السبت  06 كانون الأول 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تحليل الحدث | تعديل المرحلة الثانية لـ "ترسيخ تقسيم غزة"

2025-12-06 08:34:55 AM
تحليل الحدث | تعديل المرحلة الثانية لـ
فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

تحليل الحدث

أثار تصريح عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب حول "تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة"، تكهنات واسعة وتساؤلات عميقة بشأن طبيعة هذا التعديل وتأثيره المحتمل على مسار الاتفاق الذي وُقّع في أكتوبر الماضي. هذا الحديث المفاجئ وغير الواضح المعالم، الذي لم يوضح ترمب تفاصيله الدقيقة، جاء في توقيت حرج، وسط تصاعد القلق الدولي من تعثر تنفيذ بنود المرحلة الأولى وعدم إحراز تقدم ملموس على الأرض، خاصة في ظل استمرار سيطرة القوات الإسرائيلية على مساحات واسعة من القطاع.

التعديل قد يُفضي إلى تطبيق "البند 17" وتقسيم القطاع

هذا الغموض المتعمد في تصريحات ترمب قد يشير إلى تغيير جوهري في الخطة الموضوعة لتنفيذ بنود الاتفاق. فبدلاً من الالتزام بالمسار الأصلي، الذي كان يفترض الذهاب نحو انسحاب إسرائيلي كامل من القطاع - حيث تسيطر القوات الإسرائيلية حالياً على ما يقدر بنسبة 55% منه - والمضي في عملية نزع سلاح حركة "حماس"، فإن التوجه الجديد قد يكون باتجاه تفعيل ما يُعرف بـ "البند 17".

هذا البند، الذي يمثل نقطة محورية في الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، ينص بوضوح على أنه "في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية مما يوصف بـ "الإرهاب" التي يسلّمها جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية." وتكمن خطورة تفعيل هذا البند في أنه يفتح الباب أمام تطبيق منفرد لخطة السلام، دون الالتزام الكامل بترتيباتها الزمنية والموضوعية، مما يرسخ واقعاً جديداً على الأرض.

"البند 17" ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية

هذا التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق، كما يعتقد البعض، هو تحديداً اللجوء لـ"البند 17". وهذا التفعيل يرسخ فعلياً تقسيم غزة إلى شطرين: غزة قديمة وأخرى جديدة، وهو الطرح الذي كان يُناقش ويُطرح بقوة من قبل المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، خلال لقاءاته الشهر الماضي. ويشير إلى أن هذا التعديل يعتبر الخيار الأكثر مقبولية حالياً، خاصة وأن الاتفاق قد أُقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، وبالتالي يمكن إعادة تفعيل هذا البند تحت ذريعة عدم استجابة "حماس" لمتطلبات نزع السلاح أو ما شابه ذلك. ويتوقع أن يقود هذا الوضع، إذا تم تطبيقه، إلى حالة من "لا سلم ولا حرب"، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي.

تفاصيل المرحلة الثانية.. عقبات في تشكيل الإدارة الجديدة

تجدر الإشارة إلى أن "وثيقة السلام" التي وُقعت بين "حماس" وإسرائيل في أكتوبر الماضي تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى "المرحلة الأولى" من الاتفاق. وشملت هذه المرحلة الهدنة الأولية، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، والانسحاب الجزئي لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية. في المقابل، لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي ونهائي بشأن "المرحلة الثانية"، والتي تتضمن الملفات الأكثر تعقيداً وحساسية المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب وإعادة الإعمار.

كما أن المرحلة الثانية أمامها عقبات كأداء تقف حائلاً دون تنفيذها السلس. وتتمثل هذه العقبات في "عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط" التي يفترض أن تتولى الشؤون المدنية، بالإضافة إلى "عدم تشكيل الشرطة" التي ستتولى مهام الأمن الداخلي، والأهم من ذلك، عدم تشكيل قوة الاستقرار الدولية التي ستتولى مهام الإشراف على المناطق التي يتم الانسحاب منها بموجب "البند 17". 

تقارير أميركية عن الإعلان الوشيك وتصاعد المخاوف

وسط هذا الغموض السياسي والأمني بشأن التعديل، أفاد موقع "أكسيوس" الإخباري بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية في غضون أسابيع قليلة. ووفقاً للموقع، من المتوقع أن يكشف الرئيس الأميركي عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل تاريخ 25 ديسمبر الجاري. ونقل الموقع عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن "تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة"، وتوقعا أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً حاسماً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات واتخاذ القرارات اللازمة.

تفعيل البند 17 يرسخ فعلياً تقسيم غزة إلى شطرين: غزة قديمة وأخرى جديدة

غير أن التوقعات على الأرض لا تتطابق بالضرورة مع هذه الأجندة المتفائلة. فالمؤشرات المتعلقة بالمستقبل القريب تشي بأنها في اتجاه واحد وهو اتساع رقعة احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى نسبة 60%، مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير شبيه بما يحدث حالياً في جنوب لبنان من جانب إسرائيل. هذا السيناريو يؤكد أن أي تعديل قد يهدف إلى تكريس السيطرة الإسرائيلية تحت غطاء "الاحتياجات الأمنية".

وقد عززت هذه المخاوف تقارير إعلامية سابقة. فقبل أيام، تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن خطة إسرائيلية واسعة النطاق لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لسيطرتها شرق الخط الأصفر. وتهدف الخطة إلى تفريغ المناطق التي تسيطر عليها "حماس" من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر الحركة في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة "تلغراف" البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر حقيقي لتقسيم القطاع إلى جزأين بشكل دائم، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب، وهو ما يتطابق مع تحليل "البند 17" وتقسيم "غزة قديمة وجديدة".