الخميس  15 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

صناديق الثروة السيادية.. ملاذ دول الخليج في الأزمات

2015-09-23 04:46:48 AM
صناديق الثروة السيادية.. ملاذ دول الخليج في الأزمات
صورة ارشيفية

#الحدث- أبو ظبي

الصناديق السيادية أو صناديق الثروة السيادية، هي هيئات أو صناديق مملوكة للدولة يُعهد إليها إدارة واستثمار الأموال والأصول والسندات الناتجة من الفائض المالي للدولة، وفي دول الخليج العربي، تقوم صناديق الثروات السيادية بإدارة واستثمار الأموال الناتجة من الفائض المالي للإنتاج النفطي.
 
تعود فكرة إنشاء الصناديق السيادية إلى خمسينات القرن الماضي حينما قامت الكويت بتأسيس الهيئة العامة للاستثمار كأول صندوق سيادي على مستوى العالم إبان الطفرة الاقتصادية التي حققتها عائداتها النفطية آنذاك، وذلك لغرض استثمار الفائض من تلك العائدات، وفتح آفاق جديدة نحو تنويع مصادر الدخل القومي للدولة، تجنباً لأي تقلبات محتملة في أسعار النفط العالمية، تؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص مصدر الدخل الوحيد للكويت في ذلك الحين، وانهيار اقتصادها الناشئ.
 
في مطلع السبعينات، اتخذت إمارة أبوظبي خطوة مشابهة بتأسيس صندوق أبوظبي للتنمية، حيث أسس الصندوق لأغراض التنمية المستدامة في الدول النامية، وذلك من خلال تقديم قروض ميسرة تنهض بالمشاريع التنموية في تلك الدول، أما في الشق الاستثماري، فقد كُلف الصندوق باستثمار ما يتوفر من سيولة مالية لديه في مشاريع مختلفة تضمن استمرارية تدفق الأموال لتنفيذ الخطط التنموية التي وضعتها حكومة أبوظبي في ذلك الحين.
 
استمر تأسيس الصناديق السيادية في الدول الخليجية للأهداف ذاتها، إذ أسست قطر صندوق قطر للاستثمار، وأسست البحرين شركة ممتلكات البحرين القابضة، فيما أسست عُمان صندوق الاحتياطي العام للدولة، كما أسست الإمارات عدداً من صناديق تنموية واستثمارية على غرار ما قامت به إمارة أبوظبي، من بينها مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية.
 
الشركات العالمية
 
اتخذت الصناديق السيادية في دول الخليج العربي من سياسة الاستثمار على المدى الطويل درعاً واقياً لها، يؤمن استمرار تدفق الأموال لتلك الصناديق والهيئات ويحافظ على مخزونها من الفائض المالي في أوقات الأزمات الاقتصادية وتقلبات أسعار النفط العالمية، إذ تنوعت استثمارات الصناديق السيادية الخليجية لتشمل السندات الحكومية والعقارات وحصصاً من أسهم الشركات والمصانع العالمية، لتعزز من خلال تلك الاستثمارات المكانة الاقتصادية لدول الخليج العربي في أوروبا والولايات المتحدة.
 
تعد الاستثمارات الخليجية في ألمانيا على سبيل المثال لا الحصر، إحدى أبرز الاستثمارات الواعدة لتلك الصناديق، إذ استحوذت قطر على نحو 15 بالمئة من أسهم شركة "فولكس فاغن" لصناعة السيارات، كما قامت بشراء نحو 10 بالمئة من أسهم شركة "هوكتيف"، وهي إحدى أكبر شركات البناء الألمانية، كما تمتلك قطر حصة في شركة "سيمنس" الألمانية، ونحو 6 بالمئة في أكبر المصارف الألمانية "الدويتشة بنك" من خلال صفقة بلغت قيمتها 1.75 مليار يورو.
 
إمارة أبوظبي كانت حاضرة أيضاً بقوتها الاقتصادية من خلال استثماراتها في ألمانيا، وشملت تلك الاستثمارات امتلاك نحو 29 بالمئة من شركة طيران "إير برلين" واستثمارات أخرى في مجال الطاقة المتجددة والصناعات الإلكترونية الدقيقة، حيث تمتلك شركة "مبادلة" للتنمية المملوكة بالكامل لحكومة إمارة أبوظبي شركة "جلوبال فاوندريز" لصناعة أشباه الموصلات وهي مواد أساسية في صناعة الأجهزة الإلكترونية والرقمية، توجد 6 مرافق منها في مدينة درزدن الألمانية، إذ أعلنت وسائل الإعلام الألمانية مؤخراً عن نية أبوظبي ضخ نحو ربع مليار يورو كاستثمارات في الفرع الألماني من جلوبال فاونديز.
 
كما كان لدولة الكويت نصيباً من الاستثمارات الخليجية في ألمانيا، إذ استحوذت على نحو 6 بالمئة من عملاق الصناعات الألمانية "شركة دايملر" لصناعة السيارات.
 
دور الصناديق السيادية خلال الأزمات
 
تعرضت صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربي إلى هزات عنيفة خلال السنوات الماضية من جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، إذ لم تكن بمنأى عن الانهيارات التي تعرضت لها الأسواق العالمية بين عامي 2008 و2009، حيث قدرت خسائر الصناديق السيادية الخليجية بنحو 350 مليار دولار.
 
هذه الخسائر دفعت بدول الخليج العربي إلى مراجعة سياسة صناديقها الاستثمارية وإعادة تقييم أدائها، وهو ما أدى بها إلى النهوض مجدداً وتدارك خسائرها من خلال عمليات شراء لأصول شركات عالمية متعثرة، كانت أبرزها شراء صندوق الثروة السيادية للكويت "الهيئة العامة للاستثمار" حصة في بنك سيتي جروب الأمريكي عام 2009.
 
