الثلاثاء  19 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

معاريف: زيارة تواضروس للقدس اعتراف بسيادة "إسرائيل"

2015-12-01 07:25:19 AM
معاريف: زيارة تواضروس للقدس اعتراف بسيادة
تواضروس خلال زيارته إلى القدس

 

الحدث - مصدر الخبر

 

سواء كان الأمر تطبيعا أم لا- في عيد الفصح هذا العام وصلت حصة الزائرين الأقباط إلى ذروتها وبلغت 6000 حاج. يحتمل أن تشجع زيارة تواضروس الثاني الكثيرين على الاستمرار في زيارة المدينة المقدسة، وبذلك يضعف تدريجيا الحظر الذي فرضه سلفه قبل 35 عاما، وهذه مخاوف الكثيرين ممن عارضوا الزيارة".

 

جاء ذلك ضمن تحليل مفصل للصحفي الإسرائيلي"جاكي حوجي" بصحيفة "معاريف" تناول خلاله مكاسب إسرائيل من الزيارة التي قام بها الأنبا تواضروس الثاني  بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إلى القدس المحتلة، الأربعاء الماضي لتشييع جنازة الأنبا ابراهام، مطران القدس والكرسى الأورشليمى.

 

وبحسب "حوجي" فإن إسرائيل تنظر للزيارة بارتياح شديد حتى إن لم يكن هدفها سياسيا، ذلك لأنها تعد اعترافا بسيادتها على القدس الشرقية وتشجيعا لقدوم مزيد من الحجاج الأقباط.


إلى نص المقال..


لم تجد إسرائيل المنشغلة بنفسها الوقت لإظهار اهتمام بالحدث الذي شغل للغاية الوافدين إلى المدينة القديمة بالقدس والطائفة المسيحية بها: الزيارة التاريخية لرئيس الكنيسة القبطية، البطريرك تواضروس الثاني.

 


لا يأتي إلى هنا كل يوم أحد أهم قيادات التيارات المسيحية في العالم وزعيم المسيحين في مصر. فالمرة الأخيرة التي جاء فيها رئيس الكنيسة القبطية إلى هنا كانت في 1967.

 

جاء البطريرك تواضروس الثاني إلى جنازة رئيس الكنيسة القبطية بالقدس، الأنبا أبراهام، المعروف بـ"الأورشليمي". توفي أبراهام الأربعاء الماضي عن عمر ناهز 72 عاما، وبعكس سابقيه الذين دفنوا بالقاهرة، أوصى بدفن جثته بالقدس الشرقية.


يحمل رئيس الكنسية القبطية بالقدس لقب "مطران القدس والشرق الأدنى"، ويعتبر ثاني أهم شخصية بالكنيسة بعد البطريرك. كان أبراهام الذي توفى جراء مرض عضال مواطنا مصريا، وشغل منصبه لمدة 24 عاما.


في موطن تواضرس الثاني رأوا في رحلة البطريرك للمدينة القديمة خطيئة سياسية وتعبيرا عن التطبيع مع إسرائيل. 


وصل تواضروس الثاني إلى هنا الخميس الماضي وغادر أمس إلى الأردن. لم يلتق علانية بأية شخصية إسرائيلية، لكن زيارته تمت بموافقة السلطات في القدس، ولدى قدومه اضطر للمرور على معابر حدودية تحت سيادة إسرائيل.


زعم حزب الكرامة المصري الذي يناهض منذ سنوات طوال أية صلة بإسرائيل أن رحلة البطريرك المصري أحدثت صدعا عميقا في جدار معارضة "التطبيع مع الكيان الصهيوني، العدو الذي ينفذ مجازر يومية ضد أبناء شعبنا العربي بفلسطين".


أبدى متصحفو انترنت فلسطينيون، على شبكات التواصل الاجتماعي دهشتهم من الزيارة. ووجه بعضهم الانتقاد للنظام المصري، الذي منح الضوء الأخضر للزيارة على حد قولهم.


ادعى الأديب والمفكر كمال زاخر أمس أن "الزيارة ورغم أنها انطلقت لأسباب إنسانية إلا أن إسرائيل تستغلها بالطبع بشكل سلبي".

 

رغم مكانتها الشعبية كسلطة دينية عليا، فإن رئيس الكنيسة القبطية شخصية سياسية بكل معان الكلمة، فهو شريك في لعبة القوى المزعجة التي تجري على ضفاف النيل. 


