غزة- محاسن أُصرف
أثار قرار حكومة غزة بإقرار مشروع تسوية مستحقات موظفيها المالية بأراضٍ حكومية جدلاً واسعاً على مستوى الشارع الفلسطيني في قطاع غزة والمسؤولين وأصحاب الرؤى الاقتصادية والسياسية على الساحة الفلسطينية.
وعبّر مواطنون في لقاءات منفصلة مع "الحدث" عن وجهات نظرهم بالقرار وآثاره على الموظف والاقتصاد برمته، وقال فريقٌ منهم بإيجابية القرار إذا ما تم دعم وتمويل المشاريع السكنية وتوفرت السيولة لدى الحكومة بمجرد انتهاء التسوية لتسديد فاتورة الرواتب لموظفيها أولاً بأول، فيما ذهب الفريق الآخر إلى القول بإجحافه للموظفين من الفئات الدنيا والمتوسطة، خاصة إذا تم استخلاص كافة ما عليهم من مستحقات لقطاعات الحكومة أو البنوك أو البلديات.
وبحسب نص القرار، فهو يقضي بتخصيص أراض حكومية لإنشاء جمعيات إسكانية، توزع لجميع المواطنين دون استثناء، ويستفيد منها الموظفون العموميون العاملون في قطاع غزة، الذين عملوا مع الحكومة في غزة بعد الانقسام وما زالوا على رأس علمهم ولا تقوم حكومة التوافق الوطني بدفع رواتبهم، بحيث تحسم قيمة مساهمتهم في المشاركة في تلك الجمعيات من رصيد مستحقاتهم المالية المتراكمة، بعد استقطاع حقوق الغير المتعلقة بالحكومة والبلديات.
"الحدث" رصدت كافة الآراء، وبحثت في أسبابه وخرجت بالتقرير التالي.
آراء متباينة
لا تبدو الموظفة ليلى العجوري والتي تعمل في التعليم، مستبشرة بقرار تسوية مستحقاتها المالية على الحكومة والتي تبلغ وفق تقديرها 12 ألف دولار أمريكي، بأراضٍ حكومية، العجوري وهي أم لثلاثة أطفال وزوج لا يعمل تقول لـ"الحدث": "كموظفة لن أستفيد من الأرض بشيء كوني لا أملك سيولة تُمكنني من البناء، وبالتالي ستبقى معاناتي كما هي"، وأضافت: "أنها تحتاج أكثر لمستحقاتها أموالاً لكي تُسدد التزاماتها من ديون وتوفر احتياجات أسرتها"، مؤكدة أن بعض الموظفين لديهم أراضٍ وآخرين يملكون بيوتاً، لكنهم يفتقدون لما يوفر احتياجاتهم اليومية.
وكانت العجوري تنتظر صرف مستحقاتها لتتمكن من دفع 5 آلاف دولار قسط شقة سكنية في مدينة حمد غرب خان يونس، تقول متسائلة: "من أين سأوفر هذا المبلغ؟" مشيرة إلى أنها لا تتقاضى من راتبها إلا 40% فقط، أي ما يُعادل (ألف شيكل) لا تُغني ولا تسمن في ظل التزاماتها المالية لإيجار المنزل الذي تقطنه حالياً في شمال القطاع ومصاريف أطفالها الثلاثة ومصاريفها اليومية في وصولها للعمل والتزاماتها البيتية في ظل تعطل زوجها عن العمل، تُناشد السيدة أن يتم صرف مستحقاتها مالياً لتتولى إدارتها وفق احتياجاتها وأولوياتها.
ولا تختلف عنها الموظفة إيمان مؤمن، فهي معارضة للمشروع وترى أنه لا يخدم إلا فئة محددة، هم كبار الموظفين الذين لديهم مستحقات ضخمة على الحكومة، وتابعت بالقول: "إذا تم حسم المستحقات المتعلقة بالحكومة كالطاقة والبلديات وغيرها من المستحقات البنكية دفعة واحدة ما الذي يتبقى؟" وعقبت متهكمة: "المشروع لفئة مدير وما فوق والباقي عليه السلام".
إيجابيات محدودة
ولم تكن كافة الآراء مُعارضة للمشروع، فقد ذهب المؤيدون إلى القول بأن المشروع إنجاز لتحصيل الحقوق التي عزَّ عليهم الحصول عليها مالياً، كونها غير متوفرة بسبب الحصار المالي للحكومة، وأكد الموظف بهاء الدين محمد، أنه من الجيد لهم دفع الحكومة التزاماتها تجاههم متمثلة بالأراضي الحكومية، آملاً أن تُتيح التسوية النهائية مع الحكومة لها القدرة على دفع التزاماتها المالية أولاً بأول، وطالب بضرورة تزامن تطبيق المشروع على الأرض مع توفر سيولة مالية لدى الحكومة حتى لا يعود به الحال إلى المربع الأول في تراكم المستحقات.
فيما أشارت موظفة أخرى إلى ضرورة إيجاد فرص تمويل كبيرة لتنفيذ مشاريع الإسكان مؤكدة أن ذلك سيعود بالنفع على المواطن وعلى الحياة الاقتصادية بشكل عام.
