الجمعة  03 أيار 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خاص "الحدث" | الحريات الإعلامية تنتزع بالوعي والإرادة

2016-07-27 06:42:53 AM
خاص
كاريكاتير هاني عباس

 

بقلم: د. عصام عابدين

 

إن قيام أي صحفي أو مواطن عادي بنشر معلومات غير صحيحة تتعلق بإحدى الوزارات أو الهيئات العامة لا يشكل بحد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون، وبالتالي فإن تقديم شكوى وادعاء بالحق المدني على هذا الأساس لا يبرر أو يشكل أساساً قانونياً كافياً لإصدار مذكرة قبض وتنفيذها والمساس بالحرية الشخصية، حتى وإن تسبب خطأ الصحفي بنشر معلومات غير  صحيحة، والطرف المقابل يملك حق الرد وتصحيح المعلومة في تلك الأحوال.

 

كما أن حجز الحرية الشخصية، إنْ كان له مقتضى قانوني، لا يتم إلاّ بمذكرات قضائية (قبض/ توقيف) صادرة حصراً عن النيابة العامة أو القضاء المختص (مادة 11 قانون أساسي) ويجب على الجهة التي تنفذ إجراء القبض إبراز مذكرة القبض وإطلاع الشخص المراد القبض عليه على مضمون المذكرة (مادة 112 إجراءات جزائية) والأمر يعني بوضوح أن الأجهزة الأمنية لا تملك أية صلاحية قانونية تخولها إصدار مذكرات قبض من تلقاء ذاتها وتنفيذها، أو القيام بإجراء القبض دون وجود أمر قضائي صادر عن النيابة أو القضاء وإبرازه وفق الأصول والقانون، وبخلاف ذلك نكون أمام جريمة دستورية وقانونية موصوفة في القانون الأساسي الفلسطيني وقانون العقوبات النافذ (جريمة حجز الحرية الشخصية) تستوجب مساءلة مرتكب الانتهاك وتعويض المتضرر.

 

وتفتيش المنازل، لا يتم إلا بمذكرة تفتيش صادرة عن النيابة العامة أو بحضورها، ويجب إبرازها عند القيام بإجراء التفتيش (مادة 17 قانون أساسي تقابل مادة 39 إجراءات جزائية) والأشياء التي يتم ضبطها من المنزل وفقاً للأصول يجب أن يتم تثبيتها في محضر رسمي خاص؛ يسمى محضر  التفتيش، وأن يتم التوقيع على هذا المحضر من قبل مأمور الضبط الذي ينفذ إجراء التفتيش وصاحب المنزل المراد تفتيشه، وينبغي ذكر الأشياء التي تم ضبطها والأماكن التي وجدت فيها في محضر التفتيش (مادة 50 إجراءات جزائية)، وبالتالي فإن دخول المنازل بدون مذكرة تفتيش صادرة عن النيابة العامة أو بحضورها يشكل جريمة دستورية وقانونية (جريمة خرق حرمة منزل) موصوفة في القانون الأساسي الفلسطيني وقانون العقوبات النافذ تستوجب المساءلة وتعويض المتضرر.

 

وعملية تفتيش المنازل، يجب أن تتم في النهار، ولا يجوز لمأموري الضبط من الأجهزة الأمنية دخول المنازل ليلاً للقيام بالتفتيش؛ إلاّ في أحوال استثنائية تتعلق بالجرم المشهود أو وجود ظروف تستوجب الاستعجال والقيام بعملية التفتيش ليلاً (مادة 41 إجراءات جزائية) وهي تخضع لرقابة القضاء، ومرتبطة بطبيعة الجريمة ومدى خطورتها ووجود قرائن قوية على وجود أشياء بالغة الأهمية والخطورة في المنزل استوجبت إجراء عملية التفتيش ليلاً، وهذا الاستثناء لا يجوز إطلاقاً التوسع فيه، ولا يرد بطبيعة الحال في قضايا تتعلق بالرأي والنشر.

