#الحدث- مصدر الخبر
يسجل العام الجاري الذكرى الـ 20 للشراكة الاقتصادية المصرية الإسرائيلية التي ضخت المليارات في هدوء إلى اقتصاد القاهرة الهش. يمثل إطار عمل التجارة الحرة، المعروف باسم “المناطق الصناعية المؤهلة”، أو الكويز، واحد من الأوجه القليلة للتطبيع الاقتصادي التي نمت على أساس اتفاقية السلام الإسرائيلية الموقعة عام 1979 مع مصر والاتفاق المترتب عليها لاحقًا مع الأردن. في ضوء ضعف الاقتصادات العربية وعدم الاستقرار الإقليمي، تتجاوز توابع نجاح اتفاقيات الكويز كثيرًا الأرباح المالية.
بشكل أساسي، تمثل اتفاقيات الكويز مناطق صناعية تستطيع من خلالها الدول المشاركة -تحديدا، مصر والأردن- أن تستورد سلعًا تحت راية اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الإسرائيلية. تحوي مصر حاليًا 15 من تلك المناطق، ويوجد 13 منطقة في الأردن، والتي تمثل جميعها حوالي مليار دولار من الصادرات السنوية.
تختلف مناطق الـ”الكويز” عن مناطق التجارة الحرة الأخرى من حيث أنها لا تمثل اختصاصًا لدولة واحدة. بل تدار بشكل مشترك من قبل إسرائيل، وإما مصر أو الأردن، مع إشراف واشنطن. علاوة على ذلك، لجميع منتجاتها وجهة واحدة، الولايات المتحدة.
تعتبر مناطق الكويز إحدى بنات أفكار عمر صلاح، وهو رجل أعمال أردني -والذي، كحال 70 بالمئة من مواطني بلاده، له جذور فلسطينية- يسعى لاستغلال التفاؤل الذي اتبع معاهدة أوسلو الإسرائيلية الفلسطينية عام 1993 واتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية التي وقعت في العام التالي. كان صلاح حريصًا بشكل خاص على إيجاد وسيلة للاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة التي وقعتها الولايات المتحدة مع إسرائيل قبل ذلك بثمان سنوات.
رغم صده من قبل مسؤولين أردنيين بوصفه “ساذجًا”، سافر صلاح إلى واشنطن ليضغط على وزارة الخارجية، والبيت الأبيض، ومندوب التجارة الأمريكي، حيث أزعجت اهتماماته أخيرًا مصالح حكومة صلاح في عمان. وقعت اتفاقية الكويز بشكل رسمي من قبل الرئيس الأمريكي بيل كلنتون عام 1996، ونصت على أن 35 بالمئة على الأقل من محتويات منتجات صادرات الكويز إلى الولايات المتحدة يجب أن تأتي من الأردن، أو إسرائيل، أو الأراضي الفلسطينية، بينما تأتي البقية من أي مكان في العالم (ولكن سيتم ضخها عبر المناطق الصناعية). لذلك أصبح ضروريًا أن يكون 11,7 بالمئة من المواد الخام (خفضت لاحقا إلى نسبة 8 بالمئة) إسرائيلية.
وبذلك ربح الجميع، حيث حصلت الأردن على تجارة مخصومة الضرائب الجمركية مع أكبر سوق استهلاكي في العالم، وحققت إسرائيل أول اتفاق اقتصادي مع جيرانها، والتي تنخفض فيها تكاليف العمالة بنسبة تتراوح بين 40 إلى 70 بالمئة عن إسرائيل.
متأثرة بذلك النموذج، اتبعت مصر حذو الأردن في أواخر عام 2004 مع عقد اتفاق “كويز” خاص بها مع واشنطن، والذي سرى في مطلع 2005.
وفي العقد الذي مر منذ ذلك الحين، تضاعفت صادرات مصر من النسيج إلى الولايات المتحدة ثلاث مرات، وتقدم المناطق الصناعية المصرية الآن أنسجة لعلامات تجارية أمريكية مثل “جاب” و”ليفي شتراوس”. تضم مناطق الكويز الصناعية حوالي 700 شركة، وتصدر بضائع بقيمة حوالي مليار دولار إلى الولايات المتحدة (وفق الأرقام التي تعلنها وزارة الخارجية الأمريكية)، ويعيش عليها حوالي 300,00 شخص. ويأتي حوالي نصف الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة من مناطق الكويز الصناعية.
