الخميس  23 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

موهبة تصحيح الساسة

2025-10-23 10:28:03 AM
موهبة تصحيح الساسة

 

عندما طُلب من الشاعر الإيرلندي العظيم ويليام ييتس أن يكتب قصيدة عن الحرب، اعتبر المسألة ساذجة جدا، بل كتب قصيدة عن الحرب ترفض الحديث عن الحرب، وقال في مطلعها: "أعتقد أنه من الأفضل في مثل هذه الأوقات أن يصمت فم الشاعر، ففي الحقيقة، ليس لدينا موهبة لتصحيح رجل الدولة". وكانت القصيدة قصيرة جدا، غامضة في وضوحها، تثير تساؤلاتها باشتقاقها من حقيقة دور الشعر والشعراء زمن الحروب، لكن الأهم هو تحجيم هذا الدور، وأي دور إنساني آخر، عندما يتعلق الأمر بأوضاع الساسة أو سياساتهم العامة التي تُقاس بها إدارة الشؤون العظام، مثل شؤون الحرب.

ولا تُقاس السياسات هنا، وفي ظل المأساة المتفاقة في غزة، والواقع العدواني في الضفة الغربية، على سياسات صانعي الحرب تجاه الفلسطيني فقط، بل تمتد إلى سياسات الساسة الفلسطينيين باعتبارها سياسات مبتورة غير قابلة للامتداد للتعبير عن تطلعات وطنية متفق عليها. فالولادة جاءت بعيبها الخلقي معها منذ الانقسام في الفكر السياسي الفلسطيني في كيفية التعاطي مع المشروع الوطني والذي جاء على أساس متضارب ما بين اعتباره مسربا سلميا تفاوضيا، أم اعتباره طريق مواجهة مسلحة، وذلك رغم الاتفاق على العدو. وينسحب الأمر أيضا على الفلسطيني عموما، الذي فقد مقدرته على التعبير والتأثير، بل فقد أصالة فكرته عن كيفية مواجهة العدو، وعن جدوى مساراتها جميعا.

واليوم، تنكؤ غزة الجراح، وتضع سؤال جدوى ما حدث في 7 أكتوبر 2023، تحت مبضع النقد والنقض، ما بين اعتبارها مغامرة، ومشروعا غير محسوب العواقب، وما بين اعتبار ما حدث حقا مشروعا، لا يُقاس بزمانية آنية، ولا بحسابات الربح والخسارة. وليُعاد إنتاج غزة من جديد كمختبر قاس يختبرُ المواقف والأشخاص، وعمق الانحيازات ما بين قوة الحق، وحق القوة، والتي هي في صلبها مسألة إنسانية بحتة قبل كل شيء، بسيطة عندما تُبسط، ومعقدة عندما يجري تعقيدها. وذلك عندما يكون الفرد قادرا على حسم خياراته ومواقفه وقادرا على التلازم ما بين إنسانيته وواقعه.

وذلك مقترح يُكتب بترف، ومن خلف الشاشة، لكنه يتضمن معقولية الدفاع عنه باتجاهين، من واقعية سياسية لها حجتها في هشاشة الفلسطيني كضحية، ومن واقعية ثورية لها حجتها المستمدة من طول نفس الفلسطيني ومقدرته المذهلة في الحفاظ على استمرارية وجوده. وإلى أن يحسم الساسة الجدل فيما بينهم، فإن ييتس مازال يمكنه أن يقول إن تحجيم الإنسان أمام شؤون الحرب، هو تحرير له منها، ومن عبء الإصلاح المستحيل، فموهبة الشعر لا تحمل معها، في زمننا الحالي، موهبة إصلاح الساسة!