لدى احتجاجهم عليه، ذكر معارضو الزيارة في مصر كثيرا بالأمر الذي أصدره سلف تواضروس المحبوب شنوده الثالث. في عام 1980 وبعد نحو عام على توقيع معاهدة السلام بين القدس والقاهرة، حظر شنوده زيارة ممثلي الكنيسة للقدس،لحين تحريرها من قبضة الاحتلال.


المفاجأة أن تصريحاته لم تأت لتصفية الحسابات مع إسرائيل، بل كان هدفه تطهير الطائفة القبطية من شكوك التقرب لحكومة الليكود بقيادة مناحيم بيجين.


أراد كثير من الأقباط معاهدة السلام وتدفئة العلاقات مع الدولة العبرية. فهم البابا شنوده الفخ الذي يمكن أن تسقط فيه طائفته، فأقلقه ذلك. أدرك جيدا قوة الكراهية لإسرائيل في الشارع المصري وخشي من أن يجلب تقارب الطائفة القبطية من الإسرائيليين عليها المتاعب.


غضب الرئيس المصري أنور السادات من البابا واعتبر كلامه ضربة من تحت الحزام. في أعقاب ذلك، قام بنفيه لواحد من المراكز الدينية للأقباط في مصر، دير وادي النطرون، الواقع  على الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية. في تلك الفترة سكن وعمل هناك راهبان، شغلا مع الأيام منصب رئيسي في قيادة الطائفة: الأنبا تواضروس والأنبا أبراهام.


“واجب إنساني "

 

تواضروس الثاني، الزعيم الـ 118 للكنيسة القبطية هو لقب وجيه صبحي سليمان 63 عاما، صيدلي، ابن لأسرة مسيحية من محافظة المنصورة بمصر، يشغل مهام منصبه كرئيس للكنيسة القبطية منذ ثلاث سنوات، وقتها حصل على لقب تواضروس الثاني.

 

وفقا لتقديرات غير رسمية، يصل تعداد الطائفة المسيحية- القبطية إلى نحو 10% من سكان مصر، بنحو 9 ملايين نسمة. هم أبناء أكبر أقلية في بلد النيل. منذ عامين ونصف العام، عندما قرر وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، رجل الإخوان المسلمين، جمع في قصره كل عناصر القوة في السياسة المصرية، وبحضورهم أعلن الإطاحة بمرسي وسلك طريق جديد. 


لغرض الإعلان المصور اجتمع معا قادة الجيش، وسياسيون بارزون، ورئيس جامعة الأزهر، وبالطبع الأنبا تواضروس الثاني.

 

بالنسبة للسكان الأقباط بمصر كان في انقلاب القصر الرئاسي مكسب وإنقاذ. في عهد محمد مرسي ضج الشارع بالأرواح الشريرة، وأضحى المسيحيون هدفا لمضايقات دامية. 


قبل ثلاثة أشهر على الإطاحة، قتل 8 منهم في فوضى دامية حدثت بالقرب من الكاتدرائية القبطية بحي العباسية بالقاهرة. ليست هذه المرة الأولى التي يتحول فيها المسيحيون إلى كيس اللكم للأغلبية المسلمة في مصر.

 

كذلك في عهد مبارك اندلعت من آن إلى آخر مواجهات دامية بين الجانبين، وانتشرت أعمال اختطاف النساء المسيحيات وتغيير دينهم للإسلام. مع ذلك، كان الإحساس السائد أن الأمور تحت السيطرة. 

 

خلال فترة عدم الاستقرار التي تلت سقوط حسني مبارك شعر الأقباط أكثر من أي مرة أن حياتهم في خطر. التدابير التي اتخذها السيسي الذي واصل منذ ذلك الوقت ليصبح رئيسا، أعادت لهم الكثير من الأمن الشخصي.

 

في السنوات الأخيرة، ومن وحي العلاقات الدافئة بين نظام السيسي ومكتب نتنياهو والمنظومات الأمنية على كل الجانبين، بدأ حجاج أقباط من مصر في الإكثار من زياراتهم للقدس.


سواء كان الأمر تطبيعا أم لا- في عيد الفصح هذا العام وصلت حصة الزائرين الأقباط إلى ذروتها وبلغت 6000 حاج. يحتمل أن تشجع زيارة تواضروس الثاني الكثيريين على الاستمرار في زيارة المدينة المقدسة، وبذلك يضعف تدريجيا الحظر الذي فرضه سلفه قبل 35 عاما، وهذه مخاوف الكثيرين ممن عارضوا الزيارة.

