متابعة الحدث: أحمد النجار
بينما يحتفل العالم في الثالث من ديسمبر/كانون الأول بـ اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، تتحول الأرقام في قطاع غزة إلى صرخة إنسانية مدوية. ففي خضم عدوان الإبادة الإسرائيلية المستمرة، لم يعد هذا اليوم مجرد مناسبة لتسليط الضوء على حقوق الإدماج، بل أصبح وقفة أمام كارثة إنسانية حقيقية، حيث تشير التقارير الأولية إلى تسجيل أكثر من 6000 حالة بتر في الأطراف منذ بدء العدوان الأخير، تاركاً وراءه جيلاً جديداً من ضحايا الإعاقة الدائمة، غالبيتهم العظمى من الأطفال.
أطفال غزة.. جيل الإعاقة القسري
أفاد تقرير صادر عن منظمة اليونيسف مؤخراً بأن أعداد الأطفال الذين يعانون من إصابات بليغة وبتر في الأطراف في غزة ارتفعت بشكل غير مسبوق. وهم أطفال لم تتح لهم فرصة "شق طريقهم في الحياة بعد"، ليجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة واقع البتر القسري نتيجة القصف الإسرائيلي المكثف والعشوائي الذي استهدف منازلهم ومناطق سكنهم.
وتشكل نسبة الأطفال بين ضحايا البتر رقماً مروعاً يعكس الطبيعة الكارثية لهذه الحرب. فإصابات البتر، سواء كانت بترًا كاملاً أو جزئياً، ليست مجرد جروح جسدية؛ إنها تغيير جذري لمسار حياة هؤلاء الصغار، يتطلب سنوات طويلة من إعادة التأهيل الجسدي والنفسي والمجتمعي، وهو ما يفتقر إليه قطاع غزة المحاصر والمُدمر. ويواجه هؤلاء الأطفال الآن تحديات مضاعفة: الألم المزمن، الصدمة النفسية العميقة، ثم رحلة التكيف مع طرف صناعي قد يكون من الصعب توفيره في ظل الظروف الحالية.
نظام صحي منهار أمام "جبل" البتر
تمثل أعداد الضحايا الذين يعانون من البتر تحدياً هائلاً لأي نظام صحي، فكيف بنظام صحي في قطاع غزة يمر بأسوأ مراحل انهياره؟ فقد دُمرت معظم المستشفيات أو خرجت عن الخدمة بسبب القصف ونقص الوقود والمستلزمات. ويواجه الأطباء نقصاً كارثياً في المعدات والأدوية، مما يجبرهم في كثير من الأحيان على اتخاذ قرارات صعبة، بما في ذلك إجراء عمليات البتر دون تخدير كافٍ أو في ظروف معقمة بدائية، لتفادي الوفاة بسبب الغرغرينا أو النزيف.
وفي أي وضع طبيعي، تحتاج حالات البتر إلى سلسلة متكاملة من الرعاية، تبدأ بالجراحة وتنتهي بإعادة التأهيل البدني والنفسي وتوفير الأطراف الصناعية. وفي غزة، توقفت هذه السلسلة تقريباً. مراكز الأطراف الصناعية إما تعرضت للتدمير أو لا يمكن الوصول إليها، والموارد المتاحة لا تكفي لتلبية جزء ضئيل من هذا الاحتياج المتضخم.
تحدي الإعاقة المزدوجة: النزوح والألم
تتفاقم معاناة المصابين بحالات البتر نتيجة حالة النزوح القسري التي يعيشونها. فالمصاب الذي فقد طرفه يجد نفسه وعائلته مشردين، يعيشون في خيام أو ملاجئ مكتظة تفتقر لأدنى مقومات الحياة. الحركة والتنقل، وهما أبسط الحقوق، يصبحان تحدياً يومياً يضاف إلى آلامهم. هذه البيئة العدائية، المليئة بالخوف وعدم اليقين، تضاعف من العبء النفسي للإعاقة. الأطفال والعائلات يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق، والاكتئاب. فعمليات البتر هي جزء من صدمة جماعية أوسع، حيث تتداخل خسارة الجسد مع خسارة الأهل والمنزل والأمان. إنهم ضحايا حرب، تحولت إعاقتهم إلى شاهد حي على العنف الممارس ضد المدنيين.
أرقام وإحصائيات تحت القصف
تُعتبر الأرقام المعلنة حتى الآن، والتي تجاوزت الـ 6000 حالة بتر، أرقاماً أولية، حيث أن الواقع قد يكون أسوأ بكثير بسبب صعوبة الوصول إلى جميع المصابين وعدم اكتمال عمليات الإحصاء في مناطق القتال. وقبل العدوان الأخير، كان قطاع غزة يضم بالفعل نسبة مرتفعة من الأشخاص ذوي الإعاقة نتيجة الحروب السابقة والحصار، ولكن الكارثة الحالية وضعت عبئاً غير مسبوق على القطاع.
ولا تشمل هذه الإعاقات الجديدة فقط البتر، بل تشمل أيضاً حالات الشلل، والإصابات الدماغية، والعمى، والصمم، وجميعها ناتجة عن القصف المباشر أو انهيار المباني. إنها شهادة على أن تأثير الحرب سيمتد لـ عقود قادمة، وسيُشكل تحدياً كبيراً للمجتمع الغزي لإعادة تأهيل وإدماج هذا العدد الهائل من المعاقين حديثاً في ظل دمار البنية التحتية والمؤسسات.
نداء عاجل للعالم
في اليوم العالمي لذوي الإعاقة، يتطلب الأمر أولا العمل على وقف إطلاق النار لإنهاء نزيف الدم وإيقاف تزايد أعداد المصابين. وإدخال المساعدات الطبية المتخصصة وتوفير المعدات الجراحية والمخدرات وأدوية معالجة الجروح والأطراف الصناعية ومواد إعادة التأهيل. كما يتسلزم توفير الدعم النفسي عبر إنشاء ممرات آمنة لإخراج الحالات المعقدة، وتوفير فرق دعم نفسي اجتماعي متنقلة لتقديم العون للمصابين وعائلاتهم في أماكن النزوح.
