السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

"يهودي" مقابل "إسرائيلي"

2016-01-03 08:03:57 AM
شعار اسرائيلي على صندوق انتخابات (ارشيفية)

 

الحدث- القدس

 

يحاول المفكر اليهودي دمتري شومسكي، وعبر مقال تحليل له في صحيفة هآرتس، أن يوضح الفرق بين مفهوم "دولة يهودية" في مقابل "دولة إسرائيلية".

 

إلى نص المقال:

تعالوا نُجادل مؤيدي إعادة تعريف إسرائيل كدولة جميع مواطنيها الإسرائيليين. يقول الكسندر يعقوبسون إن مفهوم "اسرائيل" بالتحديد يمكن اعطاؤه بسهولة معنى مناقضا للديمقراطية. إكليركي وقومي متطرف. فهذا هو الاسم التاريخي الاساسي للشعب اليهودي والاسم المحبب على الديانة التي نسميها يهودية ("هآرتس"، 12 أيلول). اذا كانت هذه هي الحال فيمكن التساؤل لماذا لا يقف نتنياهو ونفتالي بينيت واييلت شكيد في الطابور من اجل الانضمام الى جمعية "أنا إسرائيلي"؟.


الجواب ليس معقدا: العناصر اللاديمقراطية في إسرائيل ترتدع من مفهوم "دولة إسرائيلية". لأنه اضافة إلى اليهودية فان المفهوم يشمل باقي مواطني الدولة دون تمييز في الدين والعرق، كشركاء في السيادة المدنية للدولة.


يعقوبسون على حق حسب الفرضية التي تقول إنه يمكن تفسير مفاهيم مثل "دولة يهودية" و"دولة إسرائيلية" بطرق مختلفة ومتعارضة. لكن يجب الاتفاق على أنه من المفروض تفسير المفاهيم السياسية ليس بعيدا عن الواقع الاجتماعي والمدني والسياسي المحدد للمجالات التي تستخدم فيها. من الواضح أنه في واقع اجتماعي، مدني وسياسي محدد في إسرائيل في العقد السابع على قيامها، يوجد لمفهوم "يهودي" معنى ضيق. لأنه يعبر عن القومية العرقية الدينية، في الوقت الذي يوجد فيه لمفهوم "إسرائيلي" معنى واسع وشامل، حيث أنه مستمد من اسم الدولة بكل من فيها من مواطنين بغض النظر عن هويتهم العرقية القومية.


صحيح أن هذه العلاقة بين المفاهيم الانتمائية السياسية للواقع الاجتماعي السياسي في إسرائيل ليست قدراً، بل هي نتاج قرارات إنسانية. اسحق بن تسفي، مثلا، تردد في أعقاب قرار الأمم المتحدة تقسيم البلاد في العام 1947، في موضوع اسم الدولة اليهودية الجديدة، هل تكون "إسرائيل" أو "يهودا". وقد كان يميل للاسم الثاني واقترح تسمية الدولة "يهودا" وأن تتم تسمية مواطنيها "أبناء يهودا" أو "يهود دون تمييز في الدين والعرق".


من المنطقي القول إنه لو تم اعتماد رأي بن تسفي وسُميت الدولة على اسم يهودا، لكان هذا الاسم سيعبر عن الهوية المدنية الجغرافية، ولكان أخذ مع مرور الوقت المغزى الذي يحمله اسم "اسرائيل". في هذه الحالة كان القوميون المتطرفون سيبحثون عن اسم بديل ليكون شعارا في الصراع لضمان الحقوق الزائدة لأبناء إسرائيل داخل مجموع "أبناء يهودا" أو "يهود بدون تمييز في الدين والعرق". وحينها كانت كلمة "إسرائيلي" ستتحول إلى تعبير عن رفض الآخر.