أسباب اضطرارية
وفي قراءة تحليلية للقرار مع الباحث والمحلل الاقتصادي رائد حلس، أرجع سبب اتخاذه إلى استمرار حالة الانقسام السياسي بين جناحي الوطن، خاصة بعد أن ألقى بظلاله الثقيلة على الاقتصاد الفلسطيني وساهم في تعقيد اكتمال مشروع الاستقلال وبناء الدولة، وأشار في تصريحات خاصة بـ"الحدث" إلى أن عدم قدرة حكومة التوافق التي شُكلت في الربع الأخير من العام 2014 بعد إتمام المصالحة من بسط صلاحياتها بالكامل على القطاع وبقاء حكومة حماس تتحكم في غزة، جعل الأخيرة تأخذ على عاتقها تأمين فاتورة الرواتب لموظفيها من خلال موارد الدولة الفلسطينية وجباية الضرائب من التُجار والمواطنين، وأضاف قائلاً: "استطاعت حماس بذلك تأمين نصف الراتب وبقي النصف الآخر مستحقات عليها للموظفين"، وتابع: "ذلك دعاها إلى التفكير بحل تسوية المستحقات بتوزيع أراضٍ حكومية".
تداعيات خطيرة
وفيما يتعلق بالنتائج يؤكد الباحث الاقتصادي حلس، أن تداعيات القرار خطيرة ولها مدلولات سياسية واقتصادية كبيرة جداً، وفق تعبيره، وقال: "على الصعيد السياسي القرار ينسف جهود المصالحة ويُعمق حالة الانقسام ويؤكد على استمرار نظام الحكم في غزة دون حدوث أي تغيير في الحاضر أو المستقبل"، وتابع أن الخطورة الأكبر تكمن على المستوى الاقتصادي، إذ تضمن آلية توزيع الأراضي حقوق كبار الموظفين نظراً لضخامة مستحقاتهم المالية أما الموظفين أصحاب سلم الرواتب المتدنية فسيكون نصيبهم أراضٍ مشتركة، ولعل الخطورة ليست هنا كما يُخبر حلس، وإنما في لجوء غالبية الموظفين إلى بيع نصيبهم من الأراضي نظراً لحاجتهم للمال الذي يُمكنهم به توفير احتياجاتهم وسداد ديونهم المتراكمة منذ سنوات، ويُضيف: "المستفيد هنا سيكون عدد قليل جداً من أصحاب رؤوس الأموال والتُجار وسماسرة الأراضي والعقارات".
إيجابية مؤجلة
من جانبه علق الخبير الاقتصادي نهاد نشوان على القرار بالقول إن: "تغطية الالتزامات على الحكومة ببيع العقارات لا تُضيف شيئاً للاقتصاد الغزي سواء على صعيد الناتج المحلي أو السيولة"، خاصة وأن الإجراء محصور في (أرض- ديون) وكلاهما فاقد للسيولة، وفق تعبيره،
واستطرد متفائلاً أن الأمر قد يتغير ويبدو إيجابياً إذا ما تم تمويل الجمعيات السكانية من دول مانحة، مؤكداً في تصريحاته لـ"الحدث" أن ذلك سيعود بالنفع على المواطن من خلال تنشيط السوق وحل مشاكل السكن، وتابع: "إن لم يحدث ذلك فسيكون الإجراء عبء".
إجراءات التنفيذ
وحول الفئات المستفيدة من المشروع أكد الخبير الاقتصادي نشوان، أن المعلومات المتوفرة والتي أعلنها المهندس زياد الظاظا عضو المكتب السياسي لحركة حماس ووزير المالية السابق، تُشير إلى شمول المواطنين ضمن الفئات المستفيدة في إطار جمعيات الإسكان التي سيتم توزيع الأراضي عليها، وأنه سيتم حسم كافة الالتزامات الخدماتية من مستحقات الموظفين سواء (بلديات/ كهرباء) وصولاً إلى صافي المستحق لهم، وبيّن أن إجراءات التنفيذ ستكون بدايةً بحسم كافة المستحقات المتعلقة بالحكومة، وسيكون الحسم على الجميع بغض النظر عن موافقتة على المشروع، ومن ثمَّ في خطوة متقدمة وبعد نهاية ديسمبر 2015 ستُعمم نتيجة التسوية على الحواسيب الحكومية موضحاً فيها (المستقطع من المستحقات، الجهة المستقطعة، رصيد المستحقات)، وأضاف مع بداية يناير 2016، ستُعمم مخططات الأراضي المفروزة من حيث أماكنها، مساحتها وثمنها، وحسب ما هو مُعلن عنه في إجراءات تنفيذ المشروع فإن عدد المشتركين في الأرض يتراوح ما بين (20– 30) موظف حسب النظام الداخلي لجمعية الإسكان المشرفة، ويحق للموظف اختيار المشتركين معه في قطعة الأرض وكما يحق للموظف جمع مستحقاته ومستحقات زوجته في حال كانت موظفة، وأوضح أن الموظف التي تكون مستحقاته أقل من النصاب سيحسب له نسبة 25% من مستحقات 2016، كاشفاً عن فرز وتثمين ثلاث قطع أولية من الأراضي الحكومية هي (الشمال بالقرب من بيسان، الجنوب بالقرب من أبراج الإسراء بجوار فندق الموفمبيك، وأماكن متفرقة).
