متابعة الحدث
عاد التوتر المشتعل إلى قطاع غزة مجدداً، حيث تتصاعد حدة التصعيد على خلفية ملف تبادل جثث المحتجزين بين إسرائيل وحركة حماس. ويعكس المشهد الحالي عمق التعقيدات السياسية والأمنية، إذ استأنفت إسرائيل هجماتها بالتزامن مع توجيه اتهامات متبادلة بشأن المسؤولية عن تأخير تسليم رفات القتلى. تصاعدت الأحداث بشكل دراماتيكي يوم الثلاثاء، بعد أن وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تعليمات للجيش بشن غارات "قوية وفورية" على القطاع، متهماً حركة حماس بـ"انتهاك وقف إطلاق النار".
الغارات الإسرائيلية تعود: اتهامات بانتهاك الهدنة
ارتبطت حدة التصعيد مباشرة بملف جثث المحتجزين، إذ نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي مقاطع فيديو زعم أنها تظهر عناصر من حماس وهم ينقلون الجثث ويعيدون دفنها، في ما اعتبرته محاولة لـ"تضليل" عملية التسليم. على الجانب الآخر، أكدت حماس أن إسرائيل تمنع دخول فرق مشتركة من الصليب الأحمر وممثلين عن الحركة للقيام بمهمة تحديد مواقع الجثث وتسليمها، معلنةً تأجيل تسليم رفات أحد الرهائن التي تم العثور عليها بسبب "الانتهاكات الإسرائيلية". وقد أفادت التطورات الأخيرة بتسلم إسرائيل يوم الإثنين رفات أحد الرهائن عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فيما أكدت حماس أن أعمال البحث عن الجثامين مستمرة بمساعدة فرق فنية مصرية متخصصة.
حسابات سياسية واستراتيجية تزيد من التعقيد
وفيما يبدو فإن الحسابات السياسية تلقي بظلالها على الأحداث، فحماس تسعى للحفاظ على وجودها السياسي والأمني في غزة، والاحتفاظ بسلاحها كورقة ضغط مركزية، بينما يسعى نتنياهو لتعزيز صورته أمام اليمين الإسرائيلي وإعلان "النصر المطلق" المزعوم بعد أحداث 7 أكتوبر 2023. وبينما تتهم دولة الاحتلال حماس عمداً بتأخير التسليم، تبرر الحركة ذلك بـ"صعوبات لوجستية وتقنية" وقيود الاحتلال على دخول المعدات، مؤكدةً أن القصف الإسرائيلي قد غيّر طبيعة الأرض في القطاع وجعل تحديد أماكن الدفن أمراً معقداً.
الضوء الأخضر الأميركي.. استيعاب للغضب اليميني
في نفس الوقت فقد منحت الولايات المتحدة نتنياهو "الضوء الأخضر" للقيام بضربات "محدودة"، بهدف امتصاص غضب اليمين المتطرف والحريديم الذين يخططون لتظاهرات مليونية ضد الحكومة الإسرائيلية. ويُفسر هذا التحرك بأنه مرونة مرحلية تهدف للحفاظ على الاتفاق وعدم السماح بانهياره، ويحرص الرئيس الأميركي على استكمال الاتفاق، ولو جزئياً، لتعزيز صورته كـ"صانع سلام عالمي" والسعي للحصول على اعتراف دولي وجائزة نوبل للسلام. وتحاول واشنطن أن تمنح نتنياهو متنفساً للقيام بعمليات عسكرية مع التحكم في وصول المساعدات الإنسانية، لكي لا تظهر الإدارة الأميركية عاجزة عن ضبط الأمور.
جهود مصرية لإنقاذ الاتفاق.. "دبلوماسية الاستخبارات" والمساعدة الفنية
وتلعب القاهرة دور الوسيط الفاعل بالتنسيق مع واشنطن، مستندة إلى "دبلوماسية الاستخبارات"، حيث يمتلك مدير الاستخبارات المصرية تفويضاً رئاسياً لحلحلة الأزمة. وتتركز الجهود المصرية على تقديم المعدات التقنية واللوجستية لتسهيل العثور على الجثث، وقد دفعت القاهرة بالفعل بمعدات وفرق متخصصة للمساعدة في عمليات انتشال جثث المحتجزين الإسرائيليين كجزء من جهودها لإنجاح الاتفاق.
كما تشمل الجهود المصرية اقتراح تجميد السلاح بدلاً من تسليمه، وتنظيم مؤتمر لإعادة الإعمار في نوفمبر بتكلفة أقل وفترة زمنية مختصرة. ويؤكد هذا التدخل جدية القاهرة في تقريب وجهات النظر ومحاولة تقديم حلول مرحلية تحفظ الاستقرار النسبي في المنطقة وتمنع انفجار الوضع مجدداً، بينما تجري لقاءات في القاهرة بين وفدي حماس وفتح لبحث ملفات تتعلق باتفاق وقف إطلاق النار.
تحديات المستقبل: معضلة "النصر والهزيمة"
إن "حسابات النصر والهزيمة" تجعل تنفيذ الاتفاق معقداً للغاية، فنتنياهو يسعى لاستثمار المراحل الثلاث للاتفاق لتحقيق انتصار سياسي وعسكري ملموس، بينما تحاول حماس الحفاظ على قوتها ووجودها في القطاع. وبذلك، تصبح كل مرحلة من الاتفاق محاطة بعقبات مستمرة، حتى لو تم التوصل إلى حلول مرحلية مؤقتة. كما أن الاتفاق المرحلي الحالي لا يسعى لتقديم حلول جذرية أو دائمة، بل يهدف إلى منع انهيار الوضع وإعادة إشعال الصراع، مع محاولة ضبط التوازنات بين دولة الاحتلال، وحماس، والولايات المتحدة، ومصر.