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا الفائقة، ورأس المال الاستثماري الخاص، والطاقة/النفط والغاز. 

على المستوى الوطني، يستند الأساس الطبقي والأيديولوجي لحركة MAGAإلى قاعدة اجتماعية: الطبقة الوسطى الدنيا / صغار المُلّاك (petty proprietors)، خاصة البيض في المناطق الريفية والضواحي البعيدة.  . هويتها السياسية: ترى نفسها في "حرب أهلية باردة" ضد: النخب الليبرالية  liberal elites في الطبقة الوسطى العليا، والطبقات العاملة الأفقر في الأسفل. أيديولوجيتها : قومية متطرفة ، قومية بيضاء ، إنجيلية مسيحية أصولية ، تمجيد العنف إضافة إلى نزعة أبوية/ذكورية. 

في النظرية الماركسية، يقوم الأساس الطبقي للفاشية دائمًا على تحالف بين رأس المال الاحتكاري والطبقة الوسطى الدنياlower-middle class/ أو البرجوازية الصغيرة. وتشمل أصحاب الأعمال الصغيرة، والمالكين الصغار للعقارات، والمديرين التنفيذيين على المستويات الدنيا في الشركات، إلى جانب العناصر الدينية الأصولية وملاك الأراضي الزراعية الصغار في المناطق الريفية. كما تضم بعض القطاعات الأكثر امتيازًا من الطبقة العاملة(Foster, Jus Semper, July 2025: 8) .

في الإدارة الأولى لترامب، كان مايكل أنطون Michael Anton، وهو أحد أبرز منظري الماغا (MAGA)  عضوًا في مجلس الأمن القومي. وقد حدد أنطون عقيدة ترامب بأربع ركائز:

1.الشعبوية القومية: وهو الوصف الذي يستخدمه تيار الماغا لنفسه، وهو أقرب لتوصيف "نيُوفاشي"، إذ يتردد صداه مع الاشتراكية القومية للحركة النازية.

2.القومية كأساس لكل الدول: أي أن كل أمة ينبغي أن تركز على قوميتها الخاصة.

3.معارضة الليبرالية الدولية التي تأسست بعدالحرب العالمية الثانية واستمرت حتى اليوم. بدلاً من ذلك، يُطرح نموذج "إمبراطورية قومية فائقة" أمريكا أولًا، حيث تحكم الولايات المتحدة العالم بمفردها.

4.رفض الإمبراطوريات والدول متعددة الأعراق: بينما الإمبراطوريات دائمًا متعددة الأعراق، فإن "عقيدة ترامب" تعارض ذلك، وتتبنى رؤية عرقية للسياسة الخارجية، تعتبر أن الولايات المتحدة بلد أبيض، وأن الأعراق الأخرى "لا تنتمي إليها"، وأن السياسة الداخلية والخارجية يجب أن تُبنى على هذا الأساس. 

من برنامج الديمقراطية الآن! (Democracy Now!)  ، خوان غونزاليس  JUAN GONZÁLEZ  : بروفيسور، أردت أن أسألك: في تحليلك الذي وجدته من أوضح ما قرأت عن هذه الحركة الفاشية الجديدة، أنت تخالف الرأي الشائع بأن قاعدة ترامب النيوفاشية هي "الطبقة العاملة". بل تقول إن ثلاثة قطاعات من الرأسمالية الاحتكارية الكبرى — التكنولوجيا، النفط والغاز، ورأس المال الاستثماري الخاص — قد تحالفت مع الطبقة الوسطى الدنيا وشرائح من العمال المميزين لتشكيل قاعدة حركة الماغا. هل يمكنك أن توضح ذلك أكثر؟ (https://www.democracynow.org/2025/7/8/trump_doctrine_maga_imperialism)

جون بيلامي فوستر John Bellamy Foster: نتحدث في علم الاجتماع، كثيرًا عن "الطبقة الوسطى الدنيا"Low-middle class، وهي فئة اجتماعية سياسية ثقافية واضحة جدًا في المجتمع الأمريكي: أصحاب الملكيات الصغيرة، المزارعون الصغار، المدراء الأدنى في الشركات، سكان الأرياف. الحركة الإنجيلية مرتبطة بهذه الفئة أيضًا. وهذه الطبقة غالبيتها بيضاء، وتفوق الطبقة العاملة في الدخل والملكية. كما أن مشاركتها في التصويت أعلى بكثير.