مخالف قانونياً
ومن جانبه رأى الخبير القانوني، صلاح عبد العاطي أنه لا يُمكن قانونياً تخصيص الأراضي الحكومية من قبل مجلس الوزراء إلا بقواعد ومعايير محددة بالاستغلال الأمثل لتلك الأراضي وأن تخدم الصالح العام، وشدد عبد العاطي في لقاء مع "الحدث" على خطورة القرار على مساحة الأراضي الحكومية المتبقية للأجيال القادمة، خاصة في ظل تعديات بعض المواطنين عليها وآلية التخصيص التي يغلب عليها الطابع الحزبي.
وحسب قرار مجلس الوزراء رقم (9) لسنة 2007، بشأن الأراضي الحكومية، والذي صدر عن الحكومة التي شكلها رئيس الوزراء السابق، إسماعيل هنية، عقب الانتخابات التشريعية في العام 2006، فإنه يُشير إلى أن: "الوقف الفوري لأي تخصيص من أراضي الدولة للمنفعة العامة أو الخاصة إلا بناء على قرار يصدر عن مجلس الوزراء"، وفي هذا السياق يؤكد عبد العاطي، أن صدور القرار عن كتلة التغيير والإصلاح لا يُمثل المجلس التشريعي، خاصة وأن الأخير مُعطل منذ عام 2007 ولم يعقد أي جلسة، وقال: "القرار غير قانوني"، ودعا إلى إقرار حقوق الموظفين بتسليمهم رواتبهم بدلاً من تضييع الأراضي الحكومية عبثاً، خاصة إذا لم تستطع الحكومة بعد توزيع الأراضي لـ 50 ألف موظف لديها من توفير رواتبهم شهرياً، وتابع: "ذلك سيدفعهم للتخلي عن الأرض بالبيع وستضيع هباءً".
وأشار عبد العاطي إلى أن المعطيات القائلة بعدم توفر متر أرض واحد في قطاع غزة بحلول عام 2020، وفق تقرير الأمم المتحدة، تقتضي من الحكومة مراجعة حساباتها ومخططاتها والعمل على حلها وتطويرها بما يتلاءم مع الحاجة.
وفي المجال ذاته نفى المحلل الاقتصادي حلس لـ"الحدث" قانونية القرار، خاصة وأنه بدا مخططاً له، مؤكداً أن الحكومة لجأت إلى المجلس التشريعي في غزة لاعتماد القرار ويكون مبرراً لها، وتابع أن ذلك يتنافى مع القانون، خاصة في ظل تعطل المجلس التشريعي منذ العام 2007، وقال: "القرار غير قانوني لأنه لم يأتِ ضمن منظومة تشريعية موحدة بين جناحي الوطن".
وأكد أنه لا يجوز قانونياً توزيع مقدرات الدولة والتصرف بها لصالح فئة دون النظر إلى مصالح الآخرين، لافتاً أن ذلك سوف يمس بحقوق الأجيال القادمة، ويتسبب في خلق مزيد من الأزمات وسيشكل ديمومة الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة والسبب، وفق تقديره، أن سياسة توزيع الأراضي لن تنجح في حل الأزمة بقدر نجاحها في تثبيت نظام الحكم الحالي في غزة وتعميق حالة الانقسام ونسف جهود المصالحة الفلسطينية، مطالباً كافة الجهات المعنية بتضافر الجهود لإتمام ملف المصالحة وإنهاء حالة الانقسام للخروج من المأزق وحل كافة المشكلات والأزمات.
مطالبة بإلغاء القرار
وكذلك اعتبرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان- ديوان المظالم بقطاع غزة، أن قرار كتلة التغيير والإصلاح في قطاع غزة قرار خطير ويمس بحق المواطنين في الأراضي الحكومية، مؤكدة في بيانٍ لها، وصلت الحدث نسخة منه، أن تلك الأراضي يجب أن تخصص وفق إجراءات قانونية سليمة لخدمة المصلحة العامة وليس لخدمة فئات محددة.
وطالبت الهيئة بإلغاء قرار تخصيص الأراضي الحكومية وعدم العمل به، واعتبار أن أي تصرف بهذا الشأن يعتبر باطلاً، كما وطالبت حكومة الوفاق الوطني بالقيام بالدور القانوني والسياسي المنوط بها وتحمل مسؤولياتها في حل الأزمات والإشكاليات التي يعاني منها قطاع غزة، بما في ذلك حل مشكلة الموظفين العموميين العاملين في المؤسسات الحكومية في غزة، بصفتها المرجعية القانونية الشرعية المختصة بذلك، وباعتبار موضوع الموظفين أحد ملفات المصالحة التي تم الاتفاق عليها منذ يونيو 2014 والتي شُكلت الحكومة من أجل متابعتها، كما جاء في البيان.