ترجمة الحدث
تتواصل فصول القضية المثيرة المرتبطة بوصول 153 فلسطينيًا من قطاع غزة إلى جنوب أفريقيا من دون وثائق سفر رسمية، بينما تتكشف تدريجيًا معالم شبكة معقدة تقف خلف هذه الرحلة الغامضة. وتشير المعطيات المتداولة في الإعلام العبري إلى أن مؤسسة تُدعى “المجد أوروبا” كانت الجهة المركزية في تنسيق العملية، التي بدأت من رفح مرورًا بمطار رامون، ثم إلى كينيا، قبل أن تحط الطائرة في جوهانسبورغ.
وبحسب تحقيقات نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن “المجد أوروبا” تواصلت مع “مديرية الهجرة” التابعة لوزارة جيش الاحتلال؛ وهي وحدة أُنشئت مؤخرًا بقرار من وزير جيش الاحتلال إسرائيل كاتس. المديرية حوّلت بدورها بيانات الفلسطينيين الـ153 إلى وحدة “منسق أعمال الحكومة” في الأراضي المحتلة، ما يربط المؤسسة بشكل مباشر بجهاز إداري عسكري يتولى إدارة شؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال.
وفي المقابل، أصدرت وزارة خارجية جنوب أفريقيا بيانًا ناريًا حذّرت فيه من “مشروع تطهير عرقي بحق الفلسطينيين في غزة”، معربة عن قلقها من خلفيات هذه الرحلة. صحيفة هآرتس نشرت بدورها تحقيقًا موسّعًا يكشف أن “المجد أوروبا” مملوكة لشركة “تالنت غلوبوس”، التي أسسها الإسرائيلي–الإستوني تومر يانار ليند. وتُظهر صفحته على “لينكد إن” شبكة علاقات واسعة في الخليج، خصوصًا الإمارات وقطر، إلى جانب شركة استشارات يدّعي أنها تعمل من دبي، ما يثير أسئلة إضافية حول طبيعة نشاطه وكيفية توظيف هذه الشبكات في تشغيل رحلات من غزة. أما الفلسطينيون الذين وجدوا أنفسهم في مطار جوهانسبورغ، فقد تحدثوا عن احتجازهم نحو 12 ساعة في ظروف قاسية، بعد وصولهم على متن رحلة “تشارتر” تابعة لشركة رومانية تُدعى FlyLili.
وكشف موقع ديلي مافريك الجنوب أفريقي أن بعض الركاب كانوا يحملون تذاكر سفر إلى كندا وأستراليا، وأن غالبيتهم اعتقدوا أن وجهتهم النهائية ستكون الهند، ما يعزز الفرضيات المتعلقة بوجود تضليل متعمد في عملية النقل. وتتسع الشبهات حول الأشخاص المرتبطين بمؤسسة “المجد أوروبا”، إذ يظهر اسم مؤيّد صيدم كأحد أبرز الوجوه الناشطة في المشروع. وتشير البيانات إلى أن رقم هاتفه مسجّل باسم مالك نادٍ رياضي قديم في مخيم النصيرات، فيما نشر صيدم في يونيو/حزيران الماضي صورة له على متن طائرة Fly Lili ذاتها، مرفقة بعبارة لافتة قال فيها: “غادرت قطاع غزة… ولن أعود. غادرت أرض الحرب والجوع والجهل”.
وتصفه بعض المواقع بأنه “مدير للمشاريع الإنسانية في غزة”، إلى جانب شخص آخر يُدعى “عدنان” يقدم نفسه كـ“منسق مشاريع إنسانية في القدس”. ورغم كثافة الواجهات والشعارات “الإنسانية”، لا تمتلك الشركة أي عنوان فعلي أو رقم اتصال رسمي، بينما يدّعي موقعها الإلكتروني وجود مقر لها في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وهو ادّعاء لم يتم العثور على أي دليل يثبته ميدانيًا. أما البريد الإلكتروني المنشور على الموقع، فيُعيد رسالة آلية تفيد بأن العنوان غير موجود أساسًا، ما يضيف طبقة جديدة من الغموض إلى نشاط هذه الشبكة. تُظهر هذه المعلومات المتقاطعة أن القضية تتجاوز كونها رحلة “إجلاء إنساني”، لتتحول إلى ملف متشابك تتداخل فيه شركات خاصة مشبوهة مع وحدات عسكرية في وزارة حرب الاحتلال، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات الجنوب أفريقية من احتمال استغلال معاناة سكان غزة في عمليات تهجير غير قانونية تحت غطاء إنساني مضلل.