هذه هي القاعدة الاجتماعية والسياسية لترامب. فهي طبقة قومية النزعة، انتقامية في رؤيتها (revanchist)، وتنادي بالعودة إلى "العصر الذهبي": "لنعيد لأمريكا عظمتها". وهي ذات نزعة عنصرية قوية، معادية للمهاجرين، معادية للنساء، وأبوية التوجه. وهي تتمركز بكثافة في ضواحي المدن البعيدة (exurbs).

منذ ظهور ظاهرة ترامب، بدأت نيويورك تايمز، التي لم تتحدث عن الطبقة العاملة لعقود، بالحديث عن "الطبقة العاملة البيضاء". لكن الواقع أن المسألة تتعلق بالطبقة الوسطى الدنيا، التي كانت تُعرف قديمًا بـ"البرجوازية الصغيرة"، وهي القاعدة التقليدية لكل الحركات الفاشية. إذا عدنا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، إلى إيطاليا وألمانيا، نجد أنها الفئة نفسها التي دفعت بالفاشية إلى الأمام. ولكن ذلك دائمًا نتيجة لتحالف بين رأس المال الكبير (المليارديرات، الرأسمالية المالية الاحتكارية) وبين الطبقة الوسطى الدنيا .

هذه الطبقة ليست معادية للرأسمالية. بل تعارض "الطبقة الحاكمة" كما تسميها أيديولوجيا الماغا MAGA، أي طبقة المدراء المهنيين الذين يُنظر إليهم باعتبارهم يسيطرون على الحكومة. وهي أيضًا تعارض الطبقة العاملة التي تراها متعددة الأعراق ومتنوعة وفقيرة، وهي طبقة لا تريد أن تنزلق إليها.

بالتالي، تشكّل الطبقة الوسطى الدنيا بمثابة "الحرس الخلفي للنظام"، وقد نجح المليارديرات في تعبئتها، بدءًا من حركة "حفل الشاي" (Tea Party) وصولًا إلى ظاهرة ترامب، من أجل دفع النظام السياسي كله إلى أقصى اليمين، وبناء حركة نيوفاشية من هذا النوع، رغم ما تحتويه هذه الحركة من تناقضات. 

أن الملايين ممن صوتوا للديمقراطيين في عام 2020، ومعظمهم من الطبقة العاملة، اختاروا في انتخابات الرئاسة في عام 2024 حزب غير المصوتينParty of Nonvoters . ومع ذلك، تبقى القاعدة المخلصة لترامب هي الطبقة الوسطى الدنيا الممتدة إلى العمال الأكثر امتيازًا.

وقد رأى إرنست بلوخ Ernst Bloch، في كتاباته عن ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن العشرين، أن مثل هذه الفئات تتسم بـ "اللا-معاصرة الرجعية" regressive “noncontemporaneity، الهادفة إلى استعادة ماضٍ آري Aryan past مُتخيَّل ومثالي (Foster, Jus Semper, July 2025: 8) .

إن حركة MAGA الشعبية، المتجذرة في الطبقة الوسطى الدنيا/المالكين الصغارlower-middle class/petty proprietors ترتكز -هذه الحركة -في دوافعها على معتقدات قومية متطرفةultra-nationalist، وعلى ارتباطها بما يُعرف بـ"ديانة مالكي العبيد"“slaveholder’s religion” ، المتمثلة في الإنجيليين البيضwhite evangelicalism، وعلى تمجيدها للتوسع الإمبرياليimperial expansion الأميركي في الماضي، وتبجيلها المتكرر للعنف المتطرف، ونزعاتها العنصريةracist والشوفينيةjingoistic، وأيديولوجيتها الأبوية patriarchal ideology القوية — وهي جميعها تتماشى تمامًا مع أيديولوجيا "أميركا أولًا" America First ideology التي تمثل جوهر عقيدة ترامب. Trump Doctrine 

