الأربعاء  29 تشرين الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مصر تعد رؤية شاملة للمرحلة الانتقالية وتحدد شروط التمويل

2025-10-28 07:01:36 AM
مصر تعد رؤية شاملة للمرحلة الانتقالية وتحدد شروط التمويل

متابعة الحدث

تعمل المؤسسات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية في مصر على بلورة رؤية شاملة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، ورسم حدود واضحة للدور المصري المحتمل، والذي يشمل ملفات حساسة كإعادة الإعمار، والإشراف عليها، والمشاركة في قوة دولية لحفظ السلام، إلى جانب تنظيم عملية تشغيل معبر رفح وضبط الحدود.

وبحسب مصادر مطّلعة، تضع القاهرة مجموعة من "الخطوط الحمراء" التي تعتبرها غير قابلة للتفاوض، أبرزها الرفض القاطع لأي سيناريو يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية. كما تشترط مصر عدم تحمل مسؤوليات أمنية مباشرة داخل القطاع دون توفير غطاء وضمانات دولية واضحة، إلى جانب تأمين آلية تمويل مستدامة لإعادة الإعمار وتشغيل المعابر والمشروعات المستقبلية.

وتشدد المصادر على أن أي دور مصري يجب أن يندرج ضمن إطار إقليمي ودولي منظم، بمشاركة الأمم المتحدة والدول المانحة، لضمان توزيع الأعباء وتحديد المسؤوليات بوضوح، وتفادي أي فراغ سياسي أو أمني محتمل في القطاع.

النقاشات حول القوة الدولية: مصر تتأهب لدور محوري

في ظل تزايد الحديث عن تشكيل قوة دولية لحفظ السلام بدعم أميركي، تتجه الأنظار نحو مصر التي تُعدّ الأكثر جاهزية لتولي دور محوري بفضل موقعها الجغرافي، وسجلها في الوساطة بين "حماس" وإسرائيل، وخبرتها في إدارة المعابر والتنسيق الأمني.

وفي هذا السياق، أوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن النقاشات الحالية لتشكيل القوة تسير على مستويين: الأول تحديد الدول المشاركة، والثاني صياغة مشروع قرار في مجلس الأمن يحدد اختصاصاتها ومدتها وآليات تمويلها، لضمان شرعيتها الأممية وتجنب تسييس عملها.

وتشير مصادر دبلوماسية غربية إلى تصور متداول داخل الأروقة الأميركية والأوروبية لنشر قوة "استقرار" متعددة الجنسيات، بغطاء من مجلس الأمن، تتولى مهام أمنية وإغاثية تشمل تدريب الشرطة الفلسطينية وإدارة المعابر وتأمين إعادة الإعمار. ومن المرجح أن تكون مصر في قلب هذا التشكيل، قيادةً أو مشاركةً لوجستية وميدانية، وهو ما تزامن مع إعلان القاهرة تدريب آلاف العناصر الفلسطينية تحضيراً للمرحلة الانتقالية.

المعابر والسيادة: تحدي ممر صلاح الدين

لا ينفصل الدور المصري المرتقب عن رؤية أوسع قائمة على أساس "الاستقرار مقابل التنمية"، والتي تجسّدت في الشراكة الاستراتيجية الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد الأوروبي يعتبر الدور المصري "صمام أمان" جنوب المتوسط و"حائط الصدّ الأخير" أمام الفوضى والهجرة، بينما تسعى القاهرة لاستعادة موقعها الإقليمي وتخفيف أزماتها الاقتصادية عبر الدعم الدولي المتوقع.

لكن الملف الأكثر حساسية يظل الحدود، خصوصاً مع استمرار سيطرة الجيش الإسرائيلي على ممر صلاح الدين (فيلادلفي) بطول 14 كيلومتراً. وتعتبر القاهرة ذلك مساساً مباشراً باتفاقياتها الأمنية وتوازنات سيناء.

وأعلنت مصر صراحة أن أي بقاء إسرائيلي دائم على الشريط الحدودي يمثل "خطاً أحمر"، وأن إعادة فتح معبر رفح لن تتم إلا بعودة إدارة فلسطينية للمعبر وخروج كامل للقوات الإسرائيلية من الجانب الفلسطيني، الأمر الذي يشكل إحدى العقبات الرئيسية أمام تنفيذ أي ترتيبات جديدة. فنجاح القوة الدولية سيتوقف على صيغة تحفظ السيادة المصرية وتضمن رقابة فاعلة على المعابر.

التمويل و"اليوم التالي": تعقيدات اقتصادية وسياسية

على الصعيد الاقتصادي، يتطلب الانخراط في ترتيبات أمنية طويلة الأمد التزامات مالية ضخمة، في وقت تواجه فيه القاهرة تحديات داخلية. لذا، تسعى مصر لربط مشاركتها بآلية تمويل خارجي مستقرة تشمل مساهمات أوروبية وخليجية، وهو ما بدأ يظهر في وعود التمويل الأوروبي الأخير.

أما التحدي السياسي الأعمق فيتمثل في هندسة "اليوم التالي" فلسطينياً. إذ لا يمكن لأي قوة دولية أن تنجح في غياب اتفاق فلسطيني داخلي حول إدارة غزة. وتجد القاهرة نفسها أمام مهمة التوفيق بين السلطة الفلسطينية و"حماس" وفصائل أخرى لتشكيل إدارة انتقالية مدنية-أمنية تحظى بشرعية داخلية. وبينما تطرح واشنطن وبعض العواصم الأوروبية صيغة "شرطة فلسطينية مدعومة"، تصر مصر على أن تكون ضمن منظومة فلسطينية موحدة لا تُقصي أي طرف، تفادياً لتحويل غزة إلى كيان أمني هش.