#الحدث- إبراهيم مطر
أصبح موضوع مقاطعة البضائع الإسرائيلية محل جدال ونقاش لا معنى له وبحاجة إلى حسم حقيقي وجاد لكي نصل في نهاية المطاف إلى مقاطعة حقيقية لتلك البضائع التي تعود أرباحها بالدرجة الأولى إلى تعزيز الاستيطان ومصادرة الأرض الفلسطينية، وتضاف أرباحها إلى ميزانية جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يقتل ويدمر ويبطش بشعبنا الفلسطيني المستهدف بوجوده، وكل مقومات بقائه وصموده على هذه الأرض.
إن البضائع الإسرائيليه بشكل عام تغزو السوق الفلسطيني وتنافس بقوة إنتاج الشعب الفلسطيني من منتجات محلية وطنية باتت مهدة أكثر مما مضى بسبب البضائع الإسرائيلية، ليصل غزو هذه البضائع إلى أسواق ومناطق كثيرة في الوطن العربي، حيث تعج الأسواق العربية بهذه البضائع وبطابعها الذي يدلل على منشئها وأماكن إنتاجها في دولة الاحتلال، وهنا لا بد من طرح مجموعة من التساؤلات التي نسجلها على طاولة العديد من المسؤولين أينما كانوا فضلا عن عامة الناس، من الذي يمهد لإدخال هذه البضائع؟ وبأي حق تدخل؟ ومن هو المسؤول عن إدخالها وترويجها في الأسواق العربيه؟ وماذا تعني اتفاقية باريس الاقتصادية التي تعطي الحق لكل بضائع إسرائيل أن تغزو أسواقنا وبالمقابل لا يسمح لبضائعنا العربية أن تدخل السوق الإسرائيلي؟

في معرض رده على هذه التساؤلات أكد المحلل الاقتصادي الدكتور تامر ممتاز عميد اقتصاديي إفريقيا، أن إحدى وسائل الدفاع عن النفس هو السلاح الشعبي الذي يستخدمه عامة الناس ضد منتجات دولة بعينها، عبر آلية التوقف الطوعي عن شراء السلع والخدمات، ويشكل هذا السلاح ضغوطاً عليها لتدفعها إلى اتجاه بعينه، وبالنظر إلى تجربة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية تتوقف نتائج تأثير المقاطعة على الاقتصاد الإسرائيلي على ما يلى: أولاً معيار السوق: حجم السوق الفلسطيني المستهدف من البضائع الإسرائيلية ويصل إلى حوالي 4 مليار دولار شامل المصنوعات والمواد الخام والأرباح المحققة في حدود 20% تقريباً إلى 25%، وهناك حملة مقاطعة شبابية اختصرت اسمها بـ"16%" تمثلت في النسبة المئوية التي تخصصها الإدارة الإسرائيلية للدعم العسكري، والتي تنادى بالمقاطعة حيث تعمل على منع أن يكون عائد هذه البضائع رافداً اساسيا للآلة العسكرية الإسرائيلية. فصادرات لإسرائيل بضائع تشكل ما يزيد عن 100 مليار دولار سنوياً من المواد الكيماوية وبرامج الكمبيوتر ومنتجات التجميل والمصنوعات الخشبية والغزل ومنتجات البلاستيك والعقاقير الطبية والوسائل القتالية والدفاعية والخمور، مما جعل أثر المقاطعة مع وجود مثل هذه الحملات تأثيرا بسيطاً.
وأضاف الدكتور ممتاز في تصريح صحفي لـ"الحدث" أن تقديرات الحملة التي تركز على النتائج التي يتوقعونها لن تؤتي بالثمار إلا إذا كانت المقاطعة مع الدول التي تستورد من إسرائيل منتجاتها. والتي تزيد عن أكثر من 300 مصنع مقدر داخل مجموعة مستوطنات و4000 من الشركات والمزارع تنتج أكثر من 146 علامة تجارية عالمية في كافة القطاعات، منها حوالى 40 علامة تجارية فقط في المنتجات الغذائية.
وإذا نظرنا إلى صادرات إسرائيل مثلاً في مجال السلاح، فإن إسرائيل تتحكم في حوالي 10% من مبيعات السلاح حول العالم، وإن تصدير السلاح إلى إفريقيا يفرد لإسرائيل مساحة كبيرة.