ومع هبوب رياح التغيير في منطقة الشرق الأوسط وانطلاق الثورات العربية، عملت الحكومات الخليجية على زيادة الخطط التنموية والإنفاق على الخدمات العامة لمواطنيها، وذلك في محاولة منها لتجنيب مجتمعاتها الوقوع في الأزمات التي ضربت المجتمعات العربية المحيطة بها، حيث لجأت الحكومات الخليجية إلى احتياطياتها المالية في الصناديق السيادية من أجل زيادة الإنفاق ودعم ميزانياتها العامة.
 
تعافت صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربي من أزماتها المتلاحقة بفعل الارتفاعات التي شهدتها أسعار النفط العالمية، إذ شهدت تلك الصناديق تدفقاً غير مسبوق للسيولة المالية، عملت على زيادة الاستثمارات الخارجية وزيادة التنوع في تلك الاستثمارات، كما شكلت تلك الوفرة في الاحتياطات المالية عامل استقرارٍ لاقتصادات دول الخليج العربي إثر تراجع أسعار النفط العالمية إلى ما دون 50 دولاراً أمريكياً للبرميل خلال عام 2014 ومطلع العام الجاري، إذ ألقت أزمة انخفاض أسعار النفط عالمياً بظلالها على الميزانيات العامة لدول الخليج العربي، وعملت على خفض مستوى تدفق الاحتياطيات المالية لصناديق الثروة السيادية منذ مطلع عام 2015 الجاري.
 
مستقبل
 
مع استمرار الأزمة التي تواجهها دول الخليج العربي المنتجة للنفط من جراء انخفاض أسعار النفط العالمية واستمرار تداعياتها، أكد الخبراء الاقتصاديون أن صناديق الثروات السيادية لدول الخليج العربي، ستعمل على تخفيف وطأة تلك الأزمة خلال العام الجاري، إذ ما زالت تتمتع تلك الصناديق باحتياطيات مالية كبيرة مكنتها من تبوؤ المراكز الأولى في قائمة الصناديق السيادية العالمية.
 
في الجانب الاقتصادي، تواجه الصناديق السيادية الخليجية تحديات وعقبات حدت من توسعها في المشاريع الاستثمارية في بعض الأحيان، وذلك بسبب اتهامها بعدم الشفافية في تقديم البيانات الكافية عن نشاطاتها ومصادر تمويلها وآليات الرقابة المالية في هياكلها الإدارية وخلوها من شبهات الفساد.
 
وفي هذا الصدد أحرزت الدول الخليجية تقدماً واضحاً في مستوى الشفافية حول استثمارات صناديقها السيادية، ووفقاً لتقرير خاص حول صناديق الثروة السيادية حول العالم أصدرته شركة "ستيت ستريت" الأمريكية للخدمات المالية العام الماضي، فإن دول الخليج العربي أظهرت تعاوناً غير مسبوق خلال إعداد التقرير في إعطاء البيانات حول أداء صناديقها السيادية وطريقتها في إدارة الاستثمارات وإدارة المخاطر المحيطة بتلك الاستثمارات، وهو ما يزيد من ثقة الدول والشركات في تلك الصناديق، فيما أحرزت الدول الخليجية مؤخراً وفق بيانات صدرت في مطلع العام الجاري مراكز متقدمة في مستوى الشفافية لصناديقها السيادية.
 
سياسياً، يصعب على الولايات المتحدة ودول العالم إغفال الحجم الكبير الذي تمثله تلك الصناديق، إذ تمتلك دول الخليج العربي نحو 35 بالمئة من أموال الصناديق السيادية على مستوى العالم، وتخضع تلك الصناديق إلى رقابة مؤسسات متخصصة في الولايات المتحدة، ترصد أداءها الاستثماري وما إذا كان لتلك الاستثمارات أي تأثيرات سياسية تجعل منها عوامل ضغط سياسي على الدول التي تستثمر بها الصناديق السيادية الخليجية.
 
المبالغة في التحذير من الاستثمارات الخارجية داخل الولايات المتحدة وتأثيراتها المحتملة على الأمن القومي الأمريكي، تسببت بإلغاء صفقة إدارة شركة موانئ دبي العالمية لعمليات الشحن والتفريغ في أكبر ستة موانئ أمريكية عام 2006، وهو ما دفع بالمستثمرين العرب إلى تقييم مخاطر الاستثمار في الولايات المتحدة، إلا أن الدراسات داخل الولايات المتحدة فندت تلك النظرية وأثبتت أنها لا تشكل مخاطر مستقبلية على الأمن القومي الأمريكي.
 
عربياً، شكلت الصناديق السيادية الخليجية محط اهتمام واسع للدول ذات الاقتصادات المتعثرة وفي مقدمتها دول الربيع العربي مثل مصر وتونس، إذ تهدف تلك الدول إلى جلب الاستثمارات الخليجية للنهوض باقتصاداتها التي عانت من تراجع حاد خلال السنوات الماضية، وتعمل على تهيئة البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات.
 
هذا وتتصدر الإمارات العربية المتحدة من خلال صندوق أبو ظبي للتنمية المركز الأول عربياً والمركز الثاني عالمياً في ترتيب صناديق الثروة السيادية وفقاً لآخر البيانات الصادرة عن مؤسسة "إس دبليو أف" المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، تليها مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" عربياً وعالمياً، فيما جاءت الهيئة العامة للاستثمار الكويتية في المركز الثالث عربياً والسادس عالمياً، تلتها هيئة قطر للاستثمار في المركز الرابع عربياً وفي المركز العاشر عالمياً.