الحدث- رام الله
تصادف اليوم الاربعاء الموافق 11-11-2015 الذكرة الحادية عشر لرحيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات، والذي يعتبر رمز الثورة الفلسطينية.
ولد " ياسر عرفات" في 4 آب/أغسطس عام 1929 واسمه محمد ياسر عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني، وكان الولد السادس لأسرة فلسطينية تتكون من سبعة أفراد، وكان والده يعمل في تجارة الأقمشة، ونسبه من جهة أمه يتفرع من عائلة الحسيني التي تعتبر من الأسر المقدسية الشهيرة التي برز بعض أفرادها في التاريخ الوطني الفلسطيني. قضى عرفات مراحل طفولته وسني شبابه الأولى في القاهرة.
توفيت والدته زهوة عندما كان في الرابعة من عمره بسبب مرض الفشل الكلوي، أرسل بعدها مع أخيه فتحي إلى القدس حيث استقرا عند أقارب لهم في حارة المغاربة، ولكن سرعان ما تم إرساله إلى أقارب أبيه عائلة القدوة في غزة حيث مكث هناك حتى سن السادسة من عمره ، حيث عاد إلى القاهرة وتولت أخته أنعام تربيته فيها. وأنهى تعليمه الأساسي والمتوسط في القاهرة، حيث اكتسب في تلك الفترة لهجته المصرية التي لم تفارقه طوال حياته. في سني صباه وشبابه تردد على بعض المنفيين الفلسطينيين، وأصبح مقرباً من أوساط المفتي أمين الحسيني الذي كان منفياً في القاهرة، كما تعرف في تلك الفترة على عبد القادر الحسيني.
يعتبره الفلسطينيون والعرب وأحرار العالم رمزًا شامخا للنضال الوطني والثورة العالمية، تماما كما اعتبر الفرنسيون شارل ديغول رمز كفاحهم ، وكما اعتبر مواطنو جنوب إفريقيا نلسون مانديلا رمزا لتحررهم، وكما اعتبر الهنود المهاتما غاندي رمزا لمقاومتهم السلمية ثم استقلالهم.
ياسر عرفات خاض نضالا وجهادا لا يلين طوال أكثر من 40 عاما على مختلف الجبهات، مقاتلا على جبهة الأعداء من أجل تحرير فلسطين، وعلى جبهة الأصدقاء سار بين الأشواك متجنبا الألغام في ظل السياسات والمصالح العربية و الإقليمية والعالمية المتناقضة، وبشكل كرس فيه الكيانية الفلسطينية والاستقلالية من خلال فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
عاش ثورة بساط الريح متنقلا بين العواصم والدول. ومارس الكفاح المسلح وحرب الشعب طويلة الأمد، و الدبلوماسية والعمل السياسي والإعلامي.
شارف ياسر عرفات علي الموت مرات كثيرة في حياته ولكنه كان ينجو كل مرة منها بقدر ومعجزة إلهيين، فلا محاولات الاغتيال تمكنت منه برغم أنها حصدت أرواح رفاقه المخلصين من أبي جهاد إلي أبي أياد وغيرهم العشرات ولكن اجتهاد الاسرائيلين فشل في ذلك عشرات المرات.
تفاخر الشهيد ياسر عرفات في احدى اللقاءات الصحفية معه بنجاته من اكثر من 40 محاولة اغتيال اضافة إلى عشرات المرات التي نجا فيها من الموت المحقق سواء في ارض المعركة او في حوادث، فكان الهدف الاول لعدد كبير من محاولات الاغتيال ولقدرة ومعجزة الهية كان ينجو منها في كل مرة.
ومن اولى المحاولات الاسرائيلية لقتل ياسر عرفات كانت في عام اربعة وستين حين كانت حركة فتح في اولى بداياتها وكانت تلك المحاولة في مدينة دريمشتات في المانيا الغربية الا ان هذه العملية فشلت.
وفي عام خمسة وستين كان عرفات في العاصمة السورية دمشق فقامت وحدة 504 بتجنيد جاسوس وخطط لتفخيخ سيارته لكن العملية لم تنجح لأسباب ميدانية وتنفيذية وفي وقت لاحق حين اعتقلت السلطات السورية ياسر عرفات وولدت فكرة تجنيد سجناء جنائيين وخارجين عن القانون لاغتيال عرفات داخل السجن السوري وأيضا هذه الخطة لم تخرج لحيز التنفيذ وأطلق سراح ياسر عرفات بعد ذلك فى سقطة اخرى للموساد .