على المستوى الدولي، تدعم حركة ماغا تفكيك المساعدات الخارجية الأميركية (من خلال تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية  U.S. Agency for International Development, or USAID)، ومعارضتها للحرب بالوكالة proxy war في أوكرانيا حيث يُنظر إلى حرب أوكرانياUkraine War على أنها تخدم بالأساس نخب أوروباEuropean elites، في صراعها مع روسيا، وهو صراع لا يخدم مصالح الولايات المتحدة، بل يُشتت انتباه واشنطن عن أعدائها الأساسيين في آسيا: الصين والعالم الإسلامي. 

قادت القومية المسيحية Christian nationalism في عالم الإنجيليين المؤيدين لحركة MAGA إلى دعم قوي للتحالف بين ترامب وبنيامين نتنياهوTrump/Benjamin Netanyahu pact، الهادف إلى الإبادة الكاملة أو التهجير التام للفلسطينيين من غزة. ووفقًا لهذه الرؤية، من المفترض أن تحصل الولايات المتحدة على حقوق اقتصادية economic rights متعددة، بل وحتى على ملكية مباشرة — كما في خيال ترامب Trump’s fantasy حول منتجع ريڤييرا riviera resort تملكه أمريكا — إلى جانب عقود نفط oil contracts تفضيلية في قطاع غزة.

أبعاد فاشية/إبادية في فكر MAGA

قياساً على النازية (كما يذكر لوكاش Georg Lukács): الاحتلال لا يعني دمج السكان، بل إبادتهم أو طردهم. مراكز فكر MAGA مثل CRA (Center for Renewing America) تصرح علنا، أن الفلسطينيين "غير قابلين للاستيعاب" ويجب استئصالهم. وزير دفاع ترامب، بيت هيغست Pete Hegseth, ، يمجّد الحملات الصليبية ويطرح ترامب كرئيس-صليبي ضد الإسلام وضد "اليسار" أيضاً(Foster, Jus Semper, July 2025: 9-10) .

وعندما أعلن ترامب في انتخابات 2024 في ديربورن Dearborn بولاية ميشيغانMichigan قائلاً: “أنا مرشح السلام” I am the peace candidate، ثم تابع مؤكداً: “أنا السلام” “I am peace,”، أخذ البعض كلامه على محمل الجد، دون أن يدركوا أن هذا تصريح دعائي صادر عن زعيم حركة نيوفاشيةneofascist، فوق قوميةhypernationalist، وعنصريةracist، مدعومة من أكثر القطاعات محافظة في الطبقة الحاكمة الأميركية. وخلال حملته الانتخابية، ألمح إلى أن لديه خطة سرية لإحلال السلام في غزة. وقد بدأ تنفيذها فور دخوله البيت الأبيض باقتراح، بالتنسيق مع نتنياهو، القضاء على كامل سكان غزة أو ترحيلهم: أي سلام المقابر (Foster, Jus Semper, July 2025: 18).

ومن المفارقة، إن النزعة المتجذّرة في تفوق العرق الأبيض ضمن السياسة الخارجية لمشروع ترامب–MAGA  تظهر بوضوح خاص في هجماته على حكومة جنوب أفريقيا. ففي ردّه على قانون إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا، الذي يسعى متأخراً إلى معالجة نتائج الاستعمار والفصل العنصري في بلد لا يزال فيه أقلية بيضاء لا تتجاوز 7% من السكان تملك حوالي 72% من الأرض، اتهم ترامب Trump وروبيوRubio وإيلون ماسكElon Musk جنوب أفريقيا بالعنصرية ضد البيض. وقد ترافق ذلك مع انتقادات لجنوب أفريقيا بسبب دورها في رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية International Court of Justice تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية genocide في غزة. وفي حكم أولي، قررت المحكمة لصالح جنوب أفريقيا وضد إسرائيل. 

