الحدث الاقتصادي
قال تقرير لوكالة الأناضول إن الولايات المتحدة لا تكتفي بدعم الاحتلال عسكريا وسياسيا على المستوى الرسمي، بل تغض الطرف أيضا عن الدعم المالي الكبير الذي تقدمه جهات أميركية غير حكومية للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها شرقي القدس.
ورغم الدور الضخم لهذه الجهات، فإن أسماء الشخصيات والمنظمات الأميركية التي تموّل الاستيطان بمبالغ هائلة لا تزال نادرة الظهور أو الكشف. ولا تعلن أغلب جمعيات الاستيطان لدى الاحتلال ميزانياتها أو مصادر تمويلها، لكن معظم الأموال، وفق الإعلام العبري، تأتي من يهود الولايات المتحدة عبر منظمات أميركية غير ربحية، أبرزها "الصندوق المركزي الإسرائيلي".
وبحسب التقرير، تأسس الصندوق على يد الزوجين هداسا وآرثر ماركوس في مانهاتن عام 1979 كمنظمة غير ربحية، ويتولى ابنهما غاي رئاسته بينما يشغل شقيقه إيتمار منصب نائب الرئيس. ويدير غاي الصندوق من مكتبه في نيويورك أو من منزله في مستوطنة إفرات بالضفة الغربية، ويقوم سنويا بتحويل ملايين الدولارات إلى الاحتلال لتمويل الاستيطان، وفق صحيفة "هآرتس".
ويقدّم الصندوق نفسه باعتباره وسيطا ماليا "غير بيروقراطي" يضمن وصول التبرعات الأميركية إلى الاحتلال دون خصومات أو إجراءات ضريبية، ويفتخر بتمويل أكثر من 504 جمعيات ومنظمات تابعة للاحتلال.
ويتبنى الصندوق خطابا يروّج لدعم "مجتمع إسرائيلي قوي" ولتشجيع اليهود على "العيش في أرض الأجداد"، بحسب موقعه. وقد مُنح عام 1994 جائزة "عمدة القدس للمنظمات التطوعية البارزة"، كما يحظى بإشادة دينية وسياسية.
ولا تقتصر أمواله على دعم البناء الاستيطاني، بل تشمل تمويل التعليم الديني المتطرف، وتقديم مساعدات لعائلات مستوطنين مدانين بجرائم إرهابية ضد فلسطينيين. ويؤكد الصندوق سرية مطلقة لمعلومات المتبرعين، ويرفض عادة الكشف عن مصادر تمويله، إذ سبق أن حاول صحفيون في "هآرتس" التواصل مع غاي ماركوس دون جدوى.
وتُظهر بيانات الصندوق أن التبرعات بلغت عام 2024 نحو 95 مليون دولار، فيما تلقت 505 جمعيات في 2023 نحو 96 مليون دولار، خُصص منها 41 مليونا للمجتمع، و35 مليونا للخدمات الاجتماعية والإنسانية، و12.3 مليونا للتعليم، و3.6 ملايين للدين والروحانيات، و470 ألفا للقطاع الطبي.
ونشرت "يديعوت أحرونوت" أن أكثر من 100 مليون دولار من التبرعات الأميركية وصلت إلى الاحتلال خلال العقد الماضي عبر الصندوق وجهات أخرى، بينما أفادت "ذا ماركر" بأن الصندوق وحده يحوّل سنويا نحو 100 مليون دولار لمنظمات يمينية.
وذكرت "نيويورك تايمز" عام 2010 أنه قدم 13 مليون دولار لأكثر من 250 منظمة، كما جمعت تبرعاته في 2013 ما يزيد على 19 مليون دولار. وفي 2023 كشفت "ذا ماركر" أن الملياردير الأميركي آرثر دانتشيك تبرع بـ12 مليون دولار وصلت عبر مؤسسة أبحاث أميركية إلى الصندوق، في واقعة نادرة وسط السرية التي يعتمدها.
ووصل دعم الصندوق إلى مستوطنات كثيرة بينها "غوش عتصيون" و"إفرات" و"إيتمار" و"بيت إيل" و"كريات أربع"، كما موّل مؤسسات متشددة أبرزها مدرسة "يوسف ما يزال حيا" في مستوطنة "يتسهار"، ومنظمة "إم ترتسو" اليمينية المتطرفة التي تدعو لطرد العرب من الجامعات، وقد حصلت على 5.5 ملايين شيكل خلال العقد الماضي.
كما يدعم الصندوق حركة "نساء بالأخضر" التي تعارض اتفاقيات أوسلو وتروج للاستيطان، إضافة إلى منظمة "هانونو" التي تقدم الدعم المالي والقانوني للمتطرفين اليهود المتهمين بجرائم كراهية ضد العرب.
وتتزامن هذه التدفقات المالية مع توسع استيطاني غير مسبوق في الضفة الغربية، حيث أقام الاحتلال مئات المستوطنات التي يقطنها أكثر من 700 ألف مستوطن يمارس كثير منهم اعتداءات يومية بحق الفلسطينيين بهدف تهجيرهم قسريا. وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي المحتلة غير قانوني وتطالب بوقفه دون نتيجة.
وبالتوازي مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ تشرين الأول 2023، كثف الاحتلال جرائمه في الضفة، بما في ذلك التوسع الاستيطاني تمهيدا لضمها رسميا.
ومنذ بداية العدوان ، قتل جيش الاحتلال والمستوطنون ما لا يقل عن 1085 فلسطينيا في الضفة والقدس، وأصابوا نحو 11 ألفا، واعتقلوا أكثر من 20 ألفا و500 شخص، وفق بيانات رسمية.