يشتهر القطن المصري بجودته العالية، وتعتبر صناعة النسيج أحد محاور صادرات الاقتصاد المصري. ومع ذلك، يظل الاقتصاد المصري مكبلا بالزيادة السكانية المرتفعة، وانخفاض السيولة من العملات الأجنبية، والتضخم المتزايد، وتهديد إرهابي متنامي كبح مجال السياحة. وكرد فعل، ضاعفت مصر برنامج الكويز الخاص بها. فقد أعلنت القاهرة في فبراير الماضي عن خطط لمضاعفة صادراتها من أنسجة الكويز خلال ثلاث سنوات -وهو أمر تبدو مصر جادة في تحقيقه- وفي شهر مايو، أعلنت عن إعدادها للمزيد من المناطق الصناعية والقطاعات الإنتاجية.
أما بالنسبة للأردن فلديها أقل من عشر عدد سكان مصر، وتبعا لذلك، اقتصاد أصغر. إلا أنه كحال جارتها الكبيرة تواجه المملكة تحديات اقتصادية شاقة، ومنها الموارد الطبيعية القليلة، وتضخم يصل إلى 6 بالمئة، وعبء الإسكان، والغذاء والتوظيف لحوالي600,00 لاجئ سوري.
بالنسبة للأردن أيضًا، مثلت اتفاقية الكويز مكسبًا. ففي العقد الذي تلى تأسيس البرنامج عام 1997، ارتفعت صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة من 15 مليون دولار إلى 1,2 مليار دولار. أدى ذلك النجاح إلى عقد اتفاقية التجارة الحرة الأردنية الأمريكية عام 2000، وهي الاتفاقية الأولى من نوعها مع دولة عربية. طغت هذه الاتفاقية بشكل جزئي على برنامج الكويز الخاص بالأردن، ولكنها لا تزال مستندة بشكل كبير على البنية التحتية التي أسستها.
واليوم، تزود مناطق الكويز الصناعية علامات تجارية بمنتجاتها مثل “وال مارت” وحتى “كالفين كلاين” و”فيكتوريا سيكريت”، كما توظف 43,000 شخص، أغلبهم سيدات.
من المؤكد أن إنجاز مناطق الكويز ليس تاما. حيث يشير المنتقدون، بشكل دقيق، إلى أن جزء كبير من استثمارات المناطق لا يأتي من المستثمرين المحليين بل من دول عربية أخرى ومن آسيا. ويقولون أن معظم الأرباح تؤول إلى بعض الشركات الكبيرة. في الأردن، تعتبر أغلبية القوة العاملة في مناطق الكويز أجنبية، كما أبرزت المنظمات المعنية بحقوق العمال انتهاكات محتملة لحقوقهم.
يأتي الانتقاد الأبرز من جانب الأغلبية العظمى من المصريين والأردنيين الذين لا يزالون معارضين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فعلى سبيل المثال، لمدة سنوات بعد توقيع اتفاق الكويز المصري الإسرائيلي، رفض المصريون الانضمام إلى جيرانهم في جولات تجارية مشتركة في الولايات المتحدة. والغريب جدا أنه في عام 2013، خلال الفترة الرئاسية القصيرة للرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، طلب المصريون المحاصرون ماليا أخيرا من نظرائهم الإسرائيليين الانطلاق سويا.
واستمرت تلك الاستراتيجية للتسويق المشترك، ومبكرا من هذا العام، أقام أكبر معرض تجاري للنسيج في أمريكا الشمالية حفل عشاء في لاس فيجاس لتسجيل مرور 10 سنوات على عقد اتفاقية الكويز المصرية الإسرائيلية. والآن يمتد التعاون الثنائي ليتجاوز اتفاقيات الكويز، فقد وقعت إسرائيل مؤخرا اتفاقات مبدئية لبيع الغاز الطبيعي إلى الأردن ومصر.
تمثل تلك خطوات صغيرة. إلا أنه في عصر داعش، والحرب الأهلية في سوريا، والاضطراب بشأن برنامج إيران النووي، من المشجع أن نشهد ترويج بعض رجال الأعمال الشرق أوسطيين لفكرة جريئة، وهي أن العداوات التي استمرت لعقود يمكن أن تتلاشى، وأن التجارة مع الأعداء القدامى قد تؤتي ثمارها.