وتتجلّى أيديولوجيا الـ MAGA أيضًا في انسحاب إدارة ترامب من اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 ، ومن منظمة الصحة العالمية ، بدعوى أن هذه الخطوات ضرورية لـ"استعادة السيادة الأمريكية" وقد قُدّمت هذه الانسحابات كجزء من حملة قومية تستهدف فك ارتباط الولايات المتحدة بالالتزامات الدولية التي يُنظر إليها على أنها تُقيّد حريتها أو تتعارض مع مصالحها الاقتصادية. وفي تموز22/7/ 2025، انسحبت الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو (UNESCO. كما وقع ترامب الأمر تنفيذي، الذي يقضي بخروج الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأصدر أمرا بانسحابها من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينين (الأونروا)، وحظر تمويلها.

تقوم الاستراتيجية الإمبريالية الجديدة لإدارة ترامب، وخصوصًا في نسختها الثانية، على فكرة "أمريكا أولًا" “America First.”وتشكل هذه الفكرة رفضًا للدور التقليدي للولايات المتحدة كقوة مهيمنة عالميًا، لصالح إمبراطورية قومية مفرطة في النزعة القومية hyper-nationalist America First imperium. ويتجلى هذا في الهجمات الأمريكية على المؤسسات الدولية التي لا تملك فيها الولايات المتحدة هيمنة مطلقة أو تلك التي يُعتقد بأنها تتحمل فيها أعباءً غير متناسبة، مثل الأمم المتحدة أو حتى حلف الناتو.

تحولت الطبقة الرأسمالية المليارديرية الحاكمة في الولايات المتحدة—على طريق دعمها للإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والاستعداد لحرب محتملة مع الصين—من دعم الديمقراطية الليبرالية إلى دعم النيوفاشية، أو في أحسن الأحوال إلى تحالف نيوليبرالي–نيوفاشي. وقد قامت قطاعات رئيسية من الطبقة الرأسمالية، بتعبئة وحشد الطبقة الوسطى الدنيا على أساس أيديولوجية قومية ثأرية، يُنظر من خلالها إلى شعوب معظم العالم باعتبارهم أعداء. ويجري إنشاء هياكل تهدف إلى القضاء على إمكانية اندلاع ثورة ديمقراطية جماهيرية من الأسفل، وعلى إمكانية قلب الاتجاهات المدمرة السائدة اليوم.

وحسب جون بلامي فوستر، إن أسوأ خطأ يمكن ارتكابه في هذا الوضع المأساوي هو التقليل من حجم الخطر، أو من مدى الصراع الثوري البشري المطلوب اليوم(Foster, Jus Semper, July 2025: 19)

الإمبريالية الاقتصادية والجيوسياسية التوسعية وعقيدة ترامب Economic Imperialism and the Trump Doctrine

في 2 أبريل 2025، أعلن ترامب، فيما وصفه بـ "إعلان الاستقلال الاقتصادي"،أو "يوم التحرير" بفرض رسوم جمركية. وفي بيان أشبه ببيان حرب، قال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت Scott Bessent إن أي دولة تختار "الرد" على الرسوم الأمريكية الجديدة ستُعتبر مسؤولة عن "التصعيد"، ما سيدفع الولايات المتحدة إلى الرد عبر الصعود على سلّم التصعيد. إن إجراءات إدارة ترامب تولّد حربًا عالمية في التجارة والعملات (Foster, Jus Semper, July 2025: 5) . بالفعل، جاء الرد بالمثل من الصين، كذلك من الرئيس البرازيلي ، لولا دا سيلفا Lula da Silva: "نحن لا نريد إمبراطورًا. دولنا دول ذات سيادة. إذا فرض ترامب رسومًا، فمن حق الدول الأخرى أن تفعل الشيء نفسه. هناك قانون المعاملة بالمثل. لا أعتقد أنه من المسؤول أن يهدد رئيس بلد بحجم الولايات المتحدة العالم بفرض رسوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. بصراحة، هناك منتديات أخرى يمكن لرئيس بلد كأمريكا أن يخاطب عبرها الدول الأخرى." (https://www.democracynow.org/2025/7/8/trump_doctrine_maga_imperialism)

اقتصاديًا، ترتبط عقيدة ترامب بما يُعرف بـ "القومية المحافظة"conservative nationalism، التي تمثلها مراكز أبحاث مؤيدة لـMAGA موجهة نحو الإستراتيجية الجيو-اقتصادية، والجيو-سياسية، مثل American Compass والعديد من مراكز الأبحاث المؤيدة أو المتحالفة مع ترامب ونهجه. 