 

ليس هناك أي مبرر، لإصدار مذكرات قضائية بالقبض أو التوقيف بحق الصحفيين أو المواطنين العاديين على قضايا النشر، حتى لو تضمنت قدحاً أو ذماً بالمفهوم الوارد في قانون العقوبات، والقول بغير ذلك يحمل في طياته "عقوبات استباقية" تستهدف النيل من حرية الرأي والتعبير، وتنطوي على تعسف في استخدام الحق، لأن القضاء (محكمة الموضوع) هو من يفصل في كون القدح أو الذم مُجرّماً أو مباحاً وفقاً لأحكام قانون العقوبات النافذ.

 

إن كون فلسطين من الدول التي لا تزال تشريعاتها الجزائية تنص على الحبس على قضايا النشر، خلافاً لأنظمة ديمقراطية لم يُسجل في تاريخها أنها قامت بحبس أي إنسان في قضايا النشر منذ الحرب العالمية ولغاية الآن، لا يُبرر الخروج عن الأصول والضمانات الإجرائية وفرض عقوبات استباقية من خلال مذكرات القبض أو التوقيف في قضايا النشر، تستهدف النيل من الصحفيين ونشطاء الرأي وإشغالهم في المحاكم والجلسات القضائية وبيروقراطية الإجراءات وصولاً إلى عدالة متأخرة بأحكام البراءة من قبل القضاء، وعلى حساب الصالح العام.   

 

والأصول الإجرائية، في جرائم النشر، تقتضي إحالة ملف الاستدلال إلى النيابة العامة التي تتولى إجراء التحقيق أو إحالة الملف مباشرة إلى القضاء للفصل فيه، و لا مبرر للقبض أو  التوقيف، طالما أن القول الفصل لمحكمة الموضوع في نهاية المطاف. والمساس بالحرية الشخصية (الحبس) وقرينة البراءة المفترضة لكل إنسان لها أصول وفلسفة في القانون؛ من قبيل خطورة المتهم على الأمن العام والسلامة العامة أو في الجرائم ذات الطبيعة الخطرة أو  عند الخوف على حياة المتهم وما شابه، وهذه الفلسفة وتلك الأصول القانونية لا مكان لها في قضايا النشر ، وبالتالي فإن إجراء الحبس هنا لا يعدو كونه "عقوبة استباقية" تستهدف الصحفيين وحرية الرأي بغير وجه حق.

 

إن الوقوف على تلك الإجراءات، في التغطيات الإعلامية، مسألة بالغة الأهمية، في تسليط الضوء على طبيعة وحجم الانتهاكات وتفاصيلها، والضغط باتجاه محاسبة مرتكبيها، وإعمال وصيانة مبدأ سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي، باعتبارها مرآة الحقوق والحريات، وأكسجين الديمقراطية. 

 

هنالك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية في قضايا الرأي والتعبير، وليس فقط المنظمات الحقوقية، وبخاصة على صعيد تعزيز المعرفة وتعميق الثقافة الحقوقية ونشر الوعي بفضاء حرية الرأي والتعبير والدفاع عن الحقوق والحريات العامة، وتعزيز الرقابة المجتمعية على أداء السلطات العامة ومؤسساتها وأجهزتها.

 

كان هناك موقف لافت وواع من عدد من الصحفيين/ات، وبخاصة من الجيل الشاب، في قضية اعتقال زميلهم الصحفي محمد خبيصة، وقد بدا هذا الموقف واضحاً من خلال تعليقاتهم القوية والمعبّرة المنشورة على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الإعلامي وتغطيتهم الإعلامية للاعتقال، وموقف أيضاً من قبل نقابة الصحفيين، وفي ظني أن هناك شريحة من الصحفيين/ات الفلسطينيين الشباب تمتلك إرادة وعزم هائل للدفاع عن الحقوق والحريات العامة وتعزيز الحريات الإعلامية، وإصرار على أداء رسالتهم الصحفية بحرية ومهنية دون تأثير أو تردد.

 

قد يتطور هذا الأداء الفردي، يوماً ما، باتجاه عمل منظم وأفكار وأنشطة مشتركة ومتنوعة تستهدف الإصلاح  والمأسسة في القطاع الإعلامي، الذي يعاني الكثير في الحالة الفلسطينية، ويلقي ظلالاً ثقيلة على حالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية وعلى الرقابة المجتمعية وإمكانية الإصلاح في الأداء العام، وهذا يتطلب بالضرورة تعميق الوعي والمعرفة بمنظومة الحقوق والحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير، والتركيز على مختلف الأبعاد الحقوقية خلال عمليات رصد ومتابعة الانتهاكات، وتتبع كافة الإجراءات المتخذة من قبل الجهات التي تمارسها، للوقوف على مكامن الخلل والاحاطة بها من مختلف جوانبها، وتسليط الضوء عليها بكثافة وتركيز خلال التغطيات الإعلامية، بما يساهم في تشخيصها بدقة، ومواجهتها بكفاءة، والضغط باتجاه محاسبة مرتكبيها.

 

هنالك حاجة للعمل على تشكيل "ائتلاف حقوقي – إعلامي" للدفاع عن حرية الرأي والتعبير بمفهومها الواسع، والتصدي للانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون ووسائل الإعلام ونشطاء الرأي بأشكال مختلفة، ومراجعة التشريعات والسياسات العامة المرتبطة بحرية الرأي والإعلام، وبخاصة بعد انضمام فلسطين للعديد من الاتفاقيات الدولية، ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بدون تحفظات، بما يتطلب العمل على اجتثاث جرائم النشر من قانون العقوبات والتشريعات ذات الصلة، انسجاماً مع التزامات دولة فلسطين التي تملي عليها حظر الحبس على قضايا النشر، وتعديل تشريعاتها على هذا الأساس، وهي عملية لا تحتاج مجهود تشريعي كبير، بقدر ما تحتاج إلى إرادة وعزم، وضغط باتجاه إجراء التعديلات التشريعية المطلوبة.

 

وهنالك حاجة لرؤية ودور أكثر وضوحاً وأداء مؤسسي فاعل من قبل نقابة الصحفيين، في الدفاع عن الحقوق والحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي، وشراكات استراتيجية مع المنظمات الحقوقية الفاعلة للنهوض بمنظومة حقوق الإنسان، وخلق مناخ إعلامي تعددي حر ، والدفاع عن الصحفيين ووسائل الإعلام في مواجهة الانتهاكات، وحماية حرية الفكر  والحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات بحرية، وتعزيز الرقابة المجتمعية على الشأن العام.

 

هل تمتلك نقابة الصحفيين رؤية أو تصور واضح في كيفية التعامل مع التشريعات السارية ومشاريع القوانين المرتبطة بحرية الرأي والإعلام المرئي والمسموع والمقروء مستندة للقانون الأساسي والمعايير الدولية والممارسات الفضلى؟ وما هو الدور الذي تقوم به المؤسسات الإعلامية على هذا الصعيد؟ وكيف تسمح نقابة الصحفيين ومعشر الإعلاميين/ات باستمرار سريان قانون نقابة الصحفيين لعام 1952 لغاية الآن؟ وما الذي يمنع من وضع تصور وجدول زمني لإنجاز والضغط باتجاه إقرار  قانون عصري لنقابة الصحفيين منسجم مع  المعايير الدولية والممارسات الفضلى، قادر على حماية حقوق الصحفيين وتحصينهم في مواجهة الانتهاكات والاعتقالات على قضايا النشر، وعلى النهوض بالواقع الإعلامي الفلسطيني، وتعزيز حرية الرأي والتعبير، وهم الأقدر على كشف مكامن الخلل وتسليط الضوء عليها والقيام بالحملات الإعلامية للضغط والتأثير  في التشريعات والسياسات العامة؟