الأربعاء  14 أيار 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

باحث أمريكي: الديموغرافيا وراء الفوضى في الشرق الأوسط

2015-11-01 06:58:49 AM
باحث أمريكي: الديموغرافيا وراء الفوضى في الشرق الأوسط
صورة ارشيفية

الحدث- وكالات

حاول الباحث الأمريكي فيليب جينكينز الربط بين قضايا الأمن القومي والديموغرافيا، قائلا إن الأخيرة عادة ما تمثل البعد المفقود عند التطرق لمحاولة فهم تلك القضايا.

واستهل مقالا نشرته مجلة (الأمريكان كونسيرفاتيف) بالإشارة إلى أن خصوبة مجتمع سكاني معين في دولة ما لا تحدد فقط أعداد هذا المجتمع وإنما تسهم بقوة في تقرير التوازن بينه وبين غيره من المجتمعات في ذات الدولة من حيث العرق واللغة وكذلك فرص تلك الدولة في تحقيق أي نوع من الاستقرار.

ورأى جينكينز أنه بدون الوقوف على معطيات تتعلق بالعوامل الديموجرافية, فإننا سنقع في حيرة إزاء تفسير سلوكيات بعض الأطراف الفاعلة الرئيسية في حالة الفوضى الراهنة التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط.

وقال الباحث في جامعة بايلور الأمريكية “إن تركيبة سكان أي مجتمع تتشكل من معدلات كل من المواليد والوفيات معا, لكنني هنا سأركز على المواليد, وتحديدا على الخصوبة.. أحد المعايير الرئيسية التي يستخدمها الديموجرافيون هو معدل الخصوبة الإجمالي, أو العدد الإجمالي للأطفال الذين تستطيع سيدة متوسطة أن تلدهم في حياتها.. إذا كان هذا المعدل يدور حول نسبة 1ر2, فإن المعادلة السكانية تكون مستقرة, وهذا المعدل يسمى “معدل التعويض”, أما إذا كانت النسبة أكبر من معدل التعويض, بأن تكون مثلا عند 0ر4 أو 0ر5, فإننا نكون بصدد زيادة سريعة في التركيبة السكانية التي يغلب فيها قطاع الشباب, وهو ما قد يعني زيادة في معدلات الاضطراب.

وتابع:" أما إذا كانت النسبة أقل من معدل التعويض, فإن ذلك يشير إلى تركيبة سكانية مسنة ومتناقصة, ويخلق ذلك الوضع حاجة ماسة إلى مهاجرين ودماء جديدة”.
وأضاف أنه “منذ حقبة الستينيات من القرن الماضي, اتجهت الدول الأوروبية إلى نسب أقل من معدل التعويض, وقد انتشر هذا الوضع بسرعة حول العالم.. هذه المعدلات تخبرنا أن ثمة علاقة وثيقة بين الخصوبة والتدين; فالمجموعات السكانية ذات معدلات الخصوبة المرتفعة تميل إلى كونها مرتفعة التدين وتقليدية للغاية, مثال ذلك العالم الثالث.. بينما التجمعات السكانية العصرية والمثقفة لديها عدد أقل من الأطفال, وتكون أمثال هذه المجتمعات شديدة المدنية.. وبمرور الزمن تنخفض معدلات الخصوبة, ويتبعها في ذلك انخفاض مستوى التدين, مثال ذلك الدنمارك; بمعدل تعويض يدور حول 7ر1, وقد اجتاحت هذه الظاهرة معظم أوروبا الكاثوليكية المعاصرة”.

لكن التغاير في معدلات الخصوبة لا يؤثر على كافة أجزاء الأمة بمقدار متساو أو في وقت واحد, لا سيما عندما تظهر مناطق مختلفة أنساقا بالغة التباين في الثروة والنمو الاقتصادي.. وبمرور الزمن, ستزداد معدلات المواليد بشكل نسبي في المجتمعات الأكثر فقرا والأكثر تدينا, وعلى مدى جيلين أو ثلاثة, يمكن لهذا التفاوت النسقي في النمو أن يورث تبعات واسعة النطاق.

في أوروبا، على سبيل المثال, حتى بدون تدفق اللاجئين على مدار العامين الماضيين, شهدت نسبة المسلمين في أوروبا نموا واضحا.

ورصد جينكينز نموذج الهند كمثال على أثر تباين التركيبات السكانية على سياسات الحكومات إزاء كل تركيبة على حدة; وتنقسم الهند في هذا الصدد إلى نصفين: أحدهما يتكون من ولايات ينخفض فيها معدل التعويض والمواليد, تماما كالدنمارك أو أقل منها, في حين أن النصف الثاني يتكون من ولايات مكتظة بالسكان وتميل إلى طراز العالم الثالث .. وبناء على هذا التقسيم يمكن تفسير سياسات الحكومة الهندية إزاء كل قسم; إذ هي تنحاز إلى جانب المناطق الأكثر خصوبة وكثافة سكانية; وذلك تأمينا للقواعد الانتخابية والجنود الشباب.

