الحدث- حامد جاد
يشكو العديد من أصحاب المصانع في قطاع غزة من قضايا التعويضات المالية المرفوعة ضدهم بمبالغ كبيرة من قبل عمال ادعى بعضهم العمل لسنوات تجاوزت فترة عمل المنشأة التي يطالب العامل مالكها بالتعويض، وذلك وسط حالة من الانتقادات الموجهة إلى وزارة العمل التي أكدت أنها بصدد دراسة هذه القضية من كافة جوانبها للتأكد إن كانت القضايا المرفوعة على بعض أرباب العمل تمثل حالات فردية أم ظاهرة مجتمعية.
وبينما يفترض أن يكون قانون العمل بمثابة الناظم للعلاقة بين العامل وصاحب المصنع، إلا أن إعفاء القضايا العمالية من رسوم المحاكم دفع بالعديد من العمال للتوجه مباشرة لرفع قضايا تعويضات ضد أصحاب المصانع التي عملوا فيها دون أن يتقدم أحدهم بشكوى لوزارة العمل أو للهيئات النقابية ذات العلاقة.
حارس ليلي يطالب صاحب العمل بتعويض قيمته 300 ألف شيكل
وفي أحاديث منفصلة أجرتها الحدث مع ذوي العلاقة بقضايا التعويضات المرفوعة ضد العديد من أصحاب العمل أشار وضاح بسيسو رئيس اتحاد الصناعات الخشبية إلى أن أحد العاملين في مصنعه رفع عليه قضية تعويض ادعى فيها أنه عمل لديه منذ عام 1984 في حين أنه أسس مصنعه في عام 1994 مبيناً أن العامل المذكور قام برفع هذه القصية بعد 12 عاماً من تركه العمل وادعى أنه عمل لديه لمدة خمس سنوات وعندما قام بسيسو بفحص سجلات العامل المذكور تبين أن مجمل الأيام التي عمل فيها بلغت 245 يوماً وتم تسوية هذه القضية بدفعه مبلغ 1800 شيكل.
وقال بسيسو وهو أحد مالكي شركة بسيسو وعلمي للأثاث المنزلي والمكتبي: "أما الآن فهناك قضايا مرفوعة ضدي من عاملين أحدهما حارس المصنع الذي كان يعمل لدي منذ تأسيس المصنع كحارس ليلي، وكان يتقاضى 1250 شيكلأ، وعندما حرق مصنعي في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 2011 وذلك قبل 24 ساعة فقط من موعد تصدير كمية كبيرة من إنتاج المصنع، لم يكن الحارس موجوداً في المكان رغم أن دوامه الوظيفي يمتد من الساعة الثالثة عصراً وحتى السابعة من صباح اليوم التالي، حيث كان في ليلة حرق المصنع يعمل في مخبز مجاور ورغم ذلك استمر في العمل لدي لمدة أربعة أشهر ثم غاب عن العمل لمدة عامين بسبب مرض ابنته، وبعدها توجه للمحكمة وطلب تعويضاً تجاوز 300 ألف شيكل، وما زالت القضية أمام المحاكم منذ عام ولم يصدر حكماً بها كما لم يتم فتح تحقيق في حادث الحريق الذي ألحق بي خسارة بقيمة 1.6 مليون دولار".
تعويضات بدل مصروف جيب
وأضاف: "أما العامل الآخر فهو شاب صغير السن كان عمره 17 عاماً وكان يعمل بشكل متقطع، ما يعني أنه يعمل في الأسبوع يومين أو ثلاثة أيام وخلال السنتين عمل 40 يوماً وكان يتقاضى مصروف جيب، وبعد مضي سبع سنوات من تركه العمل رفع دعوى ضدي ادعى فيها أنه عمل لدي لمدة خمس سنوات".
وأكد بسيسو أنه من المفترض بقانون العمل أن ينظم العلاقة بين العامل وصاحب المصنع ويفترض أن يكون هناك دور لوزارة العمل، فنحن نتحمل التبعات المترتبة على ضياع الفرص الاستثمارية جراء الحروب دون أن يتلقى أصحاب العمل تعويضات عن خسائرهم كما يصعب عليهم تسريح العمال لفترة معينة ولكن من الممكن توقيفهم عن العمل دون المس بسنوات الخدمة.
واعتبر بسيسو أن إعفاء القضايا العمالية من الرسوم دفعت بالعديد من العمال لرفع قضايا تعويض ضد أصحاب المصانع التي عملوا بها.
العمل حالة فردية أم ظاهرة؟
من جهته أشار وزير العمل مأمون أبو شهلا إلى أن بسيسو أثار قضية التعويضات التي يطالب بها العمال أرباب العمل أمام رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله خلال زيارته الأخيرة لغزة واللقاء الذي عقده مع وفد رجال الأعمال في القطاع.
وبين أن رجال الأعمال ما زالوا يعانون تبعات المصائب التي لحقت بهم إثر الحروب المتعاقبة على غزة حيث تعرضت غالبية مصانعهم لأضرار مختلفة، وفي ذات الوقت لم ينج العمال من آثار هذه الحروب حيث أصبحوا دون عمل ولم يعد لديهم مصدر دخل لإعالة أسرهم.
وقال أبو شهلا: "نحن في وزارة العمل ندرس هذه القضية من كافة جوانبها إن كانت تمثل حالات فردية أو ظاهرة حيث نعمل حالياً على إعداد دراسة، ومن المتوقع الانتهاء منها خلال أسبوع كي يتضح هذا الأمر إن كان حالة فردية أم ظاهرة مجتمعية، وفي حال كانت ظاهرة فلا بد من التعاطي بجدية معها عبر التعاون مع مختلف الجهات ذات العلاقة ومن بينها وزارة الشؤون الاجتماعية ونقابات العمال والخروج بدراسة حول مدى تأثير هذه الظاهرة على المجتمع بشكل عام".
عمال وأرباب عمل يخفون بياناتهم
وشدد أبو شهلا على وضوح بنود ومواد قانون العمل من حيث إثبات حق العامل وواجبات رب العمل وحقوقه وحيثيات دور القضاء في الفصل بين الطرفين بما يكفل ألا يظلم العامل أو صاحب العمل، موضحاً أن وزارته تعتزم تكليف موظفيها المكلفين بمتابعة العمال ومنشآت العمل المختلفة أن يكونوا على مستوى المسؤولية وألا يتحيزوا لطرف دون الآخر وأن يراعوا تسجيل بيانات العمال كاملة، منوهاً في هذا السياق إلى أن مندوب الوزارة لا يطالب صاحب العمل بتزويده بالبيانات الوافية وفي ذات الوقت يعمد أرباب العمال والعمال إلى إخفاء بياناتهم، فأرباب العمل يخفون ذلك والعمال يخشون على وظائفهم، حيث تصلنا تقارير أثبتت أن الطرفين يخفيان الحقيقة.
وأكد أبو شهلا في ختام حديثه أن وزارته على وشك تطبيق نظام محوسب لضبط كافة الجوانب ذات العلاقة في مجال التشغيل وحقوق العمال وأصحاب العمل، حيث تم حشد المساعدات اللازمة من المؤسسات الدولية لإنجاز هذا المشروع المتوقع البدء بتطبيقه خلال الأشهر القادمة.
الدفع أو الحبس
أما ناصر الصفدي 49 عاماً الذي كان يمتلك شركة للخياطة في عام 1999 وحتى عام 2006 فاستعان بشخص يدعى (ص. ش) كان يقوم بحياكة الملابس لصالح شركته دون أن يداوم في مصنع الشركة، بل من خلال ماكينات الخياطة المتوفرة في منزل الشخص المذكور الذي ادعى لاحقاً أنه كان يعمل لدي الصفدي منذ عام 1994 وحتى 2010، علماً أن المصنع أغلق في عام 2006 وطالب بتعويض قيمته 160 ألف شيكل والقاضي حكم له قبل شهر بنحو 23 ألف شيكل.
وقال الصفدي الذي كان يروي للحدث مشكلته وهو يحمل حقيبة بلاستيكية وضع بداخلها بعض ملابسه قبل أن يسلم نفسه للشرطة: "لا أستطيع دفع هذا المبلغ وبالتالي سيتم اعتقالي حيث استعان (ص. ش) بشهود أحدهم كان يعمل في مصنعي وأدلى بشهادته التي أفادت بأن المدعي عمل لدي خلال الفترة المذكورة علماً أن ترخيص مصنعي صدر في عام 2000، وقام عامل آخر ادعى أنه عمل في مصنعي دون أن يكون لديه علم باسم صاحب المصنع، فالشهود يتبادلون فيما بينهم دور الشاهد أمام المحاكم، والآن يفترض أن أدفع أو أن أُعتقل حسب بلاغ وصلني من مركز شرطة الزيتون، لذا سأقوم بتسليم نفسي لمركز الشرطة قبل أن يأتوا بأنفسهم لاعتقالي بموجب قرار قضى بدفع المبلغ المذكور أو الحبس".
وانتقد الصفدي آلية عمل مندوب مكتب العمل الذي يدون في سجله المحمول عدد العمال، في حين أنه من المفترض أن يستقي بياناته عبر نموذج يتضمن الاستعانة بالعمال وصاحب العمل لدى تعبئة عدد العمال في المنشأة.
بدوره تساءل رئيس اتحاد الصناعات الإنشائية للرخام حسين أبو غليون: "لماذا يتوجه العامل إلى المحكمة قبل أن يتوجه إلى وزارة العمل؟ وبالتالي فالعامل لديه الحق في أن يتوجه لصاحب المصنع ويطالبه، وإذا لم يستجب صاحب المصنع لمطالبه وتنصل من مسؤوليته، يتوجه للاتحاد العام للصناعات، وإذا الأخير لم يجد له حلاً يتوجه للوزارة، ومن ثم للقضاء، داعياً الحكومة لإيجاد حلول للمطالبات العمالية والبدء بتشكيل لجنة مشتركة تضم أرباب العمل ووزارتي العدل والعمل".
ولفت أبو غليون إلى أبرز المشاكل التي تعرقل عجلة الإنتاج وتعيق مسيرة عمل أصحاب المصانع نتيجة لأزمة الكهرباء، وبالتالي يتم تشغيل الغالبية العظمى من عمال القطاع وفق نظام المياومة، لذا فإن أفضلهم حالاً يعمل من 150 إلى 200 يوم في العام بسبب تعطل العمل وصعوبة توفر المواد اللازمة للإنتاج، منوهاً إلى أن العامل المهني الذي يتمتع بخبرة في العمل يحصل على أجر يتجاوز الحد الأدنى للأجور، وبالتالي هناك الكثير من العمال يرفضون التوقيع على عقود عمل.
وفي سياق متصل طالب الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة خلال لقاء جمع الأسبوع الماضي عدداً من نواب كتلة حماس البرلمانية بحضور رئيس اتحاد نقابات العمال سامي العمصي وممثلين عن النقابات العمالية نواب المجلس التشريعي بسن قانون يتضمن تحديد الحد الأدنى لأجور العمال في قطاع غزة وممارسة الضغط اللازم على أصحاب القرار لسن القانون المذكور.
واستعرض العمصي المشاكل التي تواجه العمال في ظل وصول أعداد المتعطلين عن العمل لنحو 213 ألف عامل، لافتاً إلى أن نسبة البطالة بلغت نحو 60%، ونسبة الفقر قرابة 70% في صفوف العمال، وأن بعض العمال يعملون لنحو 11- 13 ساعة يومياً برواتب زهيدة ومتدنية، مما يتطلب ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور لإنهاء هذه الظاهرة.
وطالب العمصي النواب بالضغط على النائب العام لإقرار لائحة اتهام لمن يخالفون إجراءات السلامة والصحة المهنية بالعمل، خاصة بعد حادثة انهيار سقف مبنى قيد الإنشاء يتبع لجامعة الأقصى بمحافظة خان يونس أسفر عن وفاة عامل وإصابة 21 آخرين.
واتهم حكومة التوافق بأنها لم تقم منذ أن تولت مسؤولياتها بتشغيل أي عامل، منوهاً إلى أن العمال لم يتلقوا سوى بعض الوعود الوهمية التي أطلقتها الحكومة على لسان وزير العمل مأمون أبو شهلا ولم تتحقق، حسب ما قال العمصي.