الحدث لايت
أثارت نتائج دراسة أميركية حديثة مخاوف متصاعدة بشأن العلاقة المتدهورة بين الأجيال الشابة ووسائل الإعلام التقليدية، بعد أن أظهرت أن غالبية المراهقين ينظرون إلى الأخبار اليوم بقدر كبير من الريبة وعدم الثقة.
فقد بينت الدراسة، التي شملت فئة عمرية بين 13 و18 عاماً، أن صورة الصحافة في أذهان المراهقين باتت مشوشة، ومشحونة بأفكار سلبية، في وقت تعاني فيه المؤسسات الصحافية أصلاً من تراجع الإيرادات وتقلص غرف الأخبار، وفق وكالة "أسوشييتد برس".
[أخبار زائفة على مدار الأسبوع من نوبل ترمب إلى تكريم الطيران الأميركي لبوتين] فيديو العربيةأخبار زائفة على مدار الأسبوع من نوبل ترمب إلى تكريم الطيران الأميركي لبوتين
في المقابل، يصرّ بعض الشباب المهتمين بالمهنة على أن المشكلة لا تتعلق فقط بالمراهقين، بل أيضاً بضمور الثقافة الإعلامية، وهيمنة المحتوى المتحيز والمعلومات المضلّلة، وتراجع حضور الصحافة الجادّة في حياتهم اليومية.
تعليقات سلبية وسط فوضى إعلامية
وحين سُئل المراهقون عن كلمة واحدة تصف الإعلام اليوم، جاءت 84% من الإجابات سلبية، مثل "متحيز، مزعج، ممل، كاذب، محبط، أو مشوش".
أما الأخطر فتجسد في اعتقاد نصف المستطلعين تقريباً أن الصحافيين قد يتعمّدون اختلاق التفاصيل، أو دفع المال للمصادر أو اجتزاء الصور من سياقها.
بينما رأى أقل من ثلثهم أن الصحافيين يدققون الحقائق أو يصححون أخطاءهم أو يعملون لخدمة المصلحة العامة.
فيما أوضح الباحثون أن هذه الأحكام ليست بمعزل عن المناخ السياسي الأميركي، إذ نشأ هؤلاء المراهقون في زمن تكررت فيه عبارة "الأخبار الكاذبة"، واشتدت فيه الاستقطابات السياسية، وتزايدت فيه الاتهامات للإعلام بالتآمر والتحيز.
لكنّهم أكدوا أيضاً أن جزءاً كبيراً من المشكلة يعود إلى "سوء الفهم" وليس إلى الواقع. فالمراهقون يندر أن يتعرّضوا لعمل صحافي مهني بُني على قواعد التحقق، ويجري استهلاكهم للمحتوى عبر منصات لا تميّز بين الخبر والرأي والترفيه.
جيل بلا عادة إخبارية
وأشارت شهادات طلاب جامعات في مدارس مرموقة للصحافة، مثل جامعة نورث وسترن وميريلاند، إلى أن كثيراً من زملائهم لا يطالعون الأخبار أساساً، وأنهم يعتمدون على شبكات التواصل أو "مقاطع عابرة" لتكوين آرائهم. كما اعترف البعض بأنهم لم يكبروا في منازل كانت تتابع الأخبار، وبالتالي لم تتكوّن لديهم عادة الاطلاع اليومي على ما يجري في العالم.
بل إن بعضهم يعتقد أن الصحف موجودة لحماية المسؤولين، لا لمحاسبتهم، وهو تشوّه عميق في فهم الدور التاريخي للإعلام.
دور غائب للمدارس
وبحسب الدراسة، فإن أحد المداخل الممكنة لمعالجة الأزمة هو تعزيز "الثقافة الإخبارية" داخل المدارس، وهو ما يعمل عليه خبراء في مؤسسات أميركية مثل "مركز محو الأمية الإعلامية" في جامعة ستوني بروك. حيث تعمل هذه البرامج على تعريف الطلاب بكيفية عمل غرف الأخبار، وفحص المصادر، والتفريق بين رأي مدوّن وخبر مهني، وبحسب التجارب الأولية، كلما ازدادت معرفة الطلاب بالممارسات الصحافية الحقيقية، تراجعت نظرتهم السلبية تجاه الإعلام.
لكنّ المشكلة هي أن هذه البرامج لا تزال قليلة، وكثير من المدارس يخشى الخوض في مجال يرى البعض أنه "سياسي"، فضلاً عن ازدحام المناهج الدراسية.
جيل متحفّز للتغيير
إلا أنه رغم الصورة القاتمة، فهناك شريحة من الشباب ترى في هذه التحديات حافزاً لا عائقاً. وهؤلاء يرغبون في إعادة بناء الثقة من الداخل، ويؤكدون أن الصحافة يجب أن "تذهب إلى حيث يوجد الجمهور"، عبر وسائل وطرق تواصل حديثة، بدلاً من انتظار أن يعود الشباب إلى الصحف التقليدية.
لكنه تحدٍّ يتطلب جهوداً متزامنة تشمل: تحسين أخلاقيات المهنة، ومواجهة المعلومات المضللة، وإعادة بناء العلاقات مع الجمهور، وتعليم الأجيال كيفية قراءة الأخبار بشكل نقدي ومسؤول. وبدون جيل جديد يؤمن بقيمة الصحافة، قد تجد الصناعة نفسها أمام "فجوة تاريخية" تهدد مستقبلها لعقود مقبلة.
