مقالات الحدث
مقدمة: تعدد شكلي
العالم اليوم يبدو مزدحمًا بالدول، مليئًا بالأعلام، متشعبًا بالأصوات، لكن الحقيقة البسيطة أن هذا التعدد شكلي، وأن القرار في النهاية لا يتجاوز خمسة مكاتب.
تعدد الدول اسمي فقط، أما الحكم فمحصور في دائرة مغلقة تُدير الفوضى كما تُدار المصانع: بميزان ربحٍ وخسارة، لا بميزان عدلٍ وكرامة.
منذ نهاية الحرب الباردة، تشكّل نظام دولي يقوم على الخلاف المنضبط لا على الصدام.
الولايات المتحدة، الصين، روسيا، الاتحاد الأوروبي، ومعهم القوة المالية العالمية — هؤلاء هم حكّام الكوكب الفعليون.
يتبادلون الأدوار، يختلفون على الحصص، لكنهم لا يختلفون على القواعد:
لا حرب شاملة، لا انهيار للنظام المالي، ولا صعود لقوة محلية خارج وصايتهم.
إنه اتفاق غير مكتوب يقوم على أن الدم يُراقٍ فقط ضمن الحدود المسموح بها، وأن الخراب لا يجوز أن يطال مراكز القرار.
الحروب بالوكالة: الشعوب كوقود
الحروب التي نراها ليست إلا فصولًا من حرب عالمية باردة جديدة، تُدار فيها الجبهات بأدواتٍ محلية وشعوبٍ تُستعمل كوقود.
الجنود يموتون في الأطراف، والمستثمرون يربحون في العواصم.
تتبدل الشعارات، لكن الهدف ثابت: إبقاء خريطة العالم في حالة اضطرابٍ يمكن التحكم بها، لا تغييرٍ يمكن أن يهدد الخمسة الكبار.
إسرائيل: ذراع النظام الغربي في الشرق الأوسط
إسرائيل في هذا المشهد ليست دولة، بل ذراع من أذرع النظام الغربي.
قوتها ليست ذاتية، بل مشتقة من الدور الذي تؤديه: حارسٌ متقدّم للغرب في قلب المنطقة العربية، تحظى برضى الخمسة الكبار المهيمنين على العالم.
منذ وعد بلفور حتى اليوم، لم تكن مشروعًا يهوديًا بقدر ما كانت مشروعًا استراتيجيًا: تكسر أي احتمال لوحدة إقليمية، وتبقي الشرق الأوسط محتاجًا للحماية الغربية.
ولأنها تؤدي وظيفتها بكفاءة، تُكافأ بالدعم غير المشروط وبالسكوت الدولي على جرائمها.
هي ليست قوة عسكرية فحسب، بل محور ضبطٍ دائم للفوضى؛ تشتعل حولها الجبهات بينما تبقى وظيفتها ثابتة: موازنة وضبط إيقاع دول الإقليم تحت مظلة الخمسة الكبار.
الاقتصاد والسيطرة: مشروع أمني واقتصادي دائم
القرارات الدولية حين تتعلق بإسرائيل تبقى حبرًا على ورق، والمحاكم الأممية أصدرت أحكامًا بلا تنفيذ، والتعاطف العالمي انتهى إلى عجزٍ مطلق.
اقتصاديًا، خيرات العالم ومقدراته بيد قوى الاستكبار، وأكبر حصة بيد أمريكا، التي تضمن لإسرائيل البقاء كـمشروع أمني واقتصادي دائم.
الخاتمة
هكذا يبدو المشهد العالمي اليوم:
سلامٌ صناعي يُدار بإدارة الدم لا بإيقافه.
العالم لا يعيش حربًا كبرى، بل سلسلة حروب صغيرة مصممة بعناية لإبقاء النظام في توازنٍ مستمر.
كل دولة تؤدي دورها في المسرحية، لكن النص كتبته القوى الخمس الكبرى، ولن يُعاد كتابته إلا حين يظهر لاعب جديد لا يعترف بالقواعد القديمة.
حتى ذلك الحين، سيبقى النظام العالمي كما هو:
مئات الدول على الورق، خمسة حكّام في الواقع، وشعوب تُستَخدم لتوازن الكفة، لا لتغيّرها.
هذه حقيقة واقعية واضحة لمن يريد أن يرى اللعبة كما هي في عالم الأمم، ومن يختار أن يلعب داخل هذا العالم، كمن يلعب لعبة في عالم افتراضي، ولكنه مفروض عليه فعليًا.