بوصفه واجهة للقومية المحافظة في الاقتصاد، يقدّم  American Compass رؤية واقعية نسبيًا لحالة الركود طويل الأمد وتراجع التصنيع في الاقتصاد الأمريكي، مقرونةً بمعارضة قوية للتجارة الحرة ودعم متحمس للرسوم الجمركية. ومن الناحية الأيديولوجية، المرتبطة بحركة ترامب MAGA، لعب دورًا رائدًا في تطوير إستراتيجية اقتصادية للحرب الباردة الجديدة ضد "الصين الشيوعية".

الشخصية الرئيسية المسؤولة عن إدارة الإستراتيجية الاقتصادية الدولية في إدارة ترامب الثانية هو ستيفن ميران Stephen Miran ، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين منذ عام 2025. ومؤلف كتاب A User’s Guide to Restructuring the Global Trading System، الذي نشر وقت فوز ترامب في انتخابات 2024، وقدّم فيه خطة استخدام الرسوم الجمركية المرتفعة والورقة الضاغطة التي توفرها المظلة الأمنية الأمريكية لإجبار الدول على الموافقة على خفض كبير في قيمة العملة الأمريكية. الهدف هو تحسين الموقع التجاري العالمي للولايات المتحدة على حساب شركائها التجاريين الرئيسيين ما يشكل سياسة "إفقار الجار" (beggar-thy-neighbour) على نطاق عالمي، تُفرض من قبل الولايات المتحدة على حلفائها وخصومها على حد سواء.

النموذج لهذه الإستراتيجية الجيو-اقتصادية هو اتفاق بلازا عام 1985 الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة ودول أخرى، والذي سمح بحدوث خفض متعمد متعدد الأطراف لقيمة الدولار. وكانت النتيجة التاريخية الرئيسية لهذا الاتفاق هي انفجار الفقاعة المالية اليابانية، وإدخال الاقتصاد الياباني في حالة ركود عميق بدت دائمة، رغم أنه كان آنذاك واحدًا من أكثر الاقتصادات ديناميكية في العالم(Foster, Jus Semper, July 2025: 6) .

وبالتالي، ينظر إلى الجمع بين الرسوم الجمركية وخفض متعمد لقيمة الدولار باعتبارها السياسة اللازمة لتعزيز الصادرات وإعادة التصنيع. وإلى جانب ميران، يدعم هذه السياسة بقوة وزير الخزانة سكوت بيسنت Scott Bessent (Foster, Jus Semper, July 2025: 7) .

غير أن حقيقة معضلة تريفينTriffin Dilemma (المسماة على اسم الاقتصادي البلجيكي روبرت تريفينRobert Triffin) التي تفيد بأن العملة الاحتياطية الدولية (مثل الدولار) تتطلب عجزًا مستمرًا في الحساب الجاري كي توفر الدولة المُصدِّرة للعملة السيولة اللازمة للعالم، ويؤدي هذا العجز في المدى الطويل إلى تقويض الثقة في العملة الاحتياطية. وبالتالي، من المرجح أن تفشل إستراتيجية ترامب، مسرّعةً أفول الدولار كعملة احتياطية مهيمنة عالميًا ومقوِّضةً أكثر للهيمنة الاقتصادية الأمريكية (Foster, Jus Semper, July 2025: 7) .

كتب الاقتصادي الأمريكي مايكل هدسون Michael Hudson، أستاذ اقتصاد في جامعة ميزوري - مدينة كانساس Missouri-Kansas City:

"يعتمد ترامب في محاولته تمزيق الروابط المتبادلة القائمة في التجارة والمالية الدولية على افتراض أن أمريكا ستخرج منتصرة من فوضى النهب هذه. هذا اليقين هو ما يدفعه لتمزيق الترابطات الجيوسياسية الحالية. فهو يعتقد أن الاقتصاد الأمريكي مثل الثقب الأسود الكوني، أي مركز جاذبية قادر على سحب كل أموال العالم وفوائضه الاقتصادية إليه. هذا هو الهدف الصريح لـ أمريكا أولًا. وهذا ما يجعل برنامج ترامب إعلان حرب على بقية العالم."

