الحدث الإسرائيلي
نشر الباحثان اللواء احتياط في جيش الاحتلال تمير هايمان، رئيس “معهد دراسات الأمن القومي” (INSS)، والعقيد احتياط عوفر غوترمان، الباحث البارز في برنامج “من صراع إلى تسويات” التابع للمعهد، تحليلًا أوليًا حول المبادرة الأمريكية الجديدة التي طرحها الرئيس دونالد ترامب بشأن قطاع غزة. المبادرة، التي لاقت دعم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وعدد من الدول العربية، تهدف إلى كسر حالة الجمود العسكري والسياسي، والانتقال من معادلة صراع ثنائي بين الاحتلال وحركة حماس إلى مسار متعدد الأطراف بمشاركة الولايات المتحدة ودول عربية.
تنص خطة ترامب ذات العشرين بندًا، التي أعلن عنها البيت الأبيض في 29 أيلول/سبتمبر، على وقف الحرب في حال قبولها، مع انسحاب تدريجي لجيش الاحتلال وإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين خلال 72 ساعة. كما تشمل تعزيز المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة والسماح بتأسيس حكومة انتقالية تكنوقراط فلسطينية تحت إشراف إطار دولي يقوده ترامب نفسه، على أن تتولى هذه الحكومة مهام إعادة الإعمار وتهيئة الظروف لإصلاح السلطة الفلسطينية لتكون قادرة لاحقًا على إدارة القطاع. على المدى البعيد، تحدد الخطة ملامح “يوم ما بعد الحرب” عبر نزع سلاح حماس، تفكيك بنيتها العسكرية، إنشاء قوة تثبيت دولية بإشراف أمريكي–عربي، وضمان استمرار سيطرة الاحتلال على محيط القطاع ومحور فيلادلفيا.
يرى الباحثان أن المبادرة تتبنى جوهر المطالب الإسرائيلية: استعادة الأسرى الإسرائيليين فورًا، استبعاد حماس عن الحكم، نزع سلاح القطاع، والإبقاء على السيطرة الأمنية للاحتلال. كما أن فكرة إدارة انتقالية تكنوقراطية، رغم صياغتها “اللاأيديولوجية”، ستبقى مرتبطة بالسلطة الفلسطينية بما ينسجم مع شروط الدول العربية، وذلك عبر إشراك كوادر من “فتح” وأجهزة السلطة في الإدارة والشرطة الجديدة. ويشير التحليل إلى أن الانسحاب التدريجي سيتيح لجيش الاحتلال الحفاظ على مواقع استراتيجية، فيما يسمح البند الخاص بتطبيق الخطة بشكل جزئي – حتى في حال رفض حماس – بتعزيز نفوذ الاحتلال في المناطق “المحتلة ومسيطر عليها فعليًا من الاحتلال”، مع بدء مشاريع إعادة الإعمار فيها.
على الصعيد المدني، تُبرز الخطة بعدًا جديدًا يتجاوز الحلول الأمنية عبر الجمع بين إعادة بناء البنية التحتية، إصلاح المؤسسات الفلسطينية، وبرامج “إزالة التحريض”، ما قد يهيئ المناخ لتقليص دوافع المقاومة المسلحة. كما تفتح الخطة مسارًا نظريًا نحو دولة فلسطينية مشروطة بالإصلاحات، بما يعزز موقع الاحتلال أمام الدول العربية ويتيح توسيع اتفاقيات التطبيع.
في المقابل، يؤكد الباحثان أن الخطة تعاني من ثغرات جوهرية. أولها، أن حماس على الأرجح سترفض المبادرة بصيغتها الحالية، ما يعني استمرار المأزق بشأن ملف الأسرى. ثانيًا، غياب آلية واضحة لتفكيك كامل منظومة حماس العسكرية بما فيها الأنفاق والفصائل الأخرى، وهو ما لا يُتوقع أن تقوم به قوة دولية أو الشرطة الفلسطينية الجديدة بشكل جاد. كذلك تثير بنود توزيع المساعدات عبر الأمم المتحدة والهلال الأحمر قلق الاحتلال، خاصة في ظل إمكانية استمرار دور وكالة “الأونروا” التي يُنظر إليها كعامل لترسيخ وعي اللاجئين وحق العودة.
يخلص هايمان وغوترمان إلى أن مبادرة ترامب تشبه في خطوطها العريضة المبادرات المصرية والفرنسية–السعودية الأخيرة، لكنها تقدم عنصرًا إضافيًا: تدويل صياغة مستقبل القطاع بما يتجاوز حماس، عبر مسار ثلاثي–رباعي يضم الاحتلال، الولايات المتحدة، ودول عربية. الخطة تمنح الاحتلال اعترافًا عربيًا ودوليًا بشرط عدم ضم القطاع أو إبقائه تحت احتلال دائم، مقابل تفويض باستمرار العمل العسكري ضد حماس وربط الانسحاب بمدى نجاح عملية نزع السلاح. وفي حال رفض حماس الخطة، فإن ذلك يمنح الاحتلال غطاءً سياسيًا داخليًا وخارجيًا لمواصلة عملياته العسكرية، بالتوازي مع بناء بدائل سياسية وفكرية للحكم في غزة، مع أفق محتمل لتوسيع مسار التطبيع في المنطقة.
غير أن الباحثين يشددان على أن الاستفادة من هذه المبادرة مرهون بمدى التزام الاحتلال – ليس فقط في الاستمرار بالضغط العسكري على حماس – بل أيضًا في الانخراط الجاد في إعادة إعمار غزة وفتح أفق سياسي للتسوية مع الفلسطينيين ككل.