ثانياً: معيار الاستمرارية: النتائج في المقاطعة لا تكون فعالة إلا في حالة الاستمرارية، فالمقاطعة التي تكون على جميع البضائع لا تلبث أن تتوقف لكونها لا تنتج التزاما بها من جانب المستهلك، وعليه ترتفع الأسعار بما يشكل تهديداً لرفاهية المواطن في النهاية، وتزيد معاناته إذ مع مرور الزمن تتوقف الشركات المنتجة عن العمل، في حال كان السوق المستهدف مؤثر وليس للشركات قدرة على تصريف بضائعها أو التصدير بما يشكل في النهاية انخفاضاً في المعروض من السلع والخدمات، وعليه ترتفع معدلات الطلب مرة أخرى بعد زيادة الحاجات، ويعزز ذلك عدم وجود منتجات بديلة.
وهنا يأتي دور معيار وجود البديل: المقاطعة لا بد أن تختار المنتجات التي لها بدائل حتى يمكن توجيه السلوك للمواطن وخصوصاً في البضائع التي لها نمط استهلاكي معين، لتطلب بعد ذلك من المواطن تبني سلوكاً استهلاكياً مختلفاً، كي يكون مؤثراً بتوقفه عن الاستهلاك من هذه البضائع.
من جانبه أكد هاني توفيق المحلل الاقتصادي رداً على سؤال كيف ستواجة إسرائيل حملة المقاطعة لها إعلامياً، أن الترويج لبضائع الاحتلال يأتي ضمن سياسات محددة قائمة على خطة مبرمجة يصوغها اقتصادييون وسياسيون وإعلاميون إسرائيلييون تقوم على دراسات للواقع الفلسطيني الذي بات معروفاً لدى الجانب الاسرائيلي، والواقع العربي ووضع آليات تعمل على تقويض الاقتصاد الفلسطيني ووضع خارطة اقتصادية استهلاكية لربطه أكثر فأكثر بالاقتصاد الإسرائيلي، وهذا يعني أن أجندة الاحتلال واضحة تقوم على تدمير كل البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني كونه مقدمة للاستقلال السياسي، وهذا ايضا مثال حي وواضح لما تتعرض له سوريا من تدمير ونهب لكل مصانعها.
وأشار هاني توفيق في تصريحه لـ"الحدث" إلى أن قضية البضائع الإسرائيلية الاستيطانية وترويجها وإدخالها إلى الأسواق الفلسطينية بالدرجة الأولى والسوق العربي بالدرجة الثانية، يتم عن طريق الوسطاء الذين يعملون ويساعدون المحتل على تدمير اقتصاد البلاد، ما يدفعنا للقول: إننا بحاجة إلى وقفة جدية، ومن هنا نبدأ بالمواطن وننتهي بالسياسي والدولة، وهذه الوقفة ليست بحاجة إلى دراسات وتمويل مشاريع وورش عمل ولا للقاءات وخطابات، هي فقط بحاجة إلى قرار ذاتي وجماعي لمقاطعة بضائع إسرائيل ومستوطناتها ومنعها من دخول بيوتنا وأسواقنا، وستكون النتيجة تهديداً استراتيجياً لأمن إسرائيل القومي في الجانب الاقتصادي.
وقال هاني توفيق، إننا إذا أردنا الحكم على مدى نجاح المقاطعة بعمل تقييم دوري بعد مدة مقترحة "8 شهور"، وسيكون هذا التقييم إحصائياً ايجابيا إلى حد بعيد، مع العلم أن مقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية لها آثار سلبية على الطرف الإسرائيلي من الجانب السياسي، وهذه بداية مشجعة ومثمرة وهي ما زالت تلقى استجابة مقبولة من الشعوب العربية وتنتشر بقوة، وستؤثر المقاطعة بشكل سلبي على إسرئيل إذا ما طبقت أيضاً في السوق الفلسطيني الذي يعتبر ثاني أكبر سوق للمنتجات الإسرائيلية، مشيراً في السياق ذاته إلى أن الغرفة التجارية الإسرائيلية صرحت مسبقاً أن نسبة الاستهلاك والشراء الفلسطيني للمنتجات الإسرائيلية انخفضت بمعدل 45% خلال الشهور الثلاثة الأولى لبدء حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وأن تل أبيب ستخسر 6 مليار دولار سنوياً خاصة إذا ما ساعدت جامعة الدول العربية في إحياء مكاتب المقاطعة وقامت بتنشيط دور اللجان الاقتصادية ومنع وصول المنتجات الإسرائيلية للعديد من الأسواق العربية من خلال ذلك.