إن إستراتيجية ترامب القومية-الإمبريالية تتماشى تمامًا مع الآراء الرجعية لأنصاره في حركة MAGA، الذين لا يعارضون الإمبريالية والعسكرة، بل يعارضون بشدة ما يرونه عولمة ليبرالية على حساب الولايات المتحدة  (Foster, Jus Semper, July 2025: 8) .

في هذا السياق، فإن فرض إدارة ترامب تعريفات جمركية على جميع الدول الأخرى – بما في ذلك تعريفات مرتفعة على نحو ستين دولة وفقًا لقائمته الصادرة في 2 أبريل تحت عنوان "يوم التحرير" “Liberation Day” – لا يُعد مسعى اقتصاديًا بحتًا لتحقيق مكاسب تجارية، بل يُفهم على أنه أداة للهيمنة الجيو-اقتصادية geoeconomic والجيوسياسية geopolitical dominance. ووفقًا لاستراتيجية "أمريكا أولًا"، تسعى واشنطن لفرض نوع من "الجزية" tribute على حلفائها، الذين سيتوجب عليهم من الآن فصاعدًا الدفع بشكل أو بآخر مقابل الحماية العسكرية الأمريكية.

تستمد حركة "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA) القومية الشعبوية رؤيتها للعالم من منظور مشحون عرقيًا، ترى فيه الولايات المتحدة كدولة مسيحية بيضاء ذات قدر محتوم. ترى أيديولوجية MAGA أن السياسة الإمبريالية، كما مارسها المحافظون الجدد neoconservatives، كانت متحالفة مع العولمة، التي أفادت القوى الصاعدة مثل الصين على حساب القوى المهيمنة التقليدية كأمريكا، بينما عقيدة ترامب تمثل نفيًا للعولمة الليبرالية. وقد أصبحت هذه الاستراتيجية العامة لنظام ترامب وحركة MAGA. وهي في الواقع، استراتيجية إمبريالية عالمية جديدة على المستويين الوطني والدولي، تهدف إلى عكس مسار تراجع الهيمنة الأمريكية وهزيمة الصين. وتجسدت في أن ترامب، أطلق الحرب الباردة الجديدة ضد الصين، مما دشّن تحوّلًا جذريًا في الاستراتيجية الإمبريالية الأميركية .

وتعكس أطماع ترامب– كالسعي لضم غرينلاند Greenland ، واستعادة قناة بنما Panama Canal ، وحتى (وإن بدا ذلك أبعد احتمالًا) ضم كندا Canada كولاية أمريكية رقم 51، فضلًا عن اقتراحه إعادة تسمية "خليج المكسيك" Gulf of Mexico ليصبح "خليج أمريكا" Gulf of America – هذه الرغبة في استعادة روح "الإمبراطورية الأمريكية التي تعرضت لاحقًا للتقويض من الداخل والخارج، مما يستدعي "بعثًا" لمكانتها المفقودة.

وبهذا يصبح برنامج ترامب بمثابة إعلان حرب على بقية العالم — حرب اقتصادية وجيوسياسية تسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي وفق مصالح أميركية ضيقة، وبمنطق القوة بدلًا من التفاهم المتبادل. يحظى هذا التحول الاستراتيجي بدعم واسع من قاعدة ترامب القومية اليمينية( حركة MAGA)، المؤيدة للإمبريالية ، والعسكرة، المعارضة بشدة ما يرونه عولمة ليبرالية جاءت على حساب الولايات المتحدة ، وبدعم من شرائح نافذة من الطبقة الرأسمالية الاحتكارية، وخصوصًا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، ورأس المال الخاص (Private Equity)، والطاقة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنظام ترامب الشعبوي. ويروّج نظام ترامب ، للهيمنة على الدول الأخرى عبر القوة العسكرية ، بدلًا من العولمة الاقتصادية.

يتبع الجزء الثاني