الجمعة  29 آذار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

السيسي: الديكتاتور المحبوب

2014-04-01 00:00:00
السيسي: الديكتاتور المحبوب
صورة ارشيفية

بقلم: سمير درويش

لم يكن لدى أحد ممن خرجوا يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ خطة يمكن تطبيقها لو نجحت الثورة، كانت هناك تصورات عامة عن تفشي الفساد وضرورة محاربته، وإيجاد حاكم رشيد يتولى إدارة الأمور، وأمل في إمكانية النجاح أسوة بتونس، خاصة بعد يوم ٢٨ يناير. وخلال الإقامة بالميدان بدأ متطوعون يصوغون أحلامهم في شعارات رددوها، ولافتات علقوها على جدران المباني وعلى أعمدة الإنارة، كلها تتلخص في تشكيل مجلس رئاسي مدني، وحكومة مصغرة من التكنوقراط تدير الأمور لستة أشهر، مع اختيار لجنة لصياغة دستور عصري لدولة ديمقراطية برلمانية حديثة، ثم إجراء الانتخابات، وقد كان هناك من التوافق بين القوى المشاركة ما يسمح بالوصول إلى ذلك. لكن قوى متحكمة أرادت منذ اللحظة الأولى فرض سيناريو بديل، بتخلي مبارك لصالح المجلس العسكري، وتعديل ست مواد فقط في دستور ١٩٧١، وإدارة تحالفات في الخفاء تربك المشهد، وتفرض حقائق جديدة على الأرض تجعل تطبيق الخريطة المقترحة مستحيلاً.

من تجميع الكتابات والأحاديث والشهادات التي كتبت وأذيعت، خاصة أحاديث محمد حسنين هيكل والضالعين في إدارة المشهد وقتها، نستطيع أن نضع خطوطًا تحت عدة إشارات: الأولى، أن الحكومة الأمريكية نشطت عبر رجالها في واشنطن ومصر، في الاستخبارات والخارجية والدفاع، لإزاحة الديكتاتور والبحث عن زعيم أقل فسادًا بين رجاله يحفظ مصالحها- حسب نعوم تشومسكي-. الثانية، أن هناك مجلسًا عسكريًا ليس لديه خبرة في إدارة البلاد، يفتح عينيه وأذنيه لأي إشارات تأتي من أمريكا، ومحكوم بولائه التاريخي لمبارك ولا يريد إيذاءه، وإن كان ناقمًا على بعض رجاله، والثالثة، مجموعات ضغط ثورية أفرزها الميدان، تختلف في التفاصيل ولكنها تتفق على هدف انتقال مصر إلى ديمقراطية حقيقية ودولة مؤسسات، وهي لا تكف عن الضغط بوسائل متنوعة كالتظاهر والاعتصامات لبلوغ الهدف، والرابعة والأخيرة جماعة الإخوان المسلمين التي انسلخت عن صفوف القوى الوطنية حين لاحت لها فرصة الحكم، ووجدت قوى متحكمة- داخلية وخارجية- راغبة في تقدمها، بعد أن أعطت ضمانات للمستقبل.

من هذا المنظور يمكن القول إن ٣٠ يونيو وما ترتب عليه كان إعادة صياغة لتحالفات يناير، حسب الواقع الجديد الذي أفرزته التجربة، وموازين القوى على الأرض، خاصة أن المجلس العسكري لم يكن مرتاحًا من البداية لتسليم الحكم للإخوان المسلمين، وقد أدت الصياغة الجديدة إلى خريطة تحالفات إقليمية ودولية جديدة، أهم ملامحها الغضب الأمريكي والمساندة السعودية الإماراتية، وعودة الجماعة إلى حمل السلاح وممارسة “الإرهاب” كما حدث في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. هذا لا يعني- بالتأكيد- أن ما حدث مجرد انقلاب لأن من شأن هذا التوصيف إغفال خروج ملايين المصريين في تظاهرات عارمة مطالبة برحيل محمد مرسي، وإن تلاقت في ذلك إرادة القوى الثورية الجديدة، مع رجال مبارك، والقوى- الشعبية- التي أفرزها نظامه.

عبد الفتاح السيسي، الرجل القوي الذي أفرزته التقسيمة الجديدة، هو الزعيم الذي يُرضى تطلعات الفئة الغالبة الآن، فمن وجهة نظر قطاع كبير من المطالبين بالتغيير هو الرجل الذي وضع رأسه على كفه وتقدم في لحظة مرتبكة واتخذ القرار الصائب، مثل جمال عبد الناصر، ومن وجهة نظر رجال مبارك وأتباعه هو الذي خلصهم من الإخوان الذين أزاحوا بطلهم من الحكم، وهذان الفريقان يضمنان اعتلاءه مقعد الرئاسة بارتياح ودون منافسة تذكر، لكن هذا لا يلغي أنه- في نظر قطاع ثوري لا يستهان به- أحد إفرازات نظام مبارك، وأهم المسئولين عن كوارث المجلس العسكري الذي حكم مصر بقيادة طنطاوي لعام ونصف، كما أنه المسئول عما يحدث الآن من اعتقالات وقبض عشوائي وسجن في صفوف الثوار، فضلاً عن الإخوان المسلمين، ما ينبئ عن ظهور ديكتاتور محبوب.