السبت  27 نيسان 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مترجم| معهد هدسون: من هي القوى الكبرى الثماني لعام 2016؟

2016-02-19 08:31:12 AM
مترجم| معهد هدسون: من هي القوى الكبرى الثماني لعام 2016؟
أعلام الدول

ترجمة: آية سيد

المصدر- معهد هدسون تقرير بعنوان The Eight Great Powers of 2016: Iran Joins the Club

 

بشكل عام, كان 2015 عاماً حيث رأت معظم القوى العظمى قدرتها على التحكم في الأحداث التي تتجاوز أو تكون في بعض الأحيان داخل حدودها وهي تتراجع. بإستثناء إيران, التي إكتسبت قوة خلال العام بفضل النجاحات الدبلوماسية التي حققتها وعواقب التدخل الروسي في سوريا, كان 2015 عاماً حيث كان للعثرات السياسية ومعدلات التراجع النسبية تأثيراً على تصنيفات القوة أكبر من الإنجازات والنجاحات الفعلية. هذه التحركات شجعها وأكدها إنهيار طفرة أسعار السلع, التي فجرت رواية أن الهيمنة الأمريكية سوف تنتهي قريباً جداً على يد دول البريكس الصاعدة بدون تقديم إرشاد عما قد يحدث بعد ذلك. كانت أكثر دولة هبط تصنيفها هي ألمانيا؛ إن فشلها في إدارة الأزمات المتفاقمة في الإتحاد الأوروبي لم يعني أن الإتحاد الأوروبي عاش عاماً سيئاً فحسب. إن القيادة الألمانية تتعرض للتشكيك بطريقة جديدة, وفي حين إنه لا توجد دولة قادرة على منافسة ألمانيا على الدور القيادي في الإتحاد الأوروبي, يكمن الخطر في أن القيادة الألمانية سوف تواصل التعثر في 2016 وأن الإتحاد الأوروبي سيفتقد بشكل متزايد القدرة على مواجهة مشكلاته المتنامية.

 

كان التطور الأكبر في 2015 هو أن إيران قفزت في تصنيفات القوى العظمى, ورفعت عددها إلى ثمانية. إيران والسعودية الآن مشتركتان في صراع متعادل, حيث كل شيء مسموح به من أجل السيطرة على الشرق الأوسط وإحتياطيات النفط الضخمة الموجودة به. إن أسعار النفط المنخفضة تخلق مشاكل لكلتا القوتين, لكن تركيبة الكراهية الدينية والمنافسة الجيوسياسية تضمن أن كلتا الدولتين ستقدمان كل ما في جعبتهما من أجل هذه المنافسة. في نهاية الأمر, إما ستخرج واحدة من الإثنتين كرابح واضح بمكان مضمون على قائمة القوى العظمى, أو ستستغل دولة ثالثة (تركيا؟ روسيا؟ الولايات المتحدة؟) عداوتهما وإرهاقهما لفرض نظامها على الخليج. 

 

كان 2015 عام مباريات الحقد. ما عدا الهند والولايات المتحدة, القوى العظمى الباقية تتصارع مع بعضها البعض. روسيا تتصارع مع ألمانيا. السعوديون يتصارعون مع إيران. اليابان تتحدى الصين. (الهند, بالطبع, تواصل مواجهة باكستان صاحبة القوة من الدرجة الثانية). في السنة المقبلة, مباريات الحقد هذه, وتأثيرات كساد السلع, وتباطؤ الصين قد تصبح القصص العالمية الكبرى التي نشهدها.

 

تصنيفات القوى العالمية لعام 2016

الولايات المتحدة الأمريكية

 

تبقى الولايات المتحدة على قمة تصنيف القوة بسبب أن القوى الأخرى تتصارع أكثر من المكاسب أو النجاحات الحقيقية التي حققتها. لقد جلب عام 2015 الكثير من العثرات في السياسة الخارجية, وعلى الصعيد الداخلي, الفشل المتواصل لصناع السياسة الأمريكيين في إيجاد حلول عملية لمشاكل الدولة الإجتماعية والإقتصادية يلقي بظلاله على المستقبل. مع ذلك, يبقى الإقتصاد الأمريكي نشط وموثوق, يخلق إبتكارات جديدة أسرع من أي مكان آخر ويجذب الإستثمار من الأفراد والحكومات والشركات حول العالم. إن إنهيار أسعارالنفط يعرّض شركات الزيت الصخرى للخطر, لكن الصناعة تواصل المقاومة ومن المنتظر أن تصبح الولايات المتحدة مُصدِّر كبير للطاقة عندما ترتفع الأسعار في النهاية.

 

إن العائق الأكبر أمام القوة الأمريكية هذه الأيام هو على الأرجح التصور المتزايد داخل المجتمع الدولي بأن الأمريكيين فقدوا القدرة على إيجاد وإختيار رؤساء ماهرين. يُنظر لبوش وأوباما على إنهما عاجزين, وحالة السباق الرئاسي الحالي لا توحي بالكثير من الثقة. على الأرجح سيفضل قادة العالم كلينتون أولاً, ثم جيب ثانياً – على الأقل الإثنان معروفين. المرشحون مثل ترامب, ساندرز, وكروز يجعلون الأجانب يشعرون بالتوتر الشديد؛ لا أحد يفهم من أين يأتون, ولا ماذا سيفعلون, ولا لماذا يعتقد الأمريكيون إنهم يمتلكون المهارات اللازمة لقيادة الدولة. بينما يبدأ الأجانب في الإنتباه لترامب بالتحديد, سوف يزداد قلقهم, إلى جانب إعتقادهم بأن القيادة المنحرفة والنظام السياسي المختل وظيفياً سوف يجعلون الولايات المتحدة تؤدي بصورة سيئة في السياسة الدولية.

 

في آسيا, استمرت الولايات المتحدة في تعزيز تحالفاتها مع اليابان والهند, وقاد الرئيس أوباما دول المحيط الهادي إلى إتفاقية تاريخية للتجارة الحرة. لكن الولايات المتحدة صارعت من أجل الرد على عدوان الصين في بحر الصين الجنوبي, ومازال عليها أن تتوصل إلى إستراتيجية شاملة لحماية الأصول الإلكترونية الهامة من القراصنة الصينيين. مع ذلك, كانت سياسة أمريكا في آسيا مستقرة نسبياً ومثمرة مقارنة بسياستها في الشرق الأوسط, حيث واجهت القوة الأمريكية تحديات كبيرة من روسيا.

 

إن إبرام الإتفاقية النووية مع إيران تسبب في توتر علاقات واشنطن مع العالم السني ومع إسرائيل. تعاملت السعودية مع الأمور بنفسها, مما فاقم التوترات الإقليمية أكثر. كل هذا لا يبشر بالخير للنظام العالمي الأمريكي والإستراتيجية الجوهرية بقمع المنافسة بين القوى الكبرى الأخرى التي كانت في قلب هذا النظام لفترة طويلة.

 

تواجه الولايات المتحدة تحديات أخرى أيضاً: النظام الذي تدعمه أمريكا في أوروبا هش بصورة متزايدة, ويبدو أن الولايات المتحدة سمحت لنفسها بأن تصبح غير ذات صلة بعملية دعم الإتحاد الأوروبي المعقدة والصعبة. على الرغم من أن الإتحاد الأوروبي ليس مثالياً من وجهة النظر الأمريكية, لا تزال واشنطن تريد وتحتاج أن ينجح. من المرجح أن الإدارة القادمة سيكون عليها قضاء المزيد من الوقت والجهد في التعامل مع برلين, بروكسل, لندن, باريس, وارسو, وروما.

 

وفي الملعب الخلفي لأمريكا نفسها, المشاكل مُثارة. البرازيل تعاني من إضطراب إقتصادي وسياسي, الأرجنتين تصارع من أجل إستعادة مكانتها في ظل حكومة منقسمة, والحكومة الإشتراكية المنهارة في فنزويلا على شفا صراع أهلي عنيف أو إنهيار الدولة. في الماضي القريب, لم يكن على الولايات المتحدة أن تقلق كثيراً حيال إستقرار الأنظمة في أمريكا اللاتينية. ربما يتغير ذلك هذا العام.

 

لكن بقدر ما تفرض هذه المناطق المشتعلة تحديات أمام النظام الأمريكي, إلا إنها تؤكد أيضاً مكانة أمريكا في الصدارة. إن وفرة السلع لم تضر الولايات المتحدة بقدر ما أضرت الدول الأخرى. حتى مع قادة ضعفاء, يبقى النظام الدستوري الأمريكي مستقراً والإقتصاد موضع حسد الدول المتقدمة الأخرى. بالمقارنة مع العالم الذي يمتلئ بالفوضى, فإن فرص أمريكا تبدو جيدة إلى حد معقول.

 

الصين

 

بفضل مشاكل ألمانيا مع أوروبا التي تمزقها الأزمات, صعدت الصين في تصنيفات القوة العام الماضي في الوقت الذي فقدت فيه الدولة هالة المناعة الإقتصادية. لم يكن 2015 عاماً جيداً للصين. لقد إنخفض النمو الداخلي, والنفوذ السياسي الصيني تتضرر كثيراً. إن الحكومات والشركات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية هي من تدفع ثمن رهانها القوي على التوسع الإقتصادي الصيني المتواصل. علاوة على ذلك, لم يعد المجتمع الدولي متأكداً من أن حكومة الرئيس شي جين بينغ يمكنها أن تعاير بشكل ملائم الإنتقال من الصناعة الثقيلة إلى الخدمات والإستهلاك. يبدأ المراقبون العالميون في التفكير في كيف سيبدو العالم إذا تحول تباطؤ الصين إلى ركود مطول على غرار اليابان.

 

حتى مع تباطؤ إقتصادها, واصلت الصين متابعة أهدافها الإقليمية بعيدة الأمد. لقد قامت ببناء القواعد الأمامية لجزيرتها الإصطناعية في بحر الصين الجنوبي وأبرزت قدراتها البحرية المتنامية. إضافة لذلك, واصلت الصين تعزيز تحالفاتها التجارية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط, كجزء من إستراتيجية “حزام واحد, طريق واحد.”

 

لم تكن النتائج دائماً كما أملت بكين؛ في الواقع, شهد عام 2015 بعض الإخفاقات الكبرى لدبلوماسية بكين الإقليمية. إن فوز الحزب الديموقراطي التقدمي الموالي للإستقلال في إنتخابات تايوان هذا العام برهن على فشل جهود   الصين  لدعم الكومينتانغ. لقد توصلت اليابان وكوريا الجنوبية إلى إتفاقية حول خلاف “نساء المتعة” المثير للجدل والذي استمر لفترة طويلة. تتقارب طوكيو وسيول فقط عندما يتحتم عليهما ذلك, وعندما يفعلان ذلك لا تكون هذه أخبار سارة للصين.

 

مثل المعتاد, كانت كوريا الشمالية حليفاً مثيراً للمتاعب. إن إستفزازات كوريا الشمالية قوضت محاولات بكين لإبعاد كوريا الجنوبية عن اليابان. إن صورة كوريا الشمالية الخارجة عن السيطرة والتي تهدد من حولها, والمدعومة من الصين التي إما إنها ضعيفة جداً لكبحها أو إنها تستخدم كوريا الشمالية لأغراض مشبوهة, تعزز بقوة رسائل القادة مثل شينزو آبي في اليابان وباك غن-هي في كوريا الجنوبية. لقد كان هناك القليل من النقاط المشرقة.

 

إن إستراتيجية “حزام واحد, طريق واحد” تدر أرباحاً حيث أن نفوذ الصين يتوسع في آسيا الوسطى على حساب روسيا. كما أن إنتهاء عقوبات إيران يفتح الطريق أمام الصين لتنمية روابط إقتصادية وسياسية جديدة مع دولة شرق أوسطية صاعدة في الوقت الذي يخفض فيه إنهيار السلع تكلفة المواد الخام التي تحتاجها الآلة الصناعية الصينية بإستمرار.

 

بالرغم من “محور آسيا” الذي أُعلن عنه بدعاية صاخبة, كان رد الرئيس أوباما على إنهماك الصين في بناء الجزيرة متواريا. بالنظر إلى ذلك, لا يبدو أن الرئيس الصينى يشعر بأي حاجة لكبح الطموحات البحرية. على النقيض: أرسل شي إشارات واضحة أنه, بالرغم من وربما للتعويض عن الإقتصاد المتباطئ, ينوي مواصلة عسكرة الجزر وتحسين قدرة البحرية الصينية حيثما أمكن.

 

اليابان

 

على الرغم من إقتصادها الباهت, كان عام 2015 جيداً لليابان من الناحية الجيوسياسية. قام رئيس الوزراء آبي بتمرير مشروع قانون لإعادة التسليح, وعمل بجد من أجل حشد الدول الأخرى في المنطقة حول سياسته بمعارضة الصين. كما أن الفوز الذي حققه الحزب الديموقراطي التقدمي الموالي للإستقلال (والموالي لليابان) في تايوان يعزز مواقف  اليابان, وكذلك أيضاً التوافق مع كوريا الجنوبية. في نفس الوقت, الإختبارات النووية التي تجريها كوريا الشمالية تقوي المتشددين داخلياً في اليابان, مما يجعل مهمة آبي أكثر سهولة.

 

 كما هو الحال مع كوريا الشمالية, عدوان الصين يساعد اليابان – حتى الآن. في كل مرة يفعل شي شيئاً يقلق فيتنام, كوريا الجنوبية, الهند, ماليزيا, إندونيسيا أو أي قوة إقليمية أخرى, يكسب الرئيس اليابانى.

 

على الصعيد الإقتصادي, تبقى فرص اليابان بعيدة الأمد قوية, وإجتازت محنة معارضة الصين بشكل جيد. إن القدر الكبير من المعرفة بالتكنولوجيا المتقدمة الذي تملكه اليابان يضعها في موقف قوي للقرن القادم, وكذلك القوة العاملة المثقفة. تواجه اليابان مشكلاتها الخاصة: بيروقراطيات منعدمة الكفاءة, شركات ومصالح حكومية كبيرة ومتثاقلة, ونظام يقوم على السيادة الصناعية. مع ذلك ربما تحافظ اليابان على بعض قدرة التصنيع تلك, بالنظر إلى أن مستقبل الصناعة سوف يشمل روبوتات متطورة, وهو تخصص ياباني. مع ذلك, تحتاج اليابان لمعرفة كيف ستعود إلى النمو المستدام وعليها أن تدير سكان متقدمين في العمر ومعدلات خصوبة منخفضة –نفس الثقافة المميزة التي تمنح اليابان بعض المزايا بها أيضاً بعض العناصر ذات النتائج العكسية. 

 

تواصل اليابان بناء علاقات مع القوى الإقليمية الأخرى ذات الثقل. لقد إستمرت شراكة اليابان-الهند في التعمق مع عرض طوكيو على ديلهي المساعدة في مشروعات البنية التحتية العسكرية والداخلية. مثلما حدث في 2014, رفعت اليابان علاقاتها مع الهند ودول أخرى من أجل مواجهة بكين – وهو ليس بالأمر الهين, ويبشر بالخير لمستقبلها. يواصل العالم التقليل من شأن اليابان, لكن العام 2015 ربما يكون قد شهد نقطة تحول: أيا كان ما يحدث للخصائص السكانية وللناتج المحلي الإجمالي, اليابان حتى وقتنا الراهن قوة صاعدة في آسيا, وأقوى رئيس وزراء شهدته الدولةمنذ أعوام كثيرة يواصل سلك طريقاً قوياً.

 

ألمانيا

 

لم يكن 2015 عاماً جيداً لألمانيا. نعم, نجحت ميركل في الحفاظ على الإتحاد الأوروبي متماسكاً وتجنب إنسحاب اليونان من منطقة اليورو. لكن “رؤيتها الأخلاقية” عن اللاجئين إتضح إنها قصيرة النظر وغير قابلة للتطبيق. والآن تواجه إحتمال حقيقي بإنسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي, وإتفاقية شنغن ربما لا تصمد حتى نهاية العام.

 

لقد إزدادت صعوبة إبقاء أوروبا متماسكة, وألمانيا قد لا تمتلك دائماً الإرادة أو الموارد اللازمة لأداء هذه المهمة. إيطاليا تُعارض صراحة خارطة الطريق الألمانية لأوروبا؛ بولندا أصبحت متشككة في الإتحاد الأوروبي؛ البريطانيون يحضرون للتصويت على خروجهم من الإتحاد الأوروبي. على الصعيد الجيوسياسي, ألمانيا تخوض معركة مع روسيا على مستقبل أوروبا. تريد ألمانيا أوروبا ثابتة وبيروقراطية وملتزمة بالقوانين والتي تمضي بإتجاه إتحاد أوثق في تحالف عابر للأطلنطي. لكن روسيا تريد شيئاً أشبه بنظام الدولة الأوروبية الكلاسيكية لتنافس القوى العظمى, وترغب في إقحام نفسها مرة أخرى في قلب السياسة الأوروبية.

 

بعبارة أخرى, تدور المنافسة على من ستنصهر رؤيته أسرع. هل الهجرة, القومية, المرارة على إنهيار اليورو والفساد المستمر في معظم أنحاء الإتحاد سيقضون على قدرة ألمانيا على دفع الإتحاد في الطريق القديم المألوف؟ أم هل ضعف روسيا الإقتصادي سيزيد من المعارضة الداخلية التي تجبر بوتين على تركيز موارده في الداخل أو تجبره على الإبتعاد عن السلطة تماماً؟ كلا السيناريوهين منطقيين, لكن يبقى التوقيت غامضاً.

 

لا يجب المبالغة في الكآبة. سوف تستمر أوروبا في كونها قوة كبرى في المستقبل القريب, ولا توجد دولة قادرة على أن تأخذ مكان ألمانيا كقائد لأوروبا. لكن البيئة الدولية تزداد صعوبة, وسوف تصارع ألمانيا من أجل رسم طريق عملي.

 

روسيا

 

إن إقتصاد روسيا في نفس حجم إقتصاد إيطاليا تقريباً, لكنه أقل تنويعاً, وينهار تحت وطأة أسعار النفط الهابطة. مع ذلك, بفضل مكائد بوتين المبالغ فيها, تستحوذ موسكو على نفوذ كبير في الشئون العالمية. عبر ملئ الفراغ في سوريا وبسط سلطته على أوكرانيا, يضمن بوتين مقعد روسيا على طاولة القوى العظمى.

 

تتمتع روسيا بمزايا هامة أخرى, بالطبع: معظم الدول التي تجاور حدودها عاجزة ولا تشكل أي تهديد على موسكو, وحكومة بوتين تمارس إحتكار إفتراضي على السلطة في أراضيها, وطبعاً, ترسانة الأسلحة النووية الضخمة تجعل روسيا واحدة من القوى القليلة القادرة على تدمير العالم.

 

 في 2015, تفاجأ المحللون بالبراعة التقليدية العسكرية الروسية. لقد أظهرت الأسلحة التي إستعرضها الكرملين في سوريا أن الجيش الروسي يتمتع بمهارة فائقة – ليس ديناصور العصر السوفيتي الذي توقعه الكثيرون. لا يجب المبالغة في التقدير؛ يعاني الجيش الروسي من معظم المشكلات التي تصيب مؤسسات الدولة. مع هذا, أظهرت موسكو في سوريا قدرة على إستعراض القوة والتي لم يشهدها أحد منذ الحرب الباردة.

 

يأتي قدر كبير من قوة روسيا الحالية من الطريقة التي إستغل بها بوتين فراغ السلطة في الشرق الأوسط وفي أوروبا الشرقية. في وقت يتسم فيه قادة الغرب بالحذر, بوتين جرئ ومُقدم على المخاطر. على المدى الطويل, ربما تأتي إستراتيجيته بنتائج عكسية. إن إقتصاد روسيا لا يستطيع تحمل أسعار النفط المنخفضة إلى ما لا نهاية, والمعاناة الإقتصادية سوف تُسبب المزيد من الإضطراب في الدولة. إن إستراتيجية طريق الحرير الجديد التي تتبناها الصين سوف تزيح روسيا من مكانتها كقوة مهيمنة في معظم أنحاء آسيا الوسطى؛ ليس من الواضح إذا كانت روسيا تمتلك إستراتيجية فعالة لمقاومة توغل الصين في الغرب.بصورة مماثلة, تواجه روسيا تهديداً خطيراً من الجهاديين السنة. في الشيشان, داغستان وفي القوقاز المضطرب, السخط المتزايد من الحكم الروسي يشجع الشباب على الإتجاه للتطرف. كما أن تدخل روسيا في سوريا وتعاونها مع إيران الشيعية أثار حفيظة المسلحين السنة.

 

من السهل على الغربيين أن يُعدوا قائمة بمشكلات روسيا ويستنتجوا إننا لا نحتاج لسياسة حقيقية في روسيا؛ نحن نحتاج فقط أن نسترخي في مقاعدنا بينما نشاهد قوانين التاريخ العنيدة وهي تسحق نظام بوتين. لكن إذا كان عام 2015 علمنا درساً عن روسيا, فهو أن الغرب لا يجب أن يستخف بقدرة بوتين وإستعداده لخلق الكثير من الفوضى. إن بقاء النظام يُعد دليلاً لفهم سياسة بوتين الخارجية أفضل من الحماسة القومية الروسية؛ إذا كان بوتين يعتقد أن السياسة الخارجية العدوانية تعززه في الداخل, سوف يبحث عن المزيد من الفرص مثل الإستيلاء على القرم والتدخل في سوريا.

 

الهند

 

كانت الهند “دولة المستقبل” مثلما كانت البرازيل. بين الحكومة الديموقراطية للدولة, والجودة المرتفعة للقدرات السيبرانية للهند, والأداء النشط لبعض شركاتها الرائدة, ووجود ثاني أكبر كتلة سكانية في العالم تتحدث الإنجليزية, هناك الكثير من الأسباب للتفاؤل بشأن فرص الهند بعيدة الأمد. مع تباطؤ إقتصاد الصين, لم يُخفي رئيس الوزراء “مودي” آماله بأن الهند يمكنها ملئ الفراغ وجذب الإستثمار الذي ينسحب من الصين, ومن الأسواق الناشئة التي بُنيت لتغذيته. إن كساد السلع جيد بالنسبة للهند بطرق مختلفة: تستهلك الهند الكثير من الطاقة, وتستورد الكثير من المواد الخام. من 10,000 قدم, تبدو الأمور على ما يرام.

المشكلة هي إنه لم يتغير شيء في الهند لكي يجعلها أكثر ترحيباً بالمستثمرين الأجانب. تبقى الإصلاحات الإقتصادية الطموحة لمودي متوقفة في برلمان الهند. يبقى الفساد مرتفعاً, والضرائب واللوائح مُربكة ومُقيدة في كثير من الأحيان, والعوائق القانونية أمام الإستثمار الأجنبي لا تزال تُطبق بحزم.

كالعادة, الكثير من الطاقة الجيوسياسية للهند تُنفق على باكستان والتهديدات القادمة من المسلحين الإسلاميين في الولايات الشمالية والذين يعتقد معظم الهنود إنهم ممولون من باكستان. بعد زيارة “مودي” لباكستان في الأيام الأخيرة من 2015, قام أربعة مسلحين بالهجوم على قاعدة جوية هندية في أول يوم من عام 2016, مما محى أي آمال بأن العلاقة بين هذين العدوين القديمين قد تتحسن. على المدى الأبعد, هناك سؤال عما إذا كان مسلمو الهند سيبقون بعيدين عن جنون الجهاد وعما إذا كانت قتالية القوميين الهندوس سوف تستدعي رداً متطرفاً من مسلمي الهند البالغ عددهم 150 مليون.

بالرغم من مشاكلها الداخلية وقضية باكستان, لعبت الهند دوراً أكبر في صراع العروش في آسيا وعلى المستوى العالمي في 2015 وتبدو إنها ستواصل لعب نفس الدور هذا العام. لقد شهد العام الماضي مجموعة كبيرة من الإتفاقيات للتعاون في مجال البنية التحتية والمجال العسكري مع طوكيو وأعلنت الهند هذا العام عن خطط لمساعدة فيتنام في تشغيل قمر صناعي. طلبت نيودلهي أيضاً عروضاً من عدد من مصنعي الأسلحة الأوروبيين في 2015؛ إنها تأمل في إجراء بعض التحديثات العسكرية الكبيرة. في الوقت نفسه, كانت الهند تجذب الإنتباه عن روسيا وسوف تستفيد من إنفتاح إيران – بالإضافة إلى حاجة الهند للنفط, هناك تاريخ طويل لعلاقات فارس-الهند التجارية. لذلك حتى لو لم تملأ الهند مكان الصين إقتصادياً في 2016, فإنها من المتوقع أن تلعب دوراً حاسماً في الجيوسياسة أكثر مما كانت تلعبه منذ إنهيار إمبراطورية مغول الهند.