 

في أعقاب العاصفة التي حدثت في القاهرة، سارع البطريرك لتوضيح أسباب زيارته بينما كان لا يزال بالقدس، تحدث لإحدى قنوات التلفزة في مصر وأوضح أن الحديث لا يدور عن زيارة رسمية، بل واجب إنساني، لتوديع رجل كرس حياته للكنيسة والوطن إلى مثواه الأخير، على حد قول البطريرك.

 

وأوضح تواضروس الثاني قائلا:"عدم الحضور بنفسي سواء على مستوى منصبي الكنسي أو بشكل شخصي لتقديم العزاء كان سيعد تقصيرا مني. وجودي هنا لجانبين  أولهما التعزية وتأكيد الدور الكبير لهذا الحبر الجليل، والآخر  لأن الأنبا ابراهام كان من أوائل الأشخاص الذين أخذوا بيدي. وتعلمت منه الكثير  روحه المرحة وأسلوبه الطيب لكسب النفوس. كسب الجميع من جهات مسئولة، ومسيحيون ومسلمون ويهود ممن تعاملوا معه أحبوه".


لم يكن البطريرك الوحيد الذي أصر على أن زيارته تخلو من دلالة سياسية، كيلا يشعر أحد أن الحديث يدور عن خطوة لتحسين العلاقات مع إسرائيل. منذ سنوات طويلة لا تذكر زيارة هنا أصر الكثيرون على التأكيد للآخرين إلى أي مدى شكلها ليس كما يبدو.


قال المتحدث باسم الكنيسة القبطية القس بولس حليم إن "الزيارة ليست نتاج أي جدول أعمال سياسي. أسبابها دينية وروحانية. الكنيسة فكرت في البداية إرسال وفدا للجنازة بدون البطريرك، لكن موقفها تغير بعد أن تبين أن الأنبا أبراهام أوصى بأن يدفن بالقدس وليس بمصر. وهو ما يعني أنه لم يكن بإمكان الأنبا تواضروس الثاني تجنيزه في مصر. هكذا ولدت فكرة سفره إلى مصر.

 

دليل على الاعتراف بالسيادة

 

لحين هدوء النفوس في القاهرة، فإن رحلة البطريرك للقدس وحدت إسرائيل والسلطة الفلسطينية في عرض نادر من الارتياح. فمنذ سنوات يدعو رموز السلطة الأنظمة العربية للسماح بمقاطعة التطبيع، وإرسال وفود لتفقد المدينة.

 

في سلسلة خطابات علنية أوضح أبو مازن لمستمعيه أن زيارة القدس لا تعد اتصالا مع المحتل، بل احتضان للسلطة الفلسطينية وتأكيد عروبة القدس. حظيت دعواته باستجابة ضعيفة، وها هو زعيم عربي ذو مكانة يأتي ويزور الأماكن المقدسة بالمدينة القديمة.

 

بلغته المجازية الخاصة  قال زياد البندك مستشار أبو مازن للشئون المسيحية "نعتبر أن زيارة السجين هي للتضامن معه، وليست تطبيعا مع السجان، والزيارة تحمل طابعا دينيا روحانيا، ومن غير المنطقى أن تستغلها إسرائيل سياسيا، لأنها لا تحمل طابعا رسميا".


وذكر البندك بأن البطريرك القبطي يعرف أبو مازن بشكل شخصي، من زيارات الأخير للقاهرة، وأضاف " البابا شخصية وطنية وداعم من الدرجة الأولى لفلسطين".


وأعرب عدنان الحسيني وزير شؤون القدس في منظمة التحرير الفلسطينية عن أمله في أن تكون زيارة البطريرك إشارة إلى زيارات أخرى للمزيد من الأقباط للمدينة المقدسة.

 

 وتابع :”من الأهمية بمكان ألا يسمح محبو القدس للمدينة بأن تكون معزولة. هكذا كان يرى أيضا المطران أبراهام، لذلك فإنه يستحق أن تأتى لتجنيزه أكبر جهة دينية في الكنيسة القبطية".


كذلك في إسرائيل ينظرون بارتياح لأية زيارة تقوم بها شخصية عربية، حتى إن لم يكن هدفها سياسيا. فالقدس (الحكومة الإسرائيلية) من جانبها ترى في ذلك اعترافا بسيادتها على القدس الشرقية وتشجيعا لقدوم مزيد من الحجاج.

 

كل طرف وأسبابه، لكن كلاهما- إسرائيل والسلطة الفلسطينية- تتوقعان موجة زوار من مصر في أعقاب زيارة تواضروس الثاني. 

 

الآن يبقى  علينا الانتظار قليلا كي نرى هل ستتواصل موجة الججاج الأقباط من مصر، الذين كثرت زيارتهم خلال السنوات الماضية للمدينة المقدسة.