وبعد نكسة حزيران عام 1967 تحولت عمليات عرفات ورجاله من عمليات هواة الى عمليات قاتلة ولكن اسرائيل ولمدة ستة اشهر لم تكن تعرف مكان تواجده حتى جاء جاسوس فلسطيني من عناصر فتح يحمل الاسم الحركي الممنوح له من قبل الشاباك العميل غروتيوس الذى سلم لمسئوليه في الشاباك معلومات افادت بان قيادة عرفات نقلت الى البلدة الاردنية الكرامة حينها قرر الجيش التوغل في البلدة وتصفية عرفات ورجاله ولكن كما هو معروف تعقدت العملية وقتل فيها 28 جنديا اسرائيليا ونجح عرفات بالهرب من البلدة في الثواني الاخيرة.
فى عام 1968 بعد نجاح الجبهة الشعبية بقيادة عرفات اختطاف طائرة شركة العال الاسرائيلية فكر الموساد و الشاباك معا لتصفية عرفات بطرق تعد اكثر غرابة فى التاريخ. و كانت الخطة الاكثر غرابة هي محاولة اغتيال عرفات عن طريق التنويم المغناطيسي عن طريق طبيب نفسي فى سلاح البحرية الاسرائيلي يدعى " بنيامين شاليط " وكسابقاتها فشلت هذه الخطة .
وفى عام 1973 جاءت فرصة على طبق من فضة للموساد و الجيش الاسرائيلي ليس لإغتيال ياسر عرفات فقط بل جميع قادة منظمة التحرير التي نظّمت في ذلك الوقت احتفالا كبيرا في بيروت وقبل الاحتفال بساعة تقريبا اجتمعت القيادة في مكتب قريب وهنا بدأت طائرات الفانتوم الاسرائيلية التدريب على قصف المكتب ولكن في يوم التنفيذ غطت سحابة كثيفة الهدف ورغم ذلك حاول الطيارون الهبوط اسفل الغيوم وحينها ترائى لهم الهدف واسقطوا قنابلهم لكن وبسبب اسقاط القنابل من ارتفاع منخفض لم يكن بالمقدور توجيهها فسقط على سطح المبنى ولم يصب سوى سائق ابو جهاد الذي وقف خارج المبنى يدخن سيجارته ونجا عرفات مرة اخرى .
وفى عام 1982 اصدر رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجين اوامره بإلغاء خطة "واجد واجد" لاغتيال عرفات بسبب امكانية اصابة اشخاص رفيعي المستوى الدبلوماسي العالمي فى هذه العملية .
وفى حرب لبنان الاولى كان عرفات احد اهم اهداف هذه الحرب وفورا مع تقدم القوات الاسرائيلية نحو بيروت اقام رئيس اركان جيش الاحتلال رفائيل ايتان قوة مهام خاصة اطلق عليها الاسم الرمزي "السمك المملح" مهمتها مساعدة رجال الموساد في تعقب وتحديد مكان عرفات وقتله و لكن جميع المحاولات التي استهدفت قتل عرفات فى هذه الحرب باءت بالفشل .
وفي تونس حاولت إسرائيل اغتيال عرفات مرة أخرى. حيث تعرض مقره في مدينة حمام الشط في تونس، في الأول من تشرين الأول 1985 لقصف الطيران الإسرائيلي، ودمر بشكل شبه كامل في غارة أدت إلى استشهاد 17 فلسطينيا وتونسيا، وكان عرفات في طريقه من مكتبه في يوغرطة- تونس إلى حمام الشط.
هذا وتوالت محاولات اغتيال عرفات حتى عام الفين وواحد وتميزت تلك المحاولات بأنها ثأر من رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الذي واصل كراهية عرفات طيلة السنوات الماضية ورأى به جزء من المشكلة وليس جزء من الحل.
ومع بداية عام 2001 بدات النقاشات داخل اسرائيل والمتعلقة بالسؤال ماذا نفعل مع عرفات الى ان تم اغتياله بالسم حسب كثير من المحللين والمختصين. فكانت اخر ايام الرئيس الشهيد ياسر عرفات في مثل هذا اليوم الحادي عشر من تشرين ثاني عام الفين واربعة عندما وافته المنية في مستشفى بيرسي العكسري.
ورغم اغتيال ياسر عرفات سيظل قائد الشعب الفلسطيني ومفجر ثورته الحديثة، وأحد أبرز القادة العظام في العالم خلال القرن العشرين، خاض نضالا وجهادا لا يلين طوال أكثر من نصف قرن على مختلف الجبهات، أعاد الحياة لاسم فلسطين ولقضية شعبها في الوعي الانساني، ووضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية.