الأربعاء  08 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في ذكرى تأبين سميح القاسم وطن القاسم يقول لـ الحدث: عندما علم بالمرض قال: أنا لا أحب فواكه البحر

2014-09-23 11:28:10 AM
في ذكرى تأبين سميح القاسم
وطن القاسم يقول لـ الحدث: عندما علم بالمرض قال: أنا لا أحب فواكه البحر
صورة ارشيفية

 أجرى الحوار: نبال فاعور هواري

الحدث: الكلامُ عن راحلِنا الكبير، الشَّاعر سميح مُحمَّد القاسم، هو بالضَّرورةِ، كلامٌ آخرُ، وذو نكهةٍ أُخرى، كلامٌ على أُمَّةٍ في رجل، وكلامٌ على وطنٍ في ثقافةٍ عاليةٍ وشامخة، وكلامٌ على روحٍ مُقاومٍ عنيد، تجاوزَ القيودَ والحُدودَ والسُّدود، وطارَ في الآفاقِ شِعراً من صهيلٍ وسنديان، ومن نثرٍ خَلوبٍ مُعَلَّقٍ بالانتصارِ والمرَجانِ والكهرمان...!، بل إنَّ الكلامَ على أبي وطن، غدا كلاماً على سنابلَ مُشرعةٍ للانطلاقِ في أرضِ العطاء، وفي سماءِ الدَّيمومةِ والانتشاء...!

لم يكنْ راحلُنا الكبيرُ إنساناً عاديَّاً في حياةِ شَعبِنا وأُمَّتنا، ولم يكنْ عابراً بلا ظلالٍ، ومن دونِ روسوخٍ مَرمريّ، بل هو رجلٌ مُحاكٍ للأساطير، ومُعانقٌ لجلجامشَ وهومير، ومُحلِّقٌ في فضاءاتِ وعوالمِ بابلو نيرودا، وجورج بايرون، وبيرسي شيلي، وأراغون ولوركا، بل هوَ فوقَ معالمِ الإبداعِ العادي، رسمَ فلسطينَ خارطةً من حرفٍ وإيقاعٍ مُعاندين، وراسخين فوقَ الذُّبولِ والانحدارِ والنِّسيان، وأرَّخَ لقضيَّتِنا، بما جعلَها تغزو عقولَ جميعِ البشرِ على الأرض، فطارتْ أشعارُهُ على كُلِّ شَفةٍ ولسان، وتجاوزتِ الضَّادَ إلى كُلِّ اللُّغاتِ الحيَّةِ في الدُّنيا، فَعُرفتْ فلسطينُ، وعُرِفَ أهلوها، وباتتْ قضيَّتُها عَصيَّةً على التَّلاشي والذُّبولِ والموت...!

سميحُ القاسم، تجاوزَ في إبداعِهِ الشِّعرَ والقصَّةَ والرِّوايةَ والنَّقد، وحلَّقَ في مراقي الفكرِ، مُكرِّساً جوهرَ حُضورهِ ومعنى انتمائه، فصارتْ أمَّتُهُ وغدا شَعبُهُ، العُنوانينِ السَّاكنينِ تفاصيلَ روحِهِ وحرفِهِ وهَمَّه، ونجحَ أيَّما نجاحٍ، في تكريسِ جوهريَّةِ الأدبِ المُقَاوم، بل أسَّسَ لهُ معَ الرَّاحلينَ الكبارِ أمثال: عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وتوفيق زيَّاد وإميل حبيبي ومحمود درويش، وراشد حُسين، وسواهم، وحلَّقَ في هذا المِضمارِ مدرسةً وعَلماً، وغدتْ إبداعاتُهُ مناهلَ لطُلَّابِ العربيَّةِ ولُغاتِ الأرضِ، يبحثونَ فيها، ويسبرونَ أغوارها، ويكتبونَ بُحوثَهم فيها، ما يُؤكِّدُ معنى الأصالةِ والانتماءِ، والتَّألقِ والإبداعِ المُتَفَوِّقِ في حُضورهِ الأصيلِ والنَّبيلِ، ذي الأبعادِ المُحلِّقةِ في معارجِ الكشفِ الرُّؤيويِّ عن خارطةِ الوجعِ الفلسطينيِّ والعربيِّ، في ساحاتِ الوجودِ الإنساني.

لم يَمُتْ سميحُ القاسم، ومِثلُهُ لا يرحل، تماماً كسائرِ المُحلِّقينَ في الملاحمِ الأدبيَّةِ والفكريَّة، وهو قائمٌ فينا وفي العالمِ أجمع، ينشدُ مع ربندرانات طاغور أشعارَ فلسطين، ويأوي مع كونفوشيوس، إلى مداراتِ الحِكمةِ، ويرسمُ مع ليوناردو دوفنشي، جوكندا جديدةً لمعنى وجوهرِ الإنسانِ على الأرض...!

سميح القاسم لا يصرفُهُ الغيابُ عن عُقولِ البشرِ وأهليه، سميح القاسم باقٍ كالنَّخيل، وعالٍ كالنَّجمِ المُحنَّى بالهداية، ومعطاءُ كالغيمِ وأنداءِ الأصباح...!

أيُّها الرَّاحلُ عنَّا جسداً، الرَّاسخُ فينا حرفاً، شِعراً، ثقافةً ومدرسةً...!

باقٍ فينا كاليقينِ وكالوطن،

وسابحٌ في نُهانا وخَفقِنا كالحُبِّ والوسن،

ومن الرَّامةِ إلى سبلانَ، إلى عمقا، إلى سعسعَ وصفوريَّة،

ومن ينوحَ إلى الكابري وأبو سنان،

ومن نحف إلى ديشومَ، إلى يركا،

ومن بيروتَ إلى دمشقَ إلى القدس،

ومن قاهرة المُعزِّ إلى القيروان، إلى قرطاجِ أليسار،

إلى شيرازَ وبودابستَ ومدريدَ،

إلى كلِّ بقاعِ الدُّنيا والأرض   

كما ابتدأنا هو كلامُ عن راحلِنا الكبير، الشَّاعر سميح مُحمَّد القاسم.. ولكن هذه المرة في حوار خاص لـ"الحدث" مع ابنه، وطن سميح القاسم، والذي طرحنا عليه بداية سؤال الهوية الشخصية:

من هو سميح القاسم لوطن؟

سميح القاسم هو صديق وأب وإنسان، من لما وعيت على الدنيا شفته وتربيت في بيته، صديق لأنه رافقني في جميع محطات حياتي واهم لحظات، بوصلة شخصية لي كإبن وبوصلة شعب

دائما كان سميح القاسم مرجعية لتساؤلات شخصية ومهنية وفي جميع المجالات، لم يكن حاجز بيني وبينه، العلاقة كانت كبيرة.

من اختار جبل حيدر؟

هو اختاره.. في السنوات الأخيرة بعد مرضه، وبدأ بالكلام عن موضوع الموت في أدبه وشعره وكتاباته، لم يدخل الموضوع لداخل البيت، وكان فقط في كتاباته

لكن بمرحلة ما عندما شعر أن روحه تنتقل إلى مكان آخر، أصبح يتعامل مع الموضوع بواقعية أكثر، أصبح يتكلم معي بالموضوع، وأصبح يفكر ماذا يجب أن نعمل في أمور داخلية في البيت، يطمئن علينا أنا وأخوتي بعد رحيله أن تكون الأمور بخير.

يوم من الأيام كان معي في السيارة وطلب أن نخرج في جولة إلى سفح جبل حيدر، وطلب مني أن أوقف السيارة وأن ننزل، وطلب أن يدفنوه هنا.

لماذا بالذات هذا المكان؟ وماذا كان يعني جبل حيدر؟

لأنه عاش في الرامة بالرغم من أنه كان في جميع أنحاء العالم، لكن في النهاية كان يقول أن الرامة المكان الذي يريد أن يكون به في نهاية المطاف، وسفح جبل حيدر يطل على شمال فلسطين من طبريا حتى عكا والبحر المتوسط.

هل ترك سميح القاسم كتباً أو أشعاراً غير مطبوعة؟

أكيد. كان غزير الإنتاج وخلال 3 سنوات ونصف من مرضه، أصدر 6 أو 7 كتب، وهذا شيئ غير عادي. كان دائم الكتابةـ وحتى في آخر آيامه وبينما يصارع المرض، طلب ورقة وقلم ليكتب

بعد عدة أشهر، وبعد أن تقوم العائلة باستيعاب الفاجعة سوف تبحث العائلة عن كتاباته ومطبوعاته وجاروره كان دائماً مليء.

خلال العدوان على غزة.. هل تابع سميح القاسم العدوان؟ وهل كتب شيئاً لغزة؟

كتب سميح أجمل القصائد في حب غزة وفي مقاومة غزة وأهلها وأطفالها، وفي العدوان الأخير كان وضعه الصحي متدهور، وأذكر أننا كنا أنا وأخوتي نعلمه بنشرات الأخبار، وكان يسألنا دائماً "شو صار اليوم بغزة يابا؟" "أكم واحد مات يابا؟" "أكم طفل مات اليوم يابا؟"

غزة لم تغب عن أفكار وهاجس سميح القاسم.

كيف تعاملت السلطة الفلسطينية مع موت سميح القاسم؟

فرض محبته واحترامه على جميع الشعب الفلسطيني وعلى جميع الأطر السياسية والاجتماعية بما في ذلك السلطة الفلسطينية وجميع التيارات والفصائل الفلسطينية ولامسنا هذا الشيء خلال الجنازة وبعد الجنازة.. لا أعلم شخصيات وطنية فلسطينية تنعيها وتعزي بها جميع فصائل السلطة الفلسطينية وجميع التيارات، من المغرب إلى الخليج ولبنان وسوريا ومصر والأردن، اتصالات ورسائل من الضفة وغزة.

من حماس والجبهة الشعبية وفتح والمخيمات.

هل أوصى سميح القاسم بشيء في آخر أيامه؟

لا أعتقد أنه من الممكن أن نقول أن سميح أوصى بشيء خاص في أيامه الأخيرة. لأن مشواره هو وصية واحدة كبيره لوطنه وشعبنا وعائلته، ومن يقرأ كتب سميح القاسم يعرف ما هي وصيته.

هل اتصل به أحد من المثقفين العرب أثناء مرضه؟

العشرات، من المغرب وتونس ولبنان والخليج وأوروبا والجاليات العربية، الولايات المتحدة، فنزويلا.

بالنسبة للتأبين هل يوجد جهات مختصة تتعاون معكم أو أن المراسم في نطاق العائلة؟

العائلة ومجموعة من الأصدقاء بدأت بالتحضيرات للتأبين، وستكون هناك لجنة تليق بسميح القاسم وبتأبينه، ولكن انشغالنا بالجنازة والتعزيات ما بعد الجنازة، منعنا من بداية التحضيرات، وهذا الأسبوع سنواصل التحضيرات.

كيف كانت علاقة سميح القاسم مع أسرته؟ بما أنه كانت لديها أسرة أكبر من الأسرة الصغيرة، فكيف كان يعايش هاتين الأسرتين؟

علاقة جميلة ومميزة. صفات سميح القاسم هو التواضع، الإنسانية، العطاء، الاهتمام بالغير أكثر من نفسه... هذه الصفات كانت موجودة في البيت.

عندما كان شخص يقول لي: "انا بعرف والدك، أنا صديقه"، كان يحكي لي عن تواضعه وشجاعته كنا نعرف نفس الإنسان.

هو في البيت كذلك، في المسرح في الخارج في السجن هو نفس الإنسان.

ونحن أطفال، لانشغاله بالقضية الفلسطينية والقضايا العالمية، ولانشغاله بالسفر والندوات كتب نهفة صارت عندما عاد من السفر وقف أولاد عمي يستقبلونه ويهتفون "وصل عمي سميح وصل عمي سميح" فأنا وأخوتي وقفنا مع أولاد عمي وأصبحنا نهتف أيضاً "وصل عمي سميح.. وصل عمي سميح" فهذه الواقعة أثرت به كثيراً، وكتب سميح القاسم أنه بعد هذه الحادثة حاول أكثر أن يكون متواجداً مع الأسرة.

الوالدة لعبت دوراً كبيراً في تربيتنا، وهو كان مركن أن هناك امرأة قوية، التي خصصت وقتها لتربية الأولاد.

هل هناك أحد من أبناء سميح لديه حس سميح في الكتابة؟

حتى اليوم لم يظهر شاعر، ولكن مواهب في مجالات أخرى. ياسر، الابن الصغير هو موسيقي، ينتج موسيقى أفلام، وموسيقى إلكترونية، ويعمل في مجال الطب البديل.

عمر يعمل في مجال السياحة.

وضاح في مجال الحواسيب والانترنت.

وأنا في مجال الإعلام والانتاج والتسويق.

وأنا محظوظ أن بدايتي في الإعلام والصحافة، كانت بالتوازي مع استشارة ومساعدة ونصائح والدي، عملت في الراديو من عمر 16 سنة، في صحيفة كل العرب، قمت بتحرير زاوية الثقافة والفن والموسيقى، والوالد قام بإطلاق الاسم على الزاوية، وكان سعيداً عندما كانت تصل مئات الرسائل

شعراً، لا يوجد ولكن يوجد مجالات تقترب من الإعلام والموسيقى والفن.

أيام سميح الأخيرة.. كيف كانت بالنسبة لوطن وأخوته؟

الأيام الأخيرة، لا أخفي عليك أنها كانت من أصعب الأيام في حياتنا وكنا نبكي من غير أن نذرف الدموع ومن غير أن نسمع البكاء لأننا لا نريد أن نظهر الوالد أننا فقدنا الأمل، ومن ناحية أخرى أنت تعلم أنه لا يوجد ما تفعله. وهذا الشعور أن شخصاً تحبه ترى أنه يذبل وروحه تخرج منه ببطء ولا يوجد ما تفعل، هذا أصعب شعور مريت به بحياتي.

كانت أيام صعبة جداً، وأنا كالإبن البكر كانت علي المسؤولية أن أشجع أمي وأخوتي ووالدي بأنها ليست النهاية، كنت أقوم بإسماعه موسيقى كلاسيكية يحبها، وكان يفرح عند سماعها، وكنت أتحداه في الأيام الأخيرة، وأسأله "أنت تعلم ماذا تسمع؟" فكان يعرف أنها لبتهوفن مثلاً او لألبينوني أو لنصير شمة، حتى في أيامه الأخيرة لم يفقد الوعي.

في الساعات الأخيرة بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة بساعات، سألت أخوتي لأتأكد، لأني تذكرت بيت شعر ألقاه:

"وحين تغادر روحي لفضاء يسمونه الموت، آمل أن لا تفارق وجهي الابتسامة، "فسألت أخوتي إذا رأو ابتسامة، فأجابوا جميعاً أنهم كانوا يفكرون بالابتسامة على وجهه، تشبه ابتسامته وهو يلاعب حفيده، سميح الصغير.

فحتى في آخر ساعاته، الابتسامة لم تفارق سميح القاسم.

سميح القاسم، كيف واجه المرض في البداية بعد علمه بالمرض؟

الأطباء يشهدون أنه عندما اخبروا سميح أنه مريض بالسرطان، فأجابهم إجابته الشهيرة: "أنا لا أحب فواكه البحر".

لم يعرفوا كثيراً من الناس والشخصيات التي واجهت المرض، البروفيسور جمال زيدان الذي رافق سميح في الـ3 سنوت للمرض، هو صديق سميح، طبيبه الشخصي، قال لم أشهد شخصية واجهت المرض بكبرياء وقوة وشجاعة مثل سميح القاسم.

وصدق سميح، أي أنه لم يكتب شيئاً وتصرف بشيء آخر، بل هو كتب بالفعل عن عدم محبته للموت وعدم خوفه منه، وحسب رأيي، معنوياته وعنفوانه، هو السبب الذي جعل الأطباء يقولون بعد العلم بمرض سميح أنه سيعيش بين 3-6 أشهر، سميح عاش 3 سنوات ونصف، وهو تغلب على المرض، ولكنه في النهاية سلم أمره للمرض.