في عالم يزدحم بالصور المتكررة عن البطولة، حيث تُرسم ملامح الأبطال عادةً بالدرع أو السلاح أو الخطابات الرنانة، في غزّة شكل آخر للبطولة،
أنقى وأصدق،
صغار السنّ،
أبطال لم يختاروا المعركة ، ولم يختاروا الصراع،
ولم يحملوا سلاحًا، ولا راية،
ولم يكتبوا خطابًا،
ومع ذلك أصبحوا رمزًا للصمود الإنساني،
أطفال غزّة.
هؤلاء الصغار فقدوا ما لا يُفقد عادةً في عمر الطفولة، بيتًا يؤويهم، سريرًا يحضن نومهم، مدرسةً تفتح لهم باب المستقبل، أو حتى والدًا كان يمسك بيدهم في طريق السوق. بعضهم فقد أطرافه، وبعضهم فقد عائلته كاملة، لكنّهم لم يفقدوا قدرتهم على أن يكونوا حياةً تمشي وسط الموت.
في ابتسامة طفل يرسم شمسًا على دفترٍ مهترئ، وفي ضحكةٍ قصيرة تخرج من قلبٍ يعرف معنى الفقد، تتجسّد بطولة لا يعرفها العالم إلّا نادرًا.
إنّ بطولة أطفال غزة ليست بطولة لحظة، بل بطولة يوميّة تتكرّر مع كل شروق شمس فوق أنقاض المدينة.
الطفولة في غزّة ليست مجرد عمر أو مرحلة، بل اختبار للبقاء والإنسانية، ويُقرأ معنى عميق للبطولة،
أن البطولة الحقيقية ليست في الانتصار على عدو،
بل في الانتصار على اليأس،
في الاستمرار،
في الابتسامة رغم الألم،
في القدرة على اللعب والحلم ،
وأن تظلّ قادرًا على الحلم بعد أن يُسلب منك كل شيء، هذه بطولة لا يحتملها الكبار.
الرسالة التي يوجّهها هؤلاء الأطفال للعالم أكبر من أي خطاب سياسي أو إنساني، الصمود اليومي أقوى من أي قوة خارقة.
أطفال غزّة هم أبطال الإنسانية، لأنهم يمثّلون أصدق تعريف للصمود هو أن تبقى طفلًا رغم أن العالم يصرّ أن يسرق منك طفولتك.
أطفال غزّة هم أبطال بلا درع ولا سلاح، لكنهم يحملون أعمق المعاني الإنسانية: الصمود، الأمل، القدرة على أن يكون للطفولة مكان حتى في أصعب البيئات. إنهم يعلّموننا أن البطولة ليست بالقدرة على الانتصار على الآخرين، بل بالقدرة على الانتصار على اليأس والفقدان والظروف القاسية، وأن تبقى حيًا بالقلب والروح رغم كل ما فقدته الحياة من حولك.
أطفال غزّة ليسوا مجرد ضحايا أو أرقام إحصائية، بل رمز حي للإنسانية التي تصمد وتقاوم، وتجعل من الصغير قادرًا على أن يكون أعظم من أي عدو أو محنة.
أطفال غزّة…
وجوه صغيرة تحمل ذاكرة أكبر من أعمارها. فقدوا البيوت، فقدوا الأحلام البسيطة، وفقد بعضهم حتى القدرة على الحركة، لكنهم لم يفقدوا تلك اللمعة في العيون.
يضحكون رغم الغبار، يرسمون رغم الخراب، ويعلّمون العالم أن البطولة ليست في امتلاك القوة، بل في القدرة على البقاء إنسانًا بعد كل هذا الفقدان.
هم أبطالنا الحقيقيون، لأنهم علّمونا أن القلب الصغير قد يهزم أكبر آلة حرب، وأن البراءة قادرة على أن تصمد في وجه أقسى قسوة.
أطفال غزة: "أبطال بلا درع"