الخميس  04 كانون الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تقرير رسمي إسرائيلي يعترف بتجويع الأسرى الفلسطينيين

2025-12-04 09:35:25 AM
تقرير رسمي إسرائيلي يعترف بتجويع الأسرى الفلسطينيين
توضيحية

الحدث الإسرائيلي

تكشف هيئة الدفاع العام في وزارة قضاء الاحتلال في تقرير مطوّل امتد على عشرات الصفحات، صورة صادمة عن واقع مراكز التوقيف والسجون خلال عامي 2023 و2024، وهي الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب على قطاع غزة وما واكبها من حملات اعتقال ضخمة طالت الفلسطينيين في الضفة الغربية وداخل أراضي الـ48، إلى جانب معتقلين من جنسيات مختلفة.

 وتقدّم الهيئة، بصفتها الجهة الرسمية المكلّفة بمتابعة ظروف الاحتجاز، وصفًا لانهيار بنية السجون الإسرائيلية وتحوّلها إلى بيئات خانقة تتآكل فيها المساحة المتاحة للأسرى، وتنعدم شروط النظافة والتهوية، فيما يتراجع الحد الأدنى من القدرة على النوم والحركة واحترام أبسط المتطلبات الإنسانية. وتشير الهيئة إلى أن المعايير القانونية الإسرائيلية نفسها، بما في ذلك قرارات المحكمة العليا لدى الاحتلال، كانت قد حدّدت منذ سنوات مساحة دنيا لا تقلّ عن 4.5 متر مربع للأسير الواحد، باعتبارها شرطًا أساسيًا لصون الكرامة الإنسانية. 

إلا أنّ الواقع الذي كشفت عنه الزيارات الميدانية خلال العامين الأخيرين جاء بعيدًا عن هذه المعايير، بعدما تجاوز عدد الأسرى السعة القانونية القصوى للسجون التي لا يفترض أن تستوعب أكثر من 14,500 شخص، قافزًا إلى أكثر من 23,000 مع نهاية 2024. وقد انعكس هذا الارتفاع على شكل تكدّس حاد، يعيش فيه أكثر من 60% من الأسرى ضمن مساحة تقلّ عن ثلاثة أمتار مربعة، فيما ينام الآلاف—خصوصًا من الأسرى الفلسطينيين—على الأرض لغياب الأسرة واشتداد الاكتظاظ، وسط ظروف إغلاق شبه كامل داخل الزنازين تمتد 23 ساعة يوميًا. ولا تتوقف الأزمة عند حدود الاكتظاظ، بل تمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية التي وثّقها التقرير بوضوح. 

فبعض الزنازين باتت ضيقة لدرجة تمنع الأسرى من الحركة أو حتى مدّ أرجلهم براحة، فيما يجد آخرون أنفسهم مضطرين للقفز فوق أجساد ومراتب ممتدة على الأرض من أجل الوصول إلى المرحاض أو المغسلة. وفي زيارات لمراكز توقيف مثل “نيتسان”، لم يتمكن المفتشون من دخول بعض الزنازين بسبب انعدام الحيّز. وفي حالات أخرى، شوهد أسير نائم تحت المغسلة لعدم وجود مكان آخر، وآخر بجانب المرحاض مباشرة، بينما اضطر أسير مبتور الساق إلى البقاء على سرير منخفض ملاصق لأرضية الزنزانة الضيقة، فيما جلس أسير آخر على كرسي متحرك طوال ساعات النهار لأن المكان ببساطة لا يتسع لهما معًا. 

وفي زنازين أخرى، قال أسرى إن النوم على الأرض أصبح خيارًا مقصودًا هربًا من تفشّي “بقّ الفراش” في الأسرة والمراتب. ويمتد الانهيار إلى بنية السجون المادية، حيث الرطوبة والعفن وتسرّب المياه من الأسقف والجدران، إلى جانب روائح الصرف الصحي، والافتقار إلى تجهيزات استحمام مناسبة. ففي بعض السجون، يجبر الأسرى على الاستحمام فوق مراحيض “الحفرة”، بينما يلجأ آخرون إلى استخدام زجاجات بلاستيكية مثقوبة بدل رؤوس الدش المفقودة. وفي سجون مثل الرملة وأيالون، وردت شكاوى واسعة عن فئران تدخل الزنازين عبر فتحات الصرف، وعن اضطرار الأسرى لوضع أواني الطعام داخل الحمام لعدم وجود أي مساحة تخزين أخرى. ويكشف التقرير أيضًا انهيارًا شاملاً في منظومة الفصل بين الفئات، وهو مبدأ قانوني ينصّ عليه النظام الداخلي للسجون الإسرائيلية. 