 إلا أن هذا لم يحدث. والدولة اليهودية بكل مواطنيها سُميت "إسرائيل". لذلك تحول مفهوم "إسرائيلي" مع مرور الوقت إلى مفهوم معناه الديمقراطية والمساواة. أما مفهوم "يهودي" الذي يخص مجموعة لها انتماء قومي ديني وهي جزء من مواطني الدولة فقد تحول بالمعنى السياسي الى مفهوم معناه اثنوقراطي، وهو مناقض للمساواة.


 يضاف إلى ذلك أن مغزى مفهوم "إسرائيلي" لا يقتصر فقط على التفسير المدني، بل يحمل في داخله بعدا يهوديا أعمق كثيرا من مفهوم "يهودي" مركزي. حيث أن العلاقة المزدوجة لـ "الإسرائيلي" في الارث الماضي القومي الديني لشعب إسرائيل، والحاضر متعدد الثقافات في دولة إسرائيل، ترمز إلى التوتر الداخلي بين الاساس البطريركي وبين الاساس الانساني الكوني، الذي كان في جوهر اليهودية على مر التاريخ. وهذا هو التوجه الدائم في الجسر بين هذه الأسس، التي هي من طابع الدين والايمان اليهودي الخاص.


اضافة إلى ذلك، فانه لـ "إسرائيلي" لا يوجد فقط مغزى ديمقراطي أكثر ويهودي أكثر من المفاهيم البديلة السائدة في النقاش في اسرائيل، بل ايضا مغزى صهيوني واضح: "نحن نريد أن نكون الأكثر تطورا بين الشعوب". هكذا صاغ ثيودور هرتسل في كتابه "دولة اليهود"، الطموح الاجتماعي السياسي للصهيونية كقومية عصرية. ولا أحد يختلف على أن مغزى الشعب العصري هو ايضا تطوير لهوية سياسية مفتوحة ونقية من الاصولية العرقية الدينية، تكون قادرة على أن تستوعب جماعات دينية وعرقية وثقافية مختلفة داخل الدولة. هكذا هي الهوية المدنية الإسرائيلية التي تتبلور ببطء ولكن بشكل مستمر على أساس مبادئ الواقع الاجتماعي المدني الإسرائيلي المشترك، وهي تتغلب على الحدود الدينية والعرقية الكثيرة داخل المجتمع الإسرائيلي.


مفهوم "إسرائيلي" يعكس التوازن الهش بين الديمقراطي، اليهودي والصهيوني. لذلك يمكننا القول إنه لو كانت دولة إسرائيل مُعرّفة من جديد بشكل تشريعي كدولة كل الإسرائيليين "دون تمييز في الدين والعرق"، لكانت دولة أكثر ديمقراطية وأكثر يهودية وأكثر صهيونية بالمعنى العميق لهذه المفاهيم.


 والسؤال هو لماذا لا يقف الذين يعلنون عن أنفسهم كمؤيدي "الدولة اليهودية والديمقراطية" وكمعارضي الاصولية الدينية، لا يقفون من وراء فكرة الدولة الإسرائيلية المدنية. بل هم على عكس ذلك لا يتوقفون عن التهجم على هذه الفكرة. واحيانا يجندون الادعاءات من مجموع مفاهيم ما بعد الحداثة.


هكذا هو الادعاء الذي لا أساس له والذي يقول إن "الإسرائيلية" هي معيار قمعي يتجاهل الحقوق الثقافية "للعرب" و"الروس" و"الشرقيين" و"المتدينين" وايضا "اليهود" – رغم أنه لا يوجد لكم معيار يشمل في داخله جميع الهويات بشكل شامل وليّن أكثر من "الإسرائيليين". كثير من اولئك الذين يعتبرون أنفسهم صهيونيون ليبراليون وإنسانيون ويديرون صراعا خاطئا لا أمل له ضد "الدولة الإسرائيلية"، يبدو أنهم يفعلون ذلك بسبب القلق على الامتيازات التي تحظى بها القومية العرقية الدينية اليهودية. لكنهم لا يعترفون بذلك علناً حتى لا تتشوه صورتهم.