الحدث العربي والدولي
قال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين، نيستور أوموهانجي، إن السلطات الإسرائيلية تفرض نظام تأشيرات بالغ الصرامة على موظفي المنظمة الدوليين، ما يقيّد قدرتهم على الوصول إلى الأراضي الفلسطينية وتقديم الدعم الإنساني. وجاءت تصريحات أوموهانجي ردًا على أسئلة مراسلة "العربي الجديد" خلال مؤتمر صحافي عقده من غزة عبر دائرة متلفزة مع الصحافيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وأكد أوموهانجي أن المنظمة تحتاج إلى "تأشيرات للموظفين للتواجد في القدس وتنسيق الاستجابة، وعادةً ما يكون الحصول على هذه التأشيرات صعبًا للغاية، ونحتاج تصاريح إضافية (لهؤلاء الذين حصلوا على تأشيرات دخول للقدس) كي يتمكنوا من الدخول إلى غزة. ولا يحصل جميع الموظفين على تصاريح، وحتى أولئك الذين يحصلون على تصاريح قد لا يحصلون على فرصة للعودة. هناك نظام صارم للتأشيرات وتصاريح لدخول الموظفين إلى غزة، وهذا يحدّ بالتأكيد من قدرتنا على تقديم الدعم".
وتحدث المسؤول الأممي عن المعاناة النفسية للغزيين والصدمات التي يعانون منها على عدة صعد. كما أشار إلى زيادة العنف الجندري، مشددًا على أن ذلك كثيرًا ما يحدث في مناطق الصراعات. وردًا على أسئلة متابعة لـ"العربي الجديد" حول الدعم النفسي والمواد التي تمنع السلطات الإسرائيلية إدخالها، قال: "لقد سجلنا ما يقارب 100 محاولة انتحار من قبل ناجيات من العنف الجندري، وهذا ليس سوى غيض من فيض. وتوجد تقارير من كل مكان حول زيادة مشاكل الصحة النفسية، وهذه مشكلة كبيرة جدًا، ليس فقط بين النساء، ولكن أيضًا بين الشباب".
وحول عدم سماح السلطات الإسرائيلية بإدخال قائمة طويلة من الاحتياجات الأساسية، قال: "كصندوق الأمم المتحدة للسكان، كوكالة سكانية ووكالة للصحة الجنسية والإنجابية، نرغب في تقديم مجموعة واسعة من خدمات الصحة الإنجابية، بما في ذلك الولادات الآمنة. ولكن لكي نُجري عمليات ولادة آمنة، نحتاج إلى معدات وأجهزة ولوازم، بعضها يسمح بإدخاله والبعض الآخر الضروري لا يسمح، ومن ضمنها أجهزة الموجات فوق الصوتية، على سبيل المثال، إذ تُصنف على أنها معدات مزدوجة الاستخدام. ولا يوجد تعريف دولي أو حتى محلي (إسرائيلي) حول ذلك. وبعض هذه المعدات، حتى المقصّات مثلاً، قد تُمنع من الدخول لأنها تُعتبر استخدامًا مزدوجًا. وهناك عدد من هذه المعدات الضرورية جدًا للولادة لا يمكن إدخالها، وإذا لم تكن لديك مجموعة كاملة من المعدات، فإن خدمتك بالتأكيد ليست مكتملة".
وتحدث المسؤول الأممي في بداية المؤتمر الصحافي عمّا شاهده في غزة خلال زيارته الحالية، قائلاً: "سمعتُ من نساء وقابلات وعاملات في مجال الصحة وشركاء وعائلات تحملوا ما لا يمكن لأي شخص أن يتحمله. في صباحي الأول هنا، قالت لي امرأة في دير البلح: 'وقف إطلاق النار هو نَفَس. لكن لا يمكن للمرء أن يعيش بنَفَس واحد'. كلماتها تُجسّد غزة اليوم: شعبٌ يحبس أنفاسه، عالقٌ بين البقاء وعدم اليقين. السماء أكثر هدوءًا، لكن الصدمة كبيرة".
وتابع: "كان وقف إطلاق النار ضروريًا للغاية، لكنه لا يعني نهاية الحرب بالنسبة للنساء والفتيات: لا جسديًا ولا عاطفيًا ولا اقتصاديًا. لا تزال معظم العائلات تعيش في ملاجئ مكتظة حيث يُهدد الجوع والمرض يوميًا. تتولى النساء الآن مسؤولية أكثر من 57 ألف أسرة في غزة. كثيرات منهن في وضع هش للغاية، بلا دخل يُعيل أطفالهن".
وتوقف المسؤول الأممي عند قطاع الصحة عمومًا، واصفًا إياه بـ"المنهار". وأكد أن "قرابة ثلث المرافق الصحية تعمل ولكن جزئيًا، وجميعها تعاني من نقص في الكوادر، ومُثقلة بالأعباء، وتفتقر إلى الإمدادات الأساسية. الأدوية نادرة، ووحدات حديثي الولادة مكتظة، ومع ذلك يواصل الموظفون عملهم رغم الخسائر البشرية الفادحة". وأشار إلى محادثة له مع أحد الأطباء قائلاً: "في جناح الولادة، أشار طبيب إلى حاضنة بها طفلان صغيران من الخدج، وقال لي: 'كل تعقيد تضاعفه المخاوف من انقطاع التيار الكهربائي. إذا انقطع التيار مرة أخرى، لا أعرف ماذا سيحدث'. لا يزال النظام الصحي في غزة صامدًا، فقط لأن العاملين فيه يرفضون التخلي عنه".
وحذر المسؤول الأممي من أن الوصول إلى غزة لا يزال مقيدًا بشدة، حيث لا تتوفر سوى ثلاثة معابر تفتح بشكل متقطع، ناهيك عن الإجراءات البيروقراطية التي تؤدي إلى تأخير هائل في إيصال المساعدات المنقذة للحياة. وختم مداخلته الصحافية مذكّرًا بما قالته له إحدى الأمهات الفلسطينيات في غزة: "أن لا تدعوا نجاتنا تصبح بداية لمعاناة أخرى. فليكن لهذه الهدنة معنى".