 

السعودية/إيران

 

إن التغيير الأكبر في قائمة القوى العظمى هذا العام هو وصول وافد جديد: إيران, أقوى دولة شيعية في العالم. مع حلفاءها في العراق, وسوريا, ولبنان, حصلت إيران على لقب قوة بارزة في الشرق الأوسط حتى قبل التطورات التي شهدها عام 2015. لكن طالما بقت طهران معزولة بالعقوبات, كان إمتدادها وقدراتها محدودين.

 

 إن الإتفاق النووي الذي نسقته واشنطن سمح لإيران بإمتداد جيوسياسي أكبر: تبلغ الأرصدة المفرج عنها وحدها 20-25% من الناتج المحلي الإجمالي لإيران عام 2014 وفقاً لبعض التقديرات, ورفع نظام العقوبات الدولية سوف يعزز الإقتصاد أكثر.

 

كان التراخي الغربي في سوريا أيضاً هدية كبرى لطهران – حيث أبقى الأسد عميل إيران في السلطة وترك الطريق من دمشق إلى بيروت خالياً بحيث تستطيع طهران أن تزود أصدقائها في حزب الله. أضف إلى ذلك نفوذ إيران المتزايد في العراق, ويصبح من الواضح أن ميزان القوى الطائفية يرجح كفة الشيعة في الفترة الأخيرة.

 

السعودية, التي كانت تمتلك إقتصاد أكبر من إقتصاد إيران بنسبة 40% قبل رفع العقوبات, كانت تضخ النفط بشراسة في محاولة لإبقاء الأسعار منخفضة وإبقاء إقتصاد إيران راكداً. يقدم السعوديون كل ما لديهم في المنافسة, لكن الإيرانيين يتخذون موقفاً دفاعياً ويمكنون المتشددين – الكثير منهم يشعرون بالمرارة حيال الإتفاق النووي.

 

يقوم السعوديون بتسليح المتمردين في سوريا بينما تقوم إيران بتسليح المتمردين في اليمن المتحالفة مع السعودية. تشتد الإعتبارات الطائفية في الأماكن الأخرى أيضاً, حيث جذبت السودان إلى الجبهة السنية وأدت الأتراك والقطريين إلى إبداء رأيهم في السعودية – غريمتهم القديمة. لقد خلق تمكين إيران بعض الشركاء الغرباء, حيث تميل إسرائيل الآن ناحية المعسكر السني.

 

كيف سينتهي هذا الأمر ، فإن ذلك متروك لتخمين كل شخص, لكنه بالتأكيد لن يتضمن تصالح السنة والشيعة وإتفاقهم على وضع خلافاتهم جانباً في الوقت القريب.

 

من المرجح أن المنافسة بين السعودية وإيران سوف تُبقي أسعار النفط منخفضة. لن يستطيع السعوديون تحمل الأسعار المنخفضة للأبد, لكنهم يمتلكون الموارد للإستمرار في الضخ لبعض الوقت وأظهروا إنهم مستعدون لتقديم تضحيات كبيرة إذا كان ذلك سيضر إيران. مع ذلك, كلما صرفت الرياض المزيد من النقود بسبب إيران, كلما أصبح الوضع السياسي في السعودية أكثر إضطراباً. كان السعوديون على مر التاريخ في منتهى الحذر في عالم السياسة الخارجية, والإنتقال إلى موقف أكثر نشاطاً يختبر قدراتهم المؤسسية وإرادتهم السياسية. إذا دفع المتشددون الإيرانيون الرياض إلى القيام بمجازفات أكثر سيتسبب هذا في زعزعة إستقرار المنطقة أكثر.

 

ربما لا تكون السعودية وإيران أعظم القوى العظمى, لكن مباراة الحقد بينهما, بعواقبها على أسعار النفط والإستقرار في الشرق الأوسط, تبدو وإنها ستولد المزيد من العناوين الرئيسية وآلام الرأس أكثر من أي قصة جيوسياسية أخرى في 2016. في نهاية المطاف, سوف ينخفض عدد القوى العظمى مجدداً إلى سبعة؛ الشرق الأوسط يمكنه دعم لاعب عالمي كبير واحد فقط. تبدو كلا من إيران والسعودية الآن عازمتين على الإنتصار, وتبدو التسوية بينهما غير مرجحة.

 

 إن الجائزة كبيرة؛ إذا حقق أحد الجانبين إنتصاراً حاسماً وأصبح مهيمن في أنحاء الشرق الأوسط, ستصبح الدولة المنتصرة قوة عالمية هائلة.