الثلاثاء  07 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عامان على الحرب: غزة بين أنقاض العدوان وملحمة البقاء/ بقلم: سالي علاوي

2025-10-07 10:01:51 AM
عامان على الحرب: غزة بين أنقاض العدوان وملحمة البقاء/ بقلم: سالي علاوي
أرشيفية

بعد عامين على الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، يقف الفلسطينيون أمام مشهد لن يُمح من الذاكرة، بل أصبح جزءًا من الوعي الجمعي لشعبٍ يعيش تحت نيران السياسة والاحتلال في آن واحد، تلك الحرب، التي استمرت عامين من القصف المتواصل، لم تكن مجرد جولة عسكرية جديدة في سجل الصراع، بل كانت اختبارًا قاسيًا لمدى صلابة غزة، وقدرتها على البقاء رغم كل محاولات الكسر والإخضاع.

خلال تلك المواجهة، استُخدمت أقسى أدوات الحرب الحديثة ضد منطقة محاصرة منذ أكثر من 18 عامًا، قُطعت عنها الكهرباء والوقود، وأُغلقت معابرها، وتحولت شوارعها إلى ركام، ومع ذلك، خرجت غزة من تحت الدمار، تُعلن أن الهزيمة ليست في الدمار المادي، بل في فقدان الإرادة، وهي لم تفقدها يومًا.

اليوم، وبعد مرور عامين، لا تزال آثار العدوان واضحة، آلاف العائلات فقدت منازلها، ومئات الجرحى يعيشون مع إعاقات دائمة، وملف الإعمار يراوح مكانه في دهاليز السياسة الإسرائيلية والتجاذبات الإقليمية، فالإعمار الذي رُبط بالتهدئة، والتهدئة التي رُبطت بشروط سياسية، جعلت من حياة الفلسطينيين رهينة لمعادلات لا إنسانية.

على المستوى السياسي، كشفت الحرب هشاشة المنظومة الدولية، وعجزها عن حماية المدنيين أو مساءلة الاحتلال عن جرائمه. 

أما إسرائيليًا، فقد عمّقت الحرب أزمة الثقة الداخلية، وأظهرت أن الردع الذي يتحدث عنه قادة الاحتلال ليس سوى وهم مؤقت أمام إرادة المقاومة التي استطاعت فرض معادلات جديدة في الميدان، وأجبرت إسرائيل على إعادة حساباتها في كل جولة تالية.

في المقابل، استثمر الفلسطينيون الألم في إعادة صياغة وعيهم الجمعي، فغزة لم تعد مجرد جغرافيا ضيقة أو ساحة مواجهة، بل باتت رمزًا لفكرة التحرر نفسها، رمزًا للكرامة التي لا تُقصف، وللأمل الذي لا يموت. 

تأتي الذكرى الثانية للحرب لتذكّر العالم بأن العدوان لم يكن حدثًا عابرًا، بل فصلًا متجدّدًا في حكاية طويلة عنوانها الحصار، وجوهرها البقاء، فبينما تتغير موازين القوى في المنطقة، تبقى غزة نقطة الارتكاز الأخلاقي والإنساني في الصراع، تحفر وجودها في الذاكرة الفلسطينية كجرحٍ مفتوحٍ وكرامةٍ متجددة.

غزة، لا تزال تحمل وجعها بكرامة، وتُعلّم الجميع أن الصمود ليس شعارًا يُرفع، بل أسلوب حياة يُمارَس تحت النار، إنها المدينة التي احترقت لتضيء الطريق للآخرين، وما زالت، رغم الجراح، تكتب رسالتها للعالم: "قد يُهدم الحجر، لكن لا يُهزم الإنسان".