وأسقط الباحث على منطقة الشرق الأوسط, قائلا إنه “مع بعض الاختلافات, يتردد صدى هذا الموقف في تركيا, ويساعد فهم هذه العلاقة في تفسير السلوك المحير الذي تنتهجه حكومة التنمية والعدالة الراهنة.. “لماذا, بحق السماء, لا تبدو تركيا منزعجة من تهديد تنظيم داعش كما ينبغي لها? لماذا, عندما تغير قواتها الجوية, فإنها تركز على ضرب القوات الكردية بدلا من داعش? هل هذه الحكومة مشوشة?”.

ويجيب جينكينز قائلا “ها هنا المعطيات الديموجرافية: بوجه عام, معدل الخصوبة في تركيا هو تحت معدل التعويض بقليل, لكن هذه الحقيقة البسيطة تغمر الكثير من التباينات الإقليمية .. الدولة التركية يمكن تقسيمها إلى أربعة مناطق, امتدادا من الغرب إلى الشرق .. الربع الغربي يميل إلى النموذج الأوروبي, عند معدلات خصوبة تدور حول 5ر1 ويرتفع هذا المعدل تدريجيا بثبات إذ نتجه صوب الشرق, لتصل معدلات الخصوبة ذروتها في أقصى الشرق لتعادل مثيلاتها في كل من العراق وسوريا في دول الجوار – وهكذا يتنافس نموذجا “أوروبا” و”العالم الثالث” في داخل أمة واحدة هي الأمة التركية”.

وأوضح الباحث أن “تركيا الشرقية عالية الخصوبة هي بالطبع أكثر تدينا (إسلاميا) من تركيا الغربية العلمانية, والحكومة تأمينا للأصوات الانتخابية تنحاز إلى المناطق الأكثر كثافة في السكان وبالتبعية الأكثر تدينا”.

لكن ثمة حقيقة معقدة في هذا الصدد: فهذه المناطق الشرقية السريعة التكاثر هي أيضا وطن لمن تطلق عليهم الحكومة التركية على استحياء اسم “أتراك الجبال”, بينما يسميهم الجميع في كافة بقاع الأرض “الأكراد”.

ويضيف جينكينز قائلا “إن الأقلية الكردية, التي تقدر عادة بنسبة تدور حول 15-20 بالمئة من سكان تركيا, تتكاثر بمعدل بالغ السرعة إلى درجة أنه في غضون جيل أو جيلين, ستصبح أغلبية فعلية في الدولة التركية .. هذا الكابوس المرتقب ماثل دائما في طليعة وقلب تفكير الرئيس التركي رجب طيب اردوغان, الذي أصدر قبل عاميين تحذيرا من وجود أغلبية كردية قومية قبل عام 2038”.

ويمضي متسائلا “ماذا يمكن لتركيا أن تفعل في وجه كارثة ديموغرافية وشيكة؟ هناك حل أول يتمثل في أن تشجع الحكومة المواطنين على العودة للانجاب بكثرة, حتى هؤلاء الغربيين العلمانيين ليصل معدل الخصوبة الوطنية إلى 3 .. ولما كان هذا الحل بعيد المدى, فإنه يتعين على الحكومة أن تلجأ إلى حلول قريبة المدى, وأن تعلي الهوية الدينية والإسلامية على هوية العرق”.

ويقول جينكينز “إن العودة إلى تعاليم الإسلام تشجع على تكوين العائلات وتعزيز القيم والتقاليد وإنجاب الكثير من الأطفال.. وتبعا لهذه السياسة, فإن الحكومة وجدت نفسها في حاجة ضرورية إلى قمع كافة النزعات القومية عند الأكراد أو أي نزعة انفصالية عرقية أخرى على الأرض التركية”.

ويخلص الباحث إلى أنه “من المنظور الديموغرافي, ترى الحكومة التركية في أي إعلان عن هوية كردية أمرا مرعبا, أكثر بكثير مما يثيره وجود جماعة إرهابية مثل داعش.. ذلك أن تنظيم داعش يمثل إزعاجا بالنسبة للحكومة التركية أما الأكراد فهم يمثلون بالنسبة لها تهديدا ديموغرافيا وجوديا”.

وبنسبة كبيرة، هذا يوضح السبب في استهداف الطائرات التركية لميليشيات حزب العمال الكردستاني بدلا من استهدافها عناصر تنظيم داعش الإرهابي.