فقد رُصد احتجاز أسرى قيد التحقيق مع مدانين، ودمج أسرى فلسطينيين مع آخرين جنائيين، إضافة إلى احتجاز قاصرين في زنازين مكتظة تفتقر لأدنى مقومات الرعاية، ووجود نساء في أجنحة تصفها الهيئة نفسها بأنها “غير صالحة للسكن”. 

وأدّى هذا الخلط إلى حرمان كثير من الأسرى من حقوق أساسية كالحديث الهاتفي أو الخروج لفترات التهوية لأنهم وضعوا ضمن فئة لا يحق لها ذلك. لكنّ أحد أخطر ما كشفه التقرير هو سياسة التجويع وسوء التغذية، التي اعتبرتها الهيئة جزءًا بنيويًا من الانهيار العام في مرافق الاعتقال. فقد أوضح أن الطعام الذي يقدَّم غالبًا “غير صالح للأكل”، وأن الأسرى يضطرون إلى رمي الجزء الأكبر منه بسبب رداءة الطهي أو فساد الوجبات، فيما اشتكى أسرى في أحد الأقسام عام 2024 من أنهم لا يحصلون على كمية كافية من الخبز يوميًا، وأن الوجبات المقدمة “فقيرة، قليلة، ومنخفضة الجودة”.

 وتتعمّق أزمة التجويع في مراكز التوقيف، حيث وثّقت الهيئة حالات حصل فيها أسرى على وجبة ساخنة واحدة فقط كل يومين، بينما قُدّمت لهم طوال باقي الأيام مجرد “وجبات باردة” لا تكفي لاحتياجات الجسم الأساسية. وقد أكد أحد الأسرى أنه بقي ثمانية أيام في التوقيف، ولم يحصل على طعام حقيقي إلا مرة واحدة، ما أدى إلى حالات ضعف عام وفقدان وزن، وهي مؤشرات ترافقت لاحقًا مع برامج فحص طبي لدى الاحتلال قيست خلالها مؤشرات كتلة الجسم (BMI)، وأظهرت أنّ عددًا من الأسرى باتوا يعانون “سوء التغذية” التي يصنفها تقرير المنظمة الصحية العالمية كحالة خطر طبي واضح. 

ويشير التقرير إلى أنّ هذه المشكلة ليست طارئة أو ظرفية، بل مرتبطة ببنية السجون نفسها، حيث يُختزل الطعام في الحد الأدنى الذي “يبقي الأسير على قيد الحياة دون أن يضمن له حياة إنسانية”، على حد وصف الهيئة. ويذكّر التقرير بأن الأسرى يضطرون إلى الاعتماد على أطعمة فقيرة لا تغطي الاحتياجات اليومية من السعرات، بينما يُحرمون من الخضروات الطازجة وبروتينات كافية، في بيئة تتسم أصلًا بالاكتظاظ والرطوبة وسوء التهوية، ما يجعل تأثير التجويع مضاعفًا.

 ويشير التقرير إلى أنّ ما يجري “ليس خللًا مؤقتًا”، بل أزمة مستمرة تمسّ جوهر الكرامة الإنسانية للأسرى، وتحوّل السجون إلى بيئات معادية للحياة. وتقول الهيئة إن الكلمات “لا تكفي لوصف شعور الأسير داخل المكان”، وإن مشاهد الاكتظاظ والرطوبة والتجويع وغياب التهوية “تتجاوز القدرة على التصوير اللفظي”، داعية إلى تدخل عاجل وشامل يعيد بناء البنية التحتية للسجون ويقلّص عدد الأسرى بصورة جذرية، لأن استمرار هذا الواقع يعني، ببساطة، توسيع دائرة الانتهاكات التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل منظومة احتجاز تعمل خارج أي